الخميس ٥ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٢
بقلم محيي الدين غريب

معذرة الله «مأزق التيار الإسلامى فى مصر»

أصبح التيار الإسلامى أمام خيارين أسهلهما صعب وأحلاهما أمر من الآخر. وفى كلا الخيارين فإن التيار الإسلامى فى مأزق حقيقى وعليه أن يتوجه لله للاعتذار.

لايخفى على أحد أن التيار الإسلامى فى الانتخابات الحالية (وقبلها فى أستفتاء 19 مارس 2011 وكنت شاهدا على ذلك) عمل على أستقطاب فئات معينة من الشعب ولاسيما الفقيرمنها فى مجتمع وصلت فيه الأمية إلى 40 %، قام بذلك سواء بالترغيب أو بالترهيب لكى يحصل على أغلبية الأصوات فى المنافسة الانتخابية بهدف الوصول إلى الحكم وتطبيق الشريعة الإسلامية. وهذا ليس عيبا فى التنافس الديمقراطى وليس حراما، فهم وكلاء الله في الأرض وعليهم أخذ السلطة والحكم وإعطاءهما لله تعالى تمهيدا لإقامة الدولة الدينية. هكذا تقتضى لعبة الديمقراطية التى أخترناها جميعا ولابد من الإلتزام بكل معايرها.

الخيار الأول وهو غالبا ما سيكون الأرجح ، ألا وهو أن يلتزم التيار الإسلامى بالدستور المدنى والمعايير الديمقراطية المتعارف عليها بمعنى الاحتراف السياسى لإدارة الحكم ليكون ذلك على حساب تطبيق الشريعة كما هو العهد وعلى حساب فكرة الإسلام هو الحل، والأعتراف بأن القرآن ليس دستورا سياسيا. ولكنه – اى التيار الإسلامى - سيحاول جاهدا إضفاء بعض المسحات الدينية من حين لآخر.

فى هذه الحالة علي أصحاب هذا التيار الإسلامى الاعتذار لله فى كل دقيقة لأنهم خانوا العهد لصعوبة تطبيق الشريعة، ولصعوبة إقحام الدين فى السياسة، ولصعوبة بناء دولة مدنية ذات مرجعية دينية. والمزيد من الأعتذار لله لأنهم أستغلوا الدين للوصول إلى الحكم.
وأيضا عليهم أن يعتذروا لناخبيهم لأنهم غرروا بهم وضحكوا على عقولهم البسيطة لكسب أصواتهم كشرط لدخول الجنة.

وعليهم أن يتعودوا على الاعتذار بين الحين والآخر لأنهم بدخولهم لعبة السياسة عليهم أن يتغاضوا كثيرا عن أمور الدين والشريعة تلك التى تتناقض مع بناء كيان الدولة الحديثة.
أما الخيار الثانى فهو أن يتوكلوا على الله ليحققوا لناخبيهم كل ما وعدوا به لإقامة الدولة الدينية، بدءا من تطبيق الشريعة الإسلامية، ثم إعلاء القرآن دستورا سياسيا، وحتى إعلان الخلافة الإسلامية. وليصبح الدين موجه أخلاقي للسياسة وحاكماعليها فى نفس الوقت.
وهذا يقتضى بالضرورة أن يعاد تشكيل وإدارة الحياة الفكرية والسلوك العام والتعليم وما إلى ذلك من خلال محاضرات ومواعظ لعلماء الدين والفقه تمهيدا لإدخال الدين كعنصر رئيسي في النزاعات الدنيوية والاجتماعية والسياسية. ناهيك عن الخوض فى صياغة مناسبة للتشريعات الخاصة بتطبيق الحدود فى القرآن، مثل حد الردة والفدية والقصاص والسرقة والجلد والرجم والزنا وما إلى ذلك.

أيضا فى هذا الخيار عليهم أن يعتذروا لله لأنهم بدخولهم لعبة السياسة مضطرون أن يناورا بالدين عندما يقحموه قسرا فى السياسة، ويعتذرون فى كل مرة يخفق الدين فى أيجاد حلول عملية، ويعتذرون عندما يكتشفوا أنهم بشر وليسوا مقدسين ولامعصومين من الخطأ. ولكن هذا الخيار يتميز عن الخيار الأول فى أنهم سوف لا يقدموا أى اعتذار للناخبين ، فلقد حققوا ما وعدوا به ورموا بأثقالهم وهمومهم على الله وعليهم والناخبون التوجه والدعاء لله والتوكل عليه والتحلى بالصبر لأن الله مع الصابرين وستفرج بإذن الله.

فى كلا الخيارين ستفشل التجربة فشلا ذريعا. فلقد فشلت وانهارت فى الماضى تلك الأنظمة التى قامت على أساس الدولة الدينية مسيحية كانت أم إسلامية، وليس من بين ما تبقى منها نموذجا واحدا يمكن أن يحتذى به. إيران والسعودية ومعظم البلاد العربية جميعها تعتمد على تغييب العقل وإيهام الإنسان بقصورعقله فى معرفة الحقيقة لأنها تسمو فوق إدراكه ، ولابد من قبول كل ماهو كائن على علاته.

أيا من الخيارين سوف يعطى أحزاب التيار الإسلامى ثقلا سياسيا مؤثرا فى مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية، وسوف تدفع هذه الاحزاب بالدولة المصرية قرونا الى الوراء لأسباب عديدة.

فبالقطع ستضيع الثورة وانجازاتها الديمقراطية ما بين فكر استغلال الدين الذى سيضعنا فى تناقض مع المجتمعات الديمقراطية الأخرى، وفكر الدولة الدينية الأحادى الإتجاه الذى لا يقبل الآخر ويدعى أنه على حق دائمًا لأن مرجعيته هى الله.

وبالقطع ستتحول المنافسات السياسية إلى حروب صليبية ليصبح كل من يختلف مع أحزاب التيار الإسلامى أو يعاديها هو معاديا للإسلام.

وعلى المعارضة تحمل فترة وجود حكم الأغلبية من التيار الإسلامى مع الحفاظ على ممارسة حقوقها السياسية الديمقراطية وأقناع الشعب المصرى بضرورة إقامة الدولة المدنية وأن الدين لله والوطن للجميع، وأن الدولة كيان معنوى وقواعد تقدمه هى أدوات إنسانية وليست دينية.
وعلى المعارضة تحذير الشعب المصرى من هؤلاء المتشددين من التيار الإسلامى الذين لا يفخرون بمصريتهم وبالحضارة الفرعونية العظيمة ويعتبرونها حضارة وثنية وكافرة، بالقطع هم ليسوا مصريين الأصل بل هم من أصول عربية جاءوا ضيوفا إلى مصر وجلبوا معهم هذا التشدد من بلادهم. المتشددون من التيار الإسلامى الذين لا يعقلون ويرفضون حقيقة أن أجدادهم المصريين الفراعنة كانوا وثنيين لآلاف السنين قبل أن تأتى الديانة المسيحية ومسيحيين أقباط لمئات السنين قبل أن يأتى الإسلام، هم بالقطع لا تجرى فى عروقهم الدماء الفرعونية وليسوا مصريين أصلاء.

الأمل أن يحافظ المصريون على الثورة وانجازاتها الديمقراطية وأن يستشعروا هذا الخطر الذى يحيط بمصر بما لديهم من فطنة وذكاء، لأن ربط السياسة بالدين لا يبني دولا متمدنة ولا ينتج مجتمعات متحضرة، وأن تقييم المواطن يجب أن يكون على أساس الانتماء للوطن وليس للدين فى مجتمع متعدد الطوائف والأديان والآراء.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى