الأحد ٨ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٢

ندوة تاريخية حول نكبة فلسطين

محمد الدواهيدي

أقامت رابطة الكتاب والأدباء الفلسطينيين مساء أمس الخميس ندوة تاريخية حول التاريخ المبكر لنكبة فلسطين ما بين عامي 1566 و1971، بحضور وفد من الأطباء الأردنيين، ولفيف من المثقفين والكتاب بغزة.

وقال مقدم الندوة نقيب الأطباء الأردنيين الأسبق طارق طهبوب،"أن هذا التاريخ من النكبة الحقيقية لفلسطين مغيب عن أبناءنا ومثقفينا"، داعيا وزارة التربية والتعليم إلى مراجعة المناهج العلمية التي تدرس في الجامعات والمدارس، مؤكدا على حجم المسئولية في توعية الأبناء بالتاريخ، وأنه من لا يعرف ماضيه لا يصنع حاضره ولا يخطط لمستقبله.

وأشار إلى أن القوافل البحرية التي توجهت إلى غزة، كمرمرة وأسطول الحرية، كانت فرصة للتذكير بتضحيات الأتراك في غزة، والبحث عن أبناء وأحفاد هؤلاء المجاهدين والاتصال بهم، وإحياء ذلك التاريخ إنشاءً وتعميقاً للجانب الإسلامي في قضية فلسطين.

وأوضح دور النصارى العرب الأقحاح، الذين هم شركاء في المواطنة في هذه الديار، وهم يحملون معنا عبء الصمود والتحرير، وصمودهم في غزة خير دليل على صمود هؤلاء العرب النصارى الذين لم يأتوا على ظهر دبابة أمريكية، ولا غزاة على ظهور أحصنة الصليبيين.

وإليكم نص المحاضرة التاريخية كما ألقاها الدكتور طارق طهبوب:

البداية كانت مع أوليفر كرومويل اول حاكم في تاريخ بريطانيا منذ بدأت الملكية هناك، حيث أعدم الملك تشارلز الأول في عام 1650 ونصّب نفسه حاكماً في 1653 تحت لقب حامي بريطانيا، وخاض حروباً كثيرة ضد الفرنسيين والهولنديين.

كرومويل لاحظ نجاح الجالية اليهودية في هولندا وتأثيرها في اقتصادها، وفي ذلك التاريخ كان اليهود ممنوعين من دخول بريطانيا، فراسل كرومويل الجالية اليهودية في هولندا في عام 1655 داعياً إياها إلى القدوم إلى بريطانيا مرة أخرى، وكتب في تلك الرسالة ما نصه: «إن على الشعبين الجرماني (الألماني والهولندي) والأنجلوسكسوني أن يعملا بكل قوة على إعادة أبناء شعب الله المختار إلى أرض الميعاد»، فكان ذلك أول نص كتابي ملتزم في هذه القضية، التي كانت فرعاً عما آمنوا به نتيجة تحريفات العهد القديم وما أُدخل في روع الكنيسة البروتسانتية الذي استمر إلى يومنا هذا مؤسِّساً لنظرية المحافظين الجدد.

في عام 1799 قدم نابليون إلى الشرق الأوسط واحتل مصر، ثم هزم على شواطئ عكا بقيادة أحمد باشا الجزار، وساعد في الهزيمة النابليونية أسطول بحري بريطاني صغير بقيادة سدني سميث. وأحمد باشا الجزار -وله من اسمه نصيب- كان قد أصدر فرماناً وهو يغلي من الغضب بعد انتهاء الحملة النابليونية بقتل كل من تعاون من المسلمين والمسيحيين مع نابليون، وقد كانوا كثراً، فلما سمع بذلك الآدميرال سدني سميث قال له: تستطيع أن تفعل بالمسلمين ما شئت أما النصارى فلا. وبناء على ذلك؛ قام بتسيير كتيبة مشاة بريطانية من عكا إلى القدس في عام 1801، ودخلت تلك الكتيبة حاملة أول راية صليبية منذ 1291 إلى القدس.

ازداد ولع العهد القديم بقضية القدس والمقدسات، فأنشئ في عام 1804 في بريطانيا ما يسمى برابطة فلسطين لاستكشاف الأراضي المقدسة وتوثيق التاريخ التوراتي، وكان من المؤسسين البريطاني كلارك، والسويسريان ستيزن وبروكهارت الذي تخفى بلباس العرب وسمى نفسه الشيخ إبراهيم، واشتد جنون هؤلاء الناس بقضية الكنوز والتنقيب على الدفائن الذهبية، وجنون آخر بتحريفات العهد القديم وقضية أبناء شعب الله المختار وعودتهم. وكان أشدهم جنوناً امرأة اسمها الليدي استر ستانهوب، وهي حفيدة رئيس وزراء بريطانيا الأسبق ويليام بت الجد، وابنة أخت ويليام بت الحفيد الذي هو أيضاً رئيس وزراء بريطانيا الأسبق. هذه المرأة قيل لها إن هناك شخصاً في أحد مصحات لندن العقلية قد رأى في منامه حلماً بأنها ستكون ملكة اليهود، فذهبت إلى ذلك الشخص وقابلته في المصحة، واقتنعت قناعة تامة برؤياه، وحضرت إلى الأراضي المقدسة في عام 1910، وحينما وصلت إليها تناست أحلامها التوراتية، وبدأت تبحث عن الكنوز، ولكنها باختصار فشلت في محاولتها، وأصيبت بالجنون، وذهبت إلى لبنان وعاشت 20 سنة في أحد الأديرة، تخرج كل يوم منكوشة الشعر وهي تصرخ وتقول أنا ملكة اليهود، أنا ملكة أورشليم.

النشاط الاستشراقي الامريكي

في عام 1810 أنشئ في أمريكا ما يسمى بمجلس منظمات مفوضي البعثات الأجنبية، أي سفراء أمريكا في الخارج، وحصل في ذلك الوقت أن نتج عنه في عام 1819 اجتماع كنيسة أولد ساوث في بوسطن والاتفاق على العمل على تحقيق رؤية المجلس الذي تأسس في عام 1810، حيث بدأت الأموال تُجمع، وسُوِّقت الخرافة لدرجة أن قبيلة ستاك بريدج من الهنود الحمر اقتنعت بدعاوى المبشّرين أنهم إحدى القبائل الضائعة لبني إسرائيل (الأسباط)، فتبرعوا بخمسة دولارات و67 سنتاً وسوارين ذهبيين للمساهمة في استكشاف فلسطين.
وفي عام 1819 انطلقت أول إرسالية لاستكشاف فلسطين من قبَل القسيسين فيسك وبارسونس، ووصلوا إلى القدس وكانوا أول بروتستانتيين يقيمون فيها.

تطوّر الأمر حينما دخل على الخط شخص أمريكي اسمه إيديرو بينسون، الذي هو مؤسس علم الآثار الكتابية الجديد، وأصدر كتابه المشهور في عام 1841 «صور كتابية لفلسطين وبيت المقدس والصحراء».

حملة ابراهيم باشا

لا بد أن نذكر أن حملة إبراهيم باشا واحتلال بلاد الشام وفلسطين كانت وبالاً على أهل فلسطين من ناحيتين، لأن العثمانيين استعانوا بالبريطانيين والفرنسيين للتخلص من إبراهيم باشا والجيش المصري، وفُتحت أول قنصلية بريطانية في القدس في عام 1839 لكنها لم تكن فعاله لأنها لم تجد الجانب الذي تعامل معه.

الناحية الثانية انه بعد استرجاع بلاد الشام وفلسطين من العثمانيين في عام 1841 كان ذلك وبالاً على أرض فلسطين حيث أنشأت كل البلاد الأوروبية قنصليات لها في القدس، وكانت هذه القنصليات عبارة عن مكاتب مطالبات وليست قنصليات لرعاية المصالح، فهناك من يطالب برعاية الأرمن، وهناك من يطالب برعاية الأرثوذكس، وهناك من يطالب برعاية الكاثوليك، واختلف الفرنسيون والألمان فيما بينهم على من يرعى الكاثوليك، وعلى الرغم من زيارة قيصر روسيا في عام 1890 كانت زيارة مهولة وساندها العثمانيون لكنها لم تنتج شيئا، واستمر في ذلك الوقت سيل المكتشفين وعلماء الآثار بحجة الآثار.

المكتشفون العسكريون

ننتقل هنا إلى المكتشفين العسكريين الذين كان أولهم الملازم أول بحري الأمريكي ويليام لينش، وجاء بسفن إلى فلسطين، وسار جنود البحرية الأمريكية على تراب فلسطين في عام 1848.

في عام 1865 أنشئ صندوق اكتشاف فلسطين، وهذا الكلام أنقله حرفيا لأسقف مسيحي وليس لحاخام يهودي، يقول فيه: «إن هذا البلد فلسطين عائد لكم ولي. إنه لنا أساساً، فقد مُنحت فلسطين إلى أبي إسرائيل بالعبارات التالية: هيا امشِ في الأرض طولاً وعرضاً لأني سأعطيك إياها، ونحن عازمون على المشي عبر فلسطين بالطول والعرض لأن تلك الأرض مُنحت لنا. إنها الأرض التي تأتي أنباء خلاصنا منها. إنها الأرض التي نتوجه إليها بوصفها منبعاً لجميع آمالنا. إنها الأرض التي نتطلع إليها بوطنية صادقة تضاهي حماسنا الوطني لدى إلى إنجلترا القديمة العزيزة هذه»، هذا الأسقف هو وليليام ومسون رئيس أساقفة يورك، وقال هذا في حفل افتتاح صندوق استكشاف فلسطين.

بعد ذلك توالى المكتشفون، ومنهم باركر، وبالمر، وكيتشنر في بعثته الأولى، وهذا الأخير له أهمية كبيرة في التاريخ، فهو من موظفي صندوق فلسطين في حملتين، إحداهما في السبعينيات والأخرى في الثمانينيات، وخطورته بالنسبة لفلسطين أنه أول من أدخل نظرية أن فلسطين هي خط الدفاع الأول عن مصر وقناة السويس، ولتأمينهما لا بد من احتلال فلسطين، وطبقت ذلك بريطانيا بنجاح.

ويهمّنا أيضاً أن نتحدث عن بالمر، فقد قُتل من الأدلاء البدو ودُفنت جثته وسُرق المال الذي كان يحمله، فحضر كيتشنر بعد ذلك، ونشطت القوات البريطانية والعثمانية في البحث عن قاتليه، وبالفعل تم القبض عليهم، وأعدموا أمام شيوخ البدو في سيناء في مشهد افتخر به كيتشنر وقال: إن كل من يمدّ يده على رعايا الإمبراطورية البريطانية ستُقطع يده.

ولا بد أن نذكر أيضاً أن كندر وكيتشنر كانوا أعضاء في الحملة السبعينية، وثار عليهم أهالي صفد، وقادهم الشيخ علي العلان، ويقال إنه يمت بصلة قرابة لعبد القادر الجزائري، وضربوا كندر وكيتشنر وحطموا مخيّمهم، لكن تمكن كيتشنر بعد ذلك من إقناع السلطات العثمانية بتغريم أهالي صفد، وعاد ظافراً عام 1876 بما يُعرف بإذلال صفد، وسُجن الشيخ علي العلان لمدة تسعة شهور، وسُجن رفقاؤه البدو عدة سنوات، وغُرّمت صفد مئتين وسبعين جنيهاً ذهبياً في ذلك الوقت لصالح صندوق استكشاف فلسطين، وفي الحفل الذي أقيم لاعتذار الشيخ علي العلان لكتشنر تنازل هذا الأخير عن آخر 70 جنيهاً متشدقاً بكرم الإمبراطورية البريطانية في التنازل عن ذلك المبلغ.

استمر المستكشفون العسكريون بالوفود إلى فلسطين، وكان أشهرهم على الإطلاق النقيب تشارلز ويلسون الذي أكمل مسح فلسطين، وحين ذهب إليها أكمل محاكمة أحمد عرابي، وعاد ليترأس سلاح الهندسة الملكي في عام 1905.

استمرت عملية الاستكشاف ودخل الأمريكان على الخط، وجاء منهم شوماخر في بعثة عام 1905، ودخل أيضاً الفرنسيون وعلى رأسهم دوسولسي، ودخل أيضاً رجل أوكراني يهودي الديانة في الأصل مسيحي الاعتقاد، وهو شابيرا.

سايكس-بيكو

في 16/5/1916 تم توقيع اتفاقية سايكس بيكو، ومن الجهل البيّن ما جاء في كتاب التربية الوطنية المقرر من وزارة التربية والتعليم صفحة 78، يقول الكتاب: «اتفقت بريطانيا سراً مع فرنسا على تقسيم البلاد العربية في اتفاقية تسمى سايكس بيكو، نسبة إلى اسمي وزيري خارجية بريطانيا وفرنسا»، ولم يكن سايكس ولا بيكو وزيري خارجية لبلديهما على الإطلاق، فمارك سايكس هو كولونيل في الجيش البريطاني، وبيكو موظف برتبة سفير في وزارة الخارجية الفرنسية. فإذا كانت معلومة بهذه الدقة في أهم حدث لا تزال تنعكس آثاره إلى اليوم تدرَّس بهذه الطريقة فهذا يعطينا إلى أي مدى نحن متخلفون في دراستنا.

ويجب التنبيه إلى أن اتفاقية سايكس بيكو لم تُنجز في يوم وليلة، ولم يأت على عشاء عمل، بل خُطط لها لأشهر وسنين.

في 10/6/1916 قامت الثورة العربية الكبرى.

معركة غزة الأولى والثانية

في 26/3/1917 بعد إكمال احتلال مصر، تجهزت قوات الحلفاء على القاطع الجنوبي وبدأت معركة غزة الأولى بين القوات العثمانية والقوات البريطانية. وكان السير ارشيبالد موراي يقود القوات البريطانية التي ضمت 16 ألف جندي مشاة و6 آلاف جندي خيالة ومركبات، بينما قاد طلعت بيك القوة التركية المكونة من 4 آلاف رجل مشاة وجاءتهم تعزيزات قوامها 11 ألف جندي لتصبح القوة مكونة من 15 ألف جندي واستمرت المعركة يومين وانتهت بهزيمة القوات البريطانية وانسحابها بعد أن خسرت 467 قتيلا و500 مفقود و2900 جريح أي بمجموع 3867 إصابة بينما خسرت الحامية التركية 2447 رجلا بين شهيد وجريح ومفقود.

وانسحبت القوات البريطانية لتعيد تشكيلها وتجدد تسليحها لتهاجم مرة ثانية في 19/4/1917 تحت قيادة تشارلس دوبل لتواجهها القوات التركية ببسالة منقطعة النظير ولتكبدها 5917 بين قتيل وجريح ومفقود، بينما كانت خسائر الأتراك لا تزيد على 2311 بين شهيد وجريح ومفقود. وكانت قوات الحلفاء في هذه المعركة (غزة الثانية) 4 فرق بمجموع 30 ألف جندي، وقوات الأتراك 25 ألف جندي.

جن جنون القيادة البريطانية وتم إعفاء السير ارشيبالد موراي من منصبه واستبداله بالجنرال إدموند اللنبي.

وعد بلفور ومعركة غزة الثالثة

في 30/10/1917 أنهى وزير خارجية بريطانيا آرثر بلفور، والبارون روتشيلد، عشاءهما معاً في قصر هذا الأخير في لندن، في الساعة الثانية عشر ليلاً بتوقيت غرينيتش، وقد وقع كلاهما على مشروع نص وعد بلفور. وفي يوم 31/10 بعد نصف ساعة من هذا التوقيع قامت معركة غزة الثالثة، حيث أعاد اللنبي تنظيم القوات البريطانية، والتي كانت تضم القوات الاسترالية والنيوزلندية، ونجح في تشكيل ثلاثة فيالق محمولة مقابل فيلق واحد فرسان لدى القوات التركية وانتصرت في المعركة التي شاركت فيها الدبابات البريطانية بكثافة واستمرت من 31/ 10 الى 7/11/1917.

كانت جيوش الحلفاء في ذلك الوقت معتمدة على الجمال والخيول والبغال، والتي تحتاج إلى مياه للشرب، وبالتالي لم يكن يتوقع الأتراك أن تكون بئر السبع موقعاً للحرب لأنها أفقر النقاط المائية في فلسطين، ولذلك كان تحصينها فقط ألف جندي.

اللنبي بدهائه العسكري أدرك أن نقطة الضعف الرئيسية في خط الدفاع التركي هي بئر السبع، فأرسل 3 فيالق محمولة، وهي كلها من الفرسان الاستراليين والنيوزلنديين، وهم فرسان مهرة لأنهم جميعهم مزارعون، فالتفوا على بئر السبع وسقطت في 2/11/1917، وسقط ما يقرب من 500 شهيد تركي وهم يحاولون تفجير آبار المياه في بئر السبع حتى لا تستفيد منها قوات الحلفاء.

وانتهت معركة غزة الثالثة باستسلام الحامية التركية، وأُسر 12 ألفا لا تذكر المصادر البريطانية شيئاً عن مصيرهم، وخسر الحلفاء 18 ألف جندي في المعركة، مقابل 13 ألف جندي من الأتراك، واستسلم 12 ألفاً للأسر.

واستمر تقدم اللنبي حتى دخل القدس في 11/12/1917. وكان وعد دايفيد لويد جورج رئيس الحكومة البريطانية للشعب البريطاني في ذلك الوقت أن القدس ستكون هدية عيد الميلاد في 25/12/1917 فأنجز ذلك الوعد متقدماً بأسبوعين كاملين عما ذكر.

محمد الدواهيدي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى