الأحد ١٩ شباط (فبراير) ٢٠١٢
بقلم تركي بني خالد

فيفا فنلندا..!!

لمن يهمهم أمر التربية والتعليم في بلادنا أريد أن الفت الانتباه إلى ما حدث ويحدث في ذلك البلد الأوروبي الجميل. لقد تمكنت فنلندا من تطوير نظامها التربوي بشكل مبهر خلال الأربعين عاما الفائتة. ولقد تفوقت فنلندا على مستوى العالم في التحصيل الأكاديمي لدى تلاميذها. ولقد أصبحت فنلندا بحق مثالا يستثير الاهتمام في انجازها التربوي.

وإذا كنا نشكو هنا من ترهل أو فساد أنظمتنا التعليمية رغم ما تم ضخه في عروقها من ملايين الدولارات المقترضة، فإننا نحسن صنعا إذا حاولنا التعلم من التجارب التربوية في الأمم الأخرى. وبصراحة لدينا الكثير مما يجب ويمكن تعلمه من تجارب الآخرين إلا إذا كنا نؤمن بأن قدرنا أن نبقى في ذيل القائمة أو أن تأخذنا العزة بالإثم وندفن رأسنا بالرمال ونحن ندعي أن لدينا كل شيء على ما يرام باعتبار أن أنظمتنا التربوية لا يأتيها الباطل من خلفها أو من بين يديها.

لقد أصلحت فنلندا أحوال مدارسها وأدركت أن هذا هو المدخل لولوج القرن الحادي لتنافس من خلال نهضتها التعليمية دولا متقدمة في أميركا وأوروبا. ففي السبعينيات من القرن الماضي لم تكن فنلندا ذات شان تربويا حيث تميز نظامها التربوي بالضعف والترهل والبيروقراطية. لكنها الآن تصنف على أنها على رأس قائمة الدول المميزة تربويا بعد أن تفوق تلاميذها في اختبارات برنامج تقويمات الطلبة العالمي PISA. علما بان هذا الاختبار يطبق على الطلبة من عمر خمسة عشر عاما في مواد الرياضيات والعلوم واللغات والثقافة العامة.

لقد غيرت فنلندا نظامها التربوي التقليدي وبشكل جريء منذ أوائل السبعينات من القرن الماضي. وتغير الشكل وتغير المضمون وتغيرت الطريقة نحو الأفضل على ما يبدو، فأبنية المدارس تتسم بالرشاقة والجمال، والذوق المعماري الجذاب، على عكس ما نراه في بلادنا من أبنية مدرسية لا تختلف عن السجون في شكلها ومضمونها وطريقة عملها وربما تتفوق السجون على المدارس في هذه المقارنة.

الطلبة يتحلون بالهدوء والاحترام، والمعلمون والمعلمات يتميزون بالتأهيل عالي المستوى. ومن أهم ما يلحظه المراقب للوضع التربوي الفنلندي أن المدارس باتت تتمتع باستقلالية ملفتة للنظر. وهذا يعني أن مستوى وحجم التدخل من الجهات المركزية ضئيل جدا!! فالمدارس صارت تدير شأنها بنفسها. ياللهول!!

وأصلحت فنلندا من شأن تدريب وتأهيل معلميها وبطريقة جادة. وتدفع الدولة تكاليف التنمية المهنية للمعلمين والمعلمات من خلال تمكينهم من الحصول على مؤهلات مهنية أعلى في مجالات اختصاصهم. كما حولت فنلندا منهجها إلى مناهج تفكيرية تقدر التفكير وتشجعه وتعتني به.

لعل ما يميز التجربة الفنلندية أنها جعلت المعلمين من أول أولوياتها قولا وفعلا. ولعل ما يميز فنلندا أنها انتقلت من النظام المركزي إلى غير المركزي في إدارة شؤون التعليم. إن تمكين المدارس وتمكين المعلمين هما مفتاح التطوير كما يبدو جليا في النموذج الفنلندي. كما قامت فنلندا بالتقليل من الاختبارات المقننة والخارجية واعتمدت بدل ذلك الإبداعات الذاتية والمحلية في كل مدرسة.

وفي غرفة الصف الفنلندية لم نعد نرى ذلك المعلم أو تلك المعلمة واقفا أمام الطلبة وهو يشرح معلومات بائته أو باهتة لا تفيد أحدا. فالطلبة يحددون أهدافهم بدقة بمساعدة معلميهم ويعملون عليها حسب استعداداتهم. ويتجول التلاميذ في غرفهم الصفية بحرية، يجمعون المعلومات ولا يحفظونها غيبا، ويعملون في ورش ناشطة، يسالون معلميهم، ويحلون المشكلات.

يعمل الطلبة في مشاريع مفيدة وذات معنى، ويستمتعون بوقتهم، ويستثمرون ذكائاتهم، ويتعاون المعلمون فيما بينهم، ويجتمعون في جمعيات لتطوير مناهجهم، ويشعرون على ما يبدو بمهنيتهم غير منقوصة.

نشعر بالحزن ونحن نتابع التجربة الفنلندية لان ما لدينا مختلف ومتخلف عن الذي عندهم في ذلك البلد الاسكندينافي الصغير القابع شمال أوروبا. نسمع فقط عن استقلالية الجامعات ونشاهد يوميا ما تفعله المركزية القاتلة في كل فعالية مدرسية أو جامعية.

يؤمن الفنلنديون بان مفتاح سعادتهم وتقدمهم ورفاهيتهم هو التربية والتعليم الجيد وفعلوا ويفعلون إلى أن أنجزوا نظاما رائعا، كما إننا هنا نتغنى بأننا لا نقل إيمانا بنفس المبدأ، ولكننا نفعل في الاتجاه المعاكس، نتقدم بسرعة ولكن نحو الخلف! فليرحمنا الله!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى