سالم جبران شاعر المحبة ومفكّر الحرية
أخاطبك كما خاطبتك دائماً ...
شاعراً..
عبّرت عن أصدق ما يدور في وجدانك من مشاعر، فشعَّ منك نور في دائرة الشِّعر وأضاءها، ولكنّك خرجت من هذه الدائرة..
وسياسيًّا..
حاولت أن تدين السياسة بالصِّدق والصِّدق بالسياسة، ولكن لم يكن الأمر ممكناً، وأيضاً، خرجت من هذه الدائرة..
فقلت:
"لست أعرف اسماً لهذا المكانفهذا المكان أنا، وأنا هو هذا المكانيموت الجراد هنا أو أكون طعام الجرادويروي دمي أرض هذا المكان.." ("هذا المكان"-رفاق الشّمس ص8)
ولم تقبع، في أي يوم، في مربَّع أو إطار ضيّق، فأنت تعبّر عن الظلم كاتباً:
أمّاه يا أمّاهيا وجهاً حزيناً عنده ملامح الإلهلا تقفي بعد على الشّباك في انتظاريجلالة السّلطان لا يمنحني التصريح،لا تنتظرينيواسمعي أخباري.
("رسالة إلى أمي" قصائد ليست محددة الإقامة ص 11)أو "شعبي أنا أعرفهإن أظلمتينسج من دمائه نهار". ("نهار شعبي" قصائد ليست محددة الإقامة ص22)وقد استوحيت الحرية من شقاء العمّال، وقلت:"يولد من جديدأراه في دمشق في كتائب العمّالتدوس ليل ألف قرنٍوتطول يدها المحالأراه في سواعد الزُّرّاع تحيي أرضنا المَوات"
("يولد من جديد" قصائد ليست محددة الإقامة ص67)
إرثك انطلاقة تحرّر من العقائديّة المحدودة المربّعة، إلى مدى صادق أوسع من كل الأسماء والمصطلحات والأمكنة...ذهبت إلى صدق مع ذاتك كإنسان تجاوز حدود السياسة.
ومفكِّراً..
كنت شاعراً مفكِّراً، فاخترقت حدود ال-أنا وحلقة المشاعر النّرجسيّة الضّيقة..
وكنت تفكّر وأنت تسبح في بحر السياسة، فنجوت قبل أن تغرق..
وكنت تفكّر وأنت تفكّر، فاخترقت مجالات لا نهائيّة، فكفرت بالحدود العرقيّة والعقائد الجامدة والتقاليد السّطحية ونجوت بحرّيتك التي عشقتها دائماً، ودعمتني كإمرأة وأضأت حرّيتي كإنسانة. أنت الذي قلت:
"ناموس هذا الكون،لا حب بلا آلامفاغسل بنور الشمس عينيكلكي لا ترهب الظَّلام" ("إلى الأمام" كلمات من القلب ص 84)وإنساناً..
هكذا قضيت، إنساناً بلا حدود، تعانق المدى وتنعم بروح كونيّة جبرانية، فكنت "بشير الريح والمطر" وقلت:
"يمكنكم أن تأخذوا ربابتيوتحرقوها، بعد أن تُقطِّعوا الوتريمكنكم.. يمكنكملكنّكم لن تخنقوا لحني،لأني عاشق الأرض،مُغنِّي الريح والمطر" (قصائد ليست محددة الإقامة ص 9 - 10)إنساناً..
أبيت أن تردّ الظّلم بالظّلم والوعيد، ولكنك عبّرت بتدفُّق عن معاناتك منه وحملت هموم الآخرين كهمومك. وكتبت:
"أنا لن أغنّي..ولْيمُتفي حقده الوحش الّلئيمفي مهجتي أشواك حقل سائبللاّجئين.....جرح مليون بأعماقي،وهمٌّ دونه كُلُّ الهموم"("أنا لن أغنّي" كلمات من القلب ص9)ماذا أقول لك يا سالم جبران!!أنت شاعر ومفكِّر خرجت من قمقم القيود.قهرت الموت داخل العقيدة، فنجوت وخرجت..قهرت الموت داخل المعتقدات المتخلِّفة، فنجوت وخرجت..قهرت الموت داخل الأُطر السياسية فنجوت وخرجت..ودخلت إلى عالم الناس البسطاء وتماثلت مع آلامهم،ولم يكن للألم في قاموسك دين ولا عرق ولا وطن ولا مكان.. دخلتإلى فضاء الإنسان الّلانهائي حيث لا وجعٌ ولا حزنٌ ولا موت...