الأحد ٥ شباط (فبراير) ٢٠١٢
مصافحة..
بقلم بلقاسم بن عبد الله

أمين الزاوي.. وأدب الاختلاف

وهل هناك بصمات معينة محددة تميز الأديب الأصيل عن غيره في أسلوبه واختلافه؟..

تساؤل مثير للجدل واجهني هذه الأيام بعد إعادة قراءة عينة من مؤلفات أديبنا الجزائري أمين الزاوي، بغية مصافحة كتاباته واختلافاته،خاصة بعد توقيعه لروايته الجديدة بعنوان حادي التيوس، الصادرة عن الدار العربية للعلوم، وما وجدته من إهتمام الإعلام والقراء بوجه عام،حيث خصصت جريدة الشروق يوم 28سبتمبر المنصرم صفحة كاملة لمحاورة الدكتور الزاوي تحت عنوان بارز:أقول للرئيس ان مثقفي بني وي وي المحيطين به لن ينفعوه..في هذا الحوار القيم الذي أجرته الصحفية المتألقة: زهية منصر إستوقفتني فقرة من إجاباته المتميزة، حيث يقول حرفيا: الإستفزاز الموجود عندي مرده المجتمع الذي يستفزني بما هو راكد فيه، وهذا يستفزني ككاتب، ويبدو لي أصله من بنيات المؤسسات القائمة والصورة التي يعكسها عن ذاته. لذا أقول إن رواياتي تدخل في إطار ثقافة التحريك والإستفزاز، مؤسسة على وجوب النظر في مرآة الذات وبمستويات معينة..

وقد بلغني مؤخرا خبر صدور كتاب جديد بعنوان: أمين الزاوي وإعلانات المسكوت عنه. لمؤلفه: سالم المعوش. عن دار النهضة العربية في بيروت. ويمتد عبر 376 صفحة، وقد استعرضته جريدة السفير البيروتية في عددها ليوم 27 أكتوبر المنصرم، حيث أشارت إلى أهميته في دراسة أعمال هذا الروائي بتقنياته السردية المختلفة وتعبيره عن مقاصده..

و صاحبنا أمين الزاوي غني عن التعريف،فهو من مواليد 25 نوفمبر 1956 ببلدة مسيردة بولاية تلمسان، حيث تلقى دروسه الإبتدائية، قبل أن يزاول دراسته بثانوية الشهيد الدكتور بن زرجب بقلب مدينة تلمسان، ثم ينتقل إلى جامعة وهران ليتحصل على شهادة الليسانس من معهد اللغة والأدب العربي، مما أهله وساعده للإلتحاق بجامعة دمشق لينال شهادة الدكتوراه في الأدب عن أطروحته حول موضوع: «صورة المثقف في رواية المغرب العربي».

تولى الأستاذ الزاوي عدة مناصب، من أستاذ الأدب المغاربي و الترجمة بكلية الآداب بجامعة وهران، ثم مدير قصر الثقافة بوهران، ليتوج مديرا عاما للمكتبة الوطنية،ويشتغل حاليا أستاذا بجامعة الجزائر المركزية في مادة الأدب المقارن، كما يشرف على مجموعة من طلبة الماجستير والدكتوراه.

هو كاتب روائي، له عدة مؤلفات في القصة والرواية من أبرزها: و يجيء الموج إمتدادا، كيف عبر طائر فينيقس البحر المتوسط، التراس، صهيل الجسد، السماء الثامنة، الرعشة، رائحة الأنثى، يصحو الحرير،وليمة الأكاذيب،شارع إبليس، حادي التيوس أو فتنة النفوس..
و له روايات أخرى كتبها أصلا باللغة الفرنسية من أهمها: إغفاءة ميموزا، الخضوع، الغزوة، حرس النساء، ناس العطور، ثقافة الدم (دراسة)، غرفة العذراء المدنسة، يهودي تمنطيط الأخير.

ترجمت بعض أعماله الروائية إلى لغات مختلفة مثل الفرنسية والإنجليزية والإيطالية والصربية والتشيكية وحتى الإيرانية.واستأثرت باهتمام المثقفين ووسائل الإعلام.
وتتميز كتاباته الأدبية بنوعيتها المخالفة والمختلفة،فهي تغوص في أعماق المواضيع الحرجة الممنوعة والمرغوبة،المسكوت عنها والمغضوب عليها، فتخلق هزات إرتدادية لدى القراء بوجه عام.

وهاهو ذا أميننا الزاوي يضيف لرصيد إبداعاته المطبوعة، ولأقواسه التلفزيونية السابقة أيام زمان، جواهر نفيسة تقدم الفائدة والمتعة لمستمعي صباحيات إذاعتنا الوطنية، هو محظوظ ومحسود على قدرته الفائقة للجمع بين محبوبتين عزيزتين، بدون أن يفرط في حقوق هذه على حساب الأخرى، وهو بذلك يظل وفيا لحرقة الكتابة بجريدة الشروق، ومخلصا لجواهرالأدب عبر أمواج الأثير بتركيزه على خير أنيس في الدنيا. فالكتاب في نظره مادة أساسية للإنسان، لا تقل أهمية عن حاجياته الضرورية مثل الملبس والمطبخ والسرير، ومدينة بدون مكتبة عمومية هي مجرد تجمع سكاني، وشعب يقرأ هو شعب لا يجوع ولا يستعبد. إننا نعشق الورد لكننا نعشق الخبز والكتاب أكثر.

تربطني بأديبنا الزاوي علاقة صداقة متينة منذ أزيد من ثلاثين سنةّ، عندما كان طالبا بجامعة وهران، وفازت وقتئذ قصته: أفواه بها رائحة البصل، بجائزة وزارة التعليم العالي، ونشرناها فورا بالنادي الأدبي لجريدة الجمهورية في شهر ماي 1978 قبل أن يخوض غمار تجربته الروائية الأولى التي بصمها بعنوان: الوشم على ساعد البحر، وقد أكمل كتابتها بتاريخ 05 أوت 1978 وأهداني نسخة نادرة منها موقعة باسمه الشخصي، أعتز بها رفقة الكتب الثمينة والوثائق القيمة التي تتوسد رفوف مكتبتي الخاصة.

وهذه المحاولة الروائية الأولى مرقونة بالآلة الكاتبة ومسحوبة على ورق الستانسيل، وتقع في 110 صفحة من الحجم الكبير، وهي غير مذكورة ضمن مؤلفاته المعروفة، سواء المطبوعة منها أو المخطوطة.

وتوثقت الصلة مع صاحبنا الزاوي حين كان يراسلنا باستمرار من العاصمة السورية، وكنا ننشر كتاباته بملحق النادي الأدبي ضمن زاوية: أوراق من دمشق. ولعل القراء خلال فترة الثمانينات يتذكرون جيدا بعض إنتاجاته المختلفة وإبداعاته المتميزة، وغالبا ما كانت تثير نقاشات واسعة في الوسط الإعلامي والثقافي بوجه عام.

في كل مرة نلتقي، نتذكر معا تلك الأيام الجميلة بخبزها وملحها وعسلها، بلياليها الزاهرة على صدر وهران الباهية، وكذلك تلك الحوارات التي أجريتها معه على واجهة الصحافة أو أثيريات الإذاعة، نستذكر أسماء نخبة من الكتاب والصحافيين والمثقفين عامة، وكيف كانت حيوية الملتقيات والمهرجانات الأدبية والثقافية تتحدى قلة الوسائل والإمكانيات.

ظلت فرص اللقاء بيننا عديدة، خلال ثمانينيات الزمن الجميل، حيث حاورته عدة مرات عبر برنامج: دنيا الأدب بإذاعة وهران الجهوية، كما سجلت رأيه الخاص في مسألة الرواية الجزائرية المتميزة ونشرته بملحق النادي الأدبي بتاريخ 26 ماي 1986 ومما ورد فيه: لا نملك مدنية حتى وإن كنا نسكن العمارات والبيوت المصطفة، إن الذهنية الرعوية والذهنية الفلاحية لا تسمحان بولادة رواية، لأن الرواية نص حضاري مديني، وهي بنية لا تزال تحكم عقلياتنا وسلوكاتنا في الحياة الإجتماعية والحياة الكتابية. أمام هذا أقول أن الرواية الجزائرية ذات التعبير العربي لا تزال كلاسيكية ومحتشمة، أو بالأحرى رواية تأسيسية..

ومع بداية عهد التعددية الحزبية، استجوبته منتصف مارس1989 حول موضوع المثقف و حرية التعبير، فأجاب حرفيا: حرية التعبير ليست فقط قول "اللاءات والنعمات".. ولكن هي حريتك في توصيل أفكارك لغيرك، في توزيع صناعتك الثقافية للمستقبل المستهلك، القارئ أو المستمع. المبدع حين يحقق حرية التعبير لا يعني أنه حقق كل شيء، لأن كثيرا من الدول التي يعتقد ظاهريا أنها حققت حرية التعبير، تلعب مع هذه "الحرية" لعبة "الغميضة"، فهي تعطيك حق الكتابة ولكنها تمنع وصول هذا الخطاب إلى القارئ..

وتواصلت اللقاءات بيننا أثناء فترة إشرافه على المكتبة الوطنية بالجزائر العاصمة، حيث ساهمت في ندوة هامة عن تجربة الصحافة الأدبية في الجزائر، أقيمت منتصف جوان 2005. و قد جمعني مؤخرا بأديبنا أمين الزاوي حوار مباشر حول موضوع الأدب والثورة، قدمه ضمن برنامجه الأسبوعي حبر وأوراق، عبر أمواج إذاعتنا الوطنية يوم فاتح نوفمبر المنصرم بمناسبة تخليد ذكرى إندلاع ثورتنا المجيدة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى