الاثنين ٢ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٢
بقلم تركي بني خالد

أي ربيع؟؟

رحم الله البحتري الشاعر الذي قال قصيدة مشهورة استهلها ببيت الشعر التالي:

أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا
من الحسن حتى كاد أن يتكلما

من دلالات الربيع أنه يأتي بعد شتاء طويل كئيب وممل وبرد لاذع ترتجف له الأبدان والأرواح، ومن بشائر الربيع انه يأتي لإيقاظ الورود والأشجار بأنواعها المتعددة، فبعد أن ينام الورد لأسابيع طويلة يأتي الربيع بدفء جميل تبثه أشعة الشمس الربيعية فتصحوا الورود وترتفع قاماتها لتقول للدنيا نحن هنا!!

ومن مميزات الربيع انه يأتي على شجر تجرد من كل أوراقه فبدا عاريا لا يستحي، فيكسوه أوراقا ويمد في أغصانه حيوية دافقة، ويعيد إليه هيبته التي فقدها أو كاد، ويأتي نسيم في الربيع يلهب في رقته وعذوبته مشاعر وأحاسيس البشر، فتشم طعم العشق في كل الأرجاء.

يستبشر الناس بمقدم الربيع لأن الطقس يكون معتدلا بوجه عام والبحر هادئا، والرياح خفيفة فليس هناك ما يعكر صفو المكان أو الزمان. فالشمس ساطعة، والهواء لطيف، والطيور محلقة، تبتهج وتحتفل بسلام يعم الكون.

تكتسي الأرض عشبا جميلا اخضرا، وتتراقص بتلات الأزهار برشاقة متناهية وهي تعاكس الفراشات التي تتنقل تصافح أفراح الطبيعة. ويأتي النحل، وربما بعض الدبابير، باحثا عن رحيق لذيذ اكتنزت به الأزهار من كل صنف.

في الربيع انتعاش يبعث على البهجة والحبور، ومن معاني الربيع في اللغة الينابيع والعيون الجارية. ومن معاني الربيع الخضرة والخصب والخير والجمال، والربيع مهرجان المحبة لمن يفهمه، ففيه أحلى الأوقات، وفيه تصنع أجمل الذكريات.

وفي أيامنا هذه، أصبح للربيع طعم آخر وألوان جديدة ونكهات غريبة!! يعم الفساد، ويرتحل العدل الاجتماعي، وتغيب الحقوق، فتنتشر شاعرية خاصة جدا، لم يحدث مثلها من قبل.

أكاد أشم رائحة كريهة في قواميس زماننا هذا. وأجد أن التشويه يطال كل شيء حتى كلمات القاموس. فأين معاني الورد في ربيعنا المزعوم؟ أين المحبة في وردنا الأحمر الذي غدا بال لون وبدون رائحة؟ وأين الصفاء والنقاء في وردنا الأبيض؟ وأين الإخلاص والطموح في وردنا البنفسجي؟ وأين روحنا المرحة في وردنا الأزرق؟ فهل يا ترى أصابنا عمى الألوان وأطفئت لدينا حاسة الشم؟

أي ربيع هذا الذي يجتاحنا؟ وما لونه؟ وما طعمه؟ والى ماذا يأخذنا؟ أي ربيع هذا الذي بدأ بحريق وانتشر برسل دخانا يكتم الأنفاس؟ أي ربيع ونحن لا نشم غير رائحة الدم النازف؟ أي ربيع هذا الذي لم تشرق به الشمس يوما واحدا؟

ربيعنا خانق، وحدائقنا بلا أشجار، وشمسنا باهته كأنها خجولة مما نفعل بأنفسنا. فإلى متى نخدع أنفسنا بتمني ربيع لا يأتي؟ فالربيع يأتي تطورا ولكننا نحن نريده صناعيا نولده في عملية قيصرية، ولربما يولد مشوها!!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى