السبت ٢٦ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١١
بقلم ضحى عبد الرؤوف المل

شقية أنتِ....

أمسك فرشاة الشَّعر!.. نظر الى وجهه في المرآة، لكنه سرعان ما وضع قُبّعته الصوفية على رأسه وخرج يطوف بحثاً عنها...

كان زفير الصباح البارد، كموسيقى تخرج من فم عصفور مُتعب يستميل الحياة اليه بفنّه المعهود.. والريح الصباحية تُعانق وجه النجمات التي بدأت تختفي، لتصبح غير مرئية، فيبقى طيفها نوراً، والغيوم تتراقص مُتهادية في سماء تمسح نُعاسها عن عيون شمس تغتسل بينها، بينما الزهر يُرخي أكمامه، فيتلوّن القرنفل، ويتنفس الورد في وجه الصباح، ويتشابه الياسمين ليستحيل عطراً عابراً الأكوان، فيلامس الأفئدة في كل حين...

في هذا الصباح مشى والحيوية!.. فيض يتدفق في جسده النحيل، وأصوات الخُطى تتعالى كأنّها حوافر خيول تدقّ الأرض سعياً. تساءل في نفسه! هل سأجدها كما رأيتها أول مرّة.. تتألق بهاء كأنها تحمل ألوان الفراشات التي تختصر الفصول كلّها؟!...

هل سأحملها بين يدي، لأجعلها تلامس عنقي، فأشعر بها على صدري كأنها تمتص أحزاني؟!...

نعم، دائماً ستكون معي، سترافقني بيّ وفيّ.. يا إلهي.. ما أجملها!.. حين رأيتها أول مرّة جذبني سحرها وتناسقها، فحين لامَستها أصابعي شعرتُ أنها لي..

آه.. ليتَ ما ادخرته يكفيني لأمتلكها.. ستزيدني جمالاً، ستجعلني مُشرقاً، سأشعر بالفرح وعيون أحبّتي تنظر اليها، وهي تتمايل على صدري كأنها رقّاص ساعة يتدلى، ما أجملها!...
تذكّر كلمات أبيه عنها «حين تختارها.. عليك اختيار الأفضل منها، لأنها لمسة الرجل الأخيرة قبل ان يُنهي أناقته.. هي عنوان شخصيته، وهي التي تدلّ عن ذوقه وحسن اختياره، وحين تضعها على صدرك!.. يجب ان تكون كميدالية تفتخر بها كي تراها العيون، وتشعر أنك رجل مميز بين الحضور»...

مشى مسرعاً كي يراها ليأتي بها.. وهو غارق في تخيّلها مستلقية على صدره لتمتص أثقال صدره المُتعب من خلال ألوانها، وهو الذي انتظر شهوراً كي يجمع ثمناً لها...

نظر من بعيد لم يجدها.. أين هي؟.. وجد الكثيرات من الجميلات، وقف في صمت يتأملهن، فكل واحدة منهن مختلفة في ألوانها وقوامها، فأية واحدة سيختار لسهرته اليوم؟.. ملأت الحيرة قلبه وشعر بالحزن لأنه كان يريدها هي فقط، لكنه لم يجدها...

أين هي يا ترى؟.. بدأ يفتش عنها ونظره كالبرق يبحث هنا وهناك، لكنه لم يجدها.. يا إلهي!...

شعر بالحزن لفقدانها لكن سرعان ما شدّ انتباهه جمالهن، فكل واحدة مختلفة عن الأخرى لوناً وشكلاً. أوه!.. هذه جميلة!.. لامسها.. وضعها على صدره، لكن لم تعجبه كثيراً...
سترافقني هذه.. ما أجملها، إنها مختلفة عن تلك، فهذه ألوانها خريفية مع حُمرة بسيطة، أمسكها بيده!.. مدّها على كفّه!.. تأملها طويلاً!.. تساءل: هل تناسبني يا ترى؟!...
عاد الى البيت مسرعاً، كان غارقاً في التفكير كأنه في موج سريع المدّ.. اغتسل.. تعطّر.. فتح الخزانة كي يختار قميصاً لسهرة رومانسية مختلفة مع حبيبة مميزة.. لبس بذلته التي يُحبّها أمسكها، وضعها على صدره..

آه ما أجملك!.. شمّها.. يجب ان تتعطّري.. رشّ قليلاً من عطره عليها.. لفّها على عنقه وربطها.. ربطة أنيقة تدلّت على قميصه كقطعة لونية تزيّن بها..

آه... ربطة عنق جميلة أنتِ.. أخيراً امتلكتكِ.. شقيّة أنتِ!.. سأحتفظ بك دائماً مع هذه البذلة.. سأكتب تاريخ اليوم على قماشك الناعم، لأنني اليوم سألتقي بحبيبتي لأول مرّة، فهي جميلة وقوامها رشيق، هي فاتنة كأنتِ...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى