الخميس ١ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١١
بقلم رواء الجصاني

الجواهري ... بين المعـري وعبد الكريم كاصد

ليس جديدا على عبد الكريم كاصد ان يأتي جديده «جنة ابي العلاء» جديداً في الصياغة الابداعية والمضمون غير التقليدى ... وهكذا جاءت نصوصه في ذلك المؤلف: شيقة مليئة بالجمالية، والعوالم المتداخلة في امتداداتها، وما بين ذلك وهذا، وبكل ايجاز: تنوير بلغة شاعرية انيقة ..

.. وبحسب ما نزعمه من تخصص، كما وانحياز ، دعونا نقتطف بعضاً مما دار في «الجنة» حول الجواهري الكبير، بخيال ثري طفحت به رؤى واراء كاصد على لسان المعري، وفيه اكثر من مغزى ومعنى ، كما افصح ، وأضمر المؤلًف ..

... يجيب «المعري» على تساؤل: «وَمنْ من الشعراء العراقيين الذين التقيت بهم هناك – في الجنة - وتحدثت إليهم؟» فيقول: كثيرون، من بينهم الجواهري، الرصافي، والزهاوي، وبدر والبياتي... ويستمر متحدثاً لعبد الكريم ...

" جاءني البياتي يوماً وقال لي: إنه كتب عني قصيدة لم يتذكرها فأدنيته مني، وحين سألته عن شعراء الأرض لم يذكر حسنة لهم. وله عداواته العديدة في الجنة مع شعراء كثيرين فلا يحييه أحد ولا يحيي أحداً، ولاسيما بعد وصول الجواهري وما لاقاه من حفاوة قلّ نظيرها إذ استقبله الله جل جلاله والملائكة استقبالاً حافلاً مما أثار حفيظة البياتي الذي دخل الجنة منهكاً يهدّه التعب من رحلته الشاقة إلى السماء فلم يستقبلهُ غير الحارس رضوان الذي عامله بجفاء كما قيل. لماذا؟ لا أدري. ربما لكراهته الشعر فرضوان مشهور بهذه الكراهة، غير أن البياتي لا يعرف ذلك.

أسرّني البياتي أن كل ذلك جرى لأن الله والملائكة ورضوان لا يحبون الشعر الحر، مع أنه قريب الشبه بآيات القرآن، فقلت له أواسيه: مهلاً..! إن الخالق، سبحانه، لا يتوقف عند شكل من أشكال الشعر. مهما دنى أو ارتفع.. ثم أن رضوان ما زال لم يتعلم العربية وهو لا يتحدث أبداً. ومن سمعه قال إنه يتحدث الآرامية."... ويتابع المعري "خففت كلماتي هذه من عذاب البياتي إلاّ أن ما أغاظه أن الله لم يجلب الملائكة وحدهم في استقبال الجواهري بل الجن أيضاً لينقروا الدفوف ويعزفوا احتفاءً بالشاعر وكأنّ ثمة عرساً في الجنة. وهذا خرق لقوانين الجنة. وياليتها خُرقت كما قال بعض الشعراء في أعراف أخرى تستدعي الخرق.... "

... ويسوقنا النص اعلاه لان نستذكر في كتابتنا هذه، بائية الجواهري المتفردة في المعري، وعنه، بمناسبة المهرجان الذي اقامه المجمع العلمي العربي بدمشق عام 1944 بحضور نخبة من المثقفين والرسميين البارزين، وفي مقدمتهم طه حسين، ومن اجواء القصيدة:

قِفْ بالمَعرّةِ وامْسَحْ خَـدّها التّـرِبـا، واستَوحِ مَنْ طَـوّقَ الدّنيا بمَـا وَهَـبـا
واستَوحِ مَنْ طبّبَ الدّنيا بحكْمَتِهِ ومَنْ على جُرحها مِن رُوحه سَكَبا…
((أبـا العـلاءِ)) وحتى اليومِ ما بَرِحتْ صَنّاجةُ الشّعر تُهدي المترفَ الطّربا
يَستنزلُ الفكرَ من عَـليـا مَنازلهِ رأسٌ ليمسحَ من ذي نعمةٍ ذنَبا...
وزُمرةُ الأدبِ الكابي بـزُمـرتـهِ تفرّقتْ في ضَلالاتِ الهوى عُصَبا
تَـصـيّـدُ الجـاهَ والألـقـابَ نـاسـيةً بأنّ في فكرةٍ قُدسيّةٍ لـقـبـا...
وأنّ للعـبقـريّ الـفـذّ واحـدةً إمّا الخُلودَ وإمّا المـالَ والـنّـشـبـا...
من قبلِ ألفٍ لَوَ انّا نبتغي عِظَةً، وعَظْتنَا أنْ نصونَ العلمَ والأدبا..
على الحصيرِ.. وكوزُ الماء يَرفدُه وذِهـنُـه.. ورفـوفٌ تحمِـلُ الكتبا
أقـامَ بالضّـجّـةِ الدّنـيـا وأقـعـدَهـا شيخٌ أطلّ عـلـيـهـا مُشـفـقـاً حَـدِبـا
بَكى لأوجاعِ ماضـيها وحاضرِهـا، وشـامَ مُسـتـقْـبَـلاً مـنـهـا ومـرتـقَـبـا
وللكآبـةِ ألوانٌ، وأفـجـعُـهـا أن تُبصرَ الفيلسوفَ الحُرّ مكتئِبا….
لِثـورةِ الـفكرِ تـأريـخٌ يحـدّثُـنـا بأنّ ألفَ مسـيـحٍ دونَـهـا صُـلِـبـا...

وما دام الحديث راح في اطار التوثيق والتأرخة ايضاً ، فدعونا - مرة اخرى - نضيف ما نظنه ذا صلة، فننقل ان ثمة الكثير بين كاصد والجواهري،ومن ذلك - للتأشير وليس للحصر- عنايته بالاشراف اللغوي على ذكريات الشاعر الخالد، ومساهمته في مهرجان مئويته (اربيل والسليمانية عام 2000 ) ومشاركته، ضيف شرف، في فعاليات احياء الذكرى العاشرة لرحيل الجواهري (براغ – 2007 )... ذلكم الى جانب العديد من الكتابات والنصوص، مثل قصيدة " كلاسيك الى الجواهري " في مجموعته" قفا نبكي" المنشورة عام 2002 ..ومنها، مخاطباً الشاعر الخالد:

انبيك اني بدار ليس يسكنها ، الا الحثالة من مكذوبة النسبِ ...
انبيك ان بغاث الطير قد نطقت ، وان جل خيول القوم من قصب ...
لله كيف استحال المرتجا اجلاً ، وكيف اضحت فتات غاية الارب
وكيف ان غراباً ناعباً هرماً، اضحى يقال له " صناجة العرب "...

تنويه واعتذار

في كتابتنا المعنونة " ذكريات وشهادات عن ذكريات الجواهري " التي نشرت في وسائل اعلام عديدة قبل ايام ، حدث خلل طباعي تسبب في عدم ظهورالتوثيق المطلوب عن مساهمة المبدع عبد الكريم كاصد في اتمام جزأي " ذكرياتي " للجواهري الذين صدرا عامي 1989-1990 ..وذلك ما يتطلب التنويه والاعتذار .... رواء الجصاني

أنبيك أنّي بدارِ ليس ساكنها
إلا الحثالة مأنبيك أنّي بدارِ ليس ساكنها
إلا الحثالة من مكذوبة النسبِ
يبكون منفىً وفي المنفى لهم وطن
يفدونه برخيص الروح والنشبِ (1)
ومنهمو صاحب يمشي على كبرٍ
مشيَ البهائم نحو الماء والعشُبِ
أنبيك أنّ بغاث الطير قد نطقتْ
وأنّ جُلّ خيول القوم من قصبِ
وأنّني عائذٌ ممّا أطالعه
خارتْ عجول وخارتْ أصلبُ الركبِ
وأقبلتْ سوقهُم تُخلي مآتمهم
وسيق للعرض ما يربو على الطلبِ
وعاد من غابة الأسلاف ذو ذنبٍ
يلغو بغابر أنسابٍ بلا ذنبِ
أمّاً التي حملتْ في جيدها مسداً
فدهرها أبداً حمّالةُ الحطبِ
كيف السبيل إلى نارٍ تضلّلني
فقد تراءتْ وما في النار من لهبِ
لله كيف استحال المرتجى أجلاً
وكيف أضحتْ فتات غايةَ الأربِ
وكيف أنّ غراباً ناعباً هرماً
أضحى يُقال له: "صنّاجة العربِ"
وأسوأ الخلق أنصاب يطوف بها
من لا يفرّق بين النبع (2) والغَرَبِ (3)
ن مكذوبة النسبِ
يبكون منفىً وفي المنفى لهم وطن
يفدونه برخيص الروح والنشبِ (1)
ومنهمو صاحب يمشي على كبرٍ
مشيَ البهائم نحو الماء والعشُبِ
أنبيك أنّ بغاث الطير قد نطقتْ
وأنّ جُلّ خيول القوم من قصبِ
وأنّني عائذٌ ممّا أطالعه
خارتْ عجول وخارتْ أصلبُ الركبِ
وأقبلتْ سوقهُم تُخلي مآتمهم
وسيق للعرض ما يربو على الطلبِ
وعاد من غابة الأسلاف ذو ذنبٍ
يلغو بغابر أنسابٍ بلا ذنبِ
أمّاً التي حملتْ في جيدها مسداً
فدهرها أبداً حمّالةُ الحطبِ
كيف السبيل إلى نارٍ تضلّلني
فقد تراءتْ وما في النار من لهبِ
لله كيف استحال المرتجى أجلاً
وكيف أضحتْ فتات غايةَ الأربِ
وكيف أنّ غراباً ناعباً هرماً
أضحى يُقال له: "صنّاجة العربِ"
وأسوأ الخلق أنصاب يطوف بها

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى