الخميس ١ آذار (مارس) ٢٠١٢
بقلم حسين أبو سعود

مشكلة العقل في الحالة الإسلامية

لا يخفى بان الشيطان هو مشكلة الإصلاح في الحالة الإسلامية، سواء كان الإصلاح الفردي أو الجماعي، ولكن البعض يرى ان العقل هو المسئول عن ازدهار أو انهيار أي فكرة ويعتبر العقل هو المشكلة، إذن هل العقل أم إبليس؟، وهل إن العقل هو مشكلة فعلا؟ ولماذا لا يعاني القمر في بزوغه والشمس في طلوعها ومغيبها والنجوم والكواكب في حركتها من أي مشكلة وهي لا تحمل عقلا ولكنها تؤدي المهام المنوطة بها باتم حال، وهل إبليس هو قوى أخرى خارجية قد تكون نابعة من اضطرابات نفسية مثلا، وأين الاضطراب النفسي في طبيب حاذق لم تحص عنه أية أخطاء طبية ولكنه يؤمن بتمثال (بوذا) مثلا ويسجد أمامه أو انه يعبد الله على مذهب يؤمن بالتكفير ويدعو إلى الضغينة، ونحن نرى بان العقل الحيواني هو عقل خلاق كالنمل والطيور وحتى الحمار الذي يحمل أسفارا يألف صاحبه والطريق اليومي الذي يسلكه، والعقل الذي يخطط لتفجير عمارة سكنية لا يعرف ساكنيها ولا يعرف عدد الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى فيها هو عقل وعقل فيه مكر ودهاء وذكاء وان أطلقنا عليه العقل الشرير المطلق، وإذا كان عنصر الإفساد موجودا في تكوين الإنسان فما دور إبليس في تأجيج هذا العنصر؟ وهل إن أصل الإنسان هو الإفساد وسفك الدماء كما أخبرت الملائكة وكما فعل قابيل بهابيل وكما فعل أصحاب القنبلة الذرية في هيروشيما، وعندما نرى ان إبليس العاقل قد عصى الله ورفض السجود لآدم ولا نعرف الذي أغواه العقل أم إبليس آخر.

يجب أن لا تكون نظرتنا إلى العقل نظرة فلسفية تعقد الأمور بدلا من تبسيطها وننظر إليه نظرة بسيطة مبسطة وهو الأفضل على عكس نظرة الفلاسفة الذين يعقدون أكثر مما يبسطون بل ويتلذذون بالتعقيد والتهويل. وذكر لي احدهم بتهكم (بان ما يسمى إبليس يقضي الآن فترة تقاعد في جزر الكناري لان الإنسان أصبح أكثر قدرة منه على الإفساد ) ومشكلة هذا الكلام انه منطقي وينسف الكثير من المتراكمات ولن ادخل في تفاصيل كثيرة لأني لا أريد أن أنحى منحاه واتبع خطاه مفضلا البقاء في دائرة الموروثات لان العوام لن يقبلوا سواها، وعبارات الرجل قوية تعجب المحايد وتلزم المُعتقد ولكنها مرفوضة رفضا تاما من المخالف وهذا بعينه النظرة التقليدية للأمور.

العقل الإسلامي العام غارق في المشاكل والعقل الإسلامي الخاص غارق في الجدل ويفترض أمورا مستحيلة جدلا ولا مانع من أن يفترض جدلا تسليم رئيس أمريكا لبلده لمنظمة حماس، فأي فرضية وأي جدل مستحيل هذا، وكل من يقول بان الظلام ضروري لمعايشة النور والرذيلة ضرورية للكشف عن الفضيلة لا يستخدم العكس في ضرب الأمثلة. وماذا لو كانت الأرض مجرد فضائل بلا رذائل ولتكن لها مسمى آخر، وماذا لو كان هناك حق مطلق بلا باطل وكان للحق اسم آخر حتى لا يحتاج إلى الباطل كي يحدده. الإنسان المسلم ابتلي بالمنطق بدلا من الاستفادة منه والمنطق هو الذي اوجد المذاهب والمشارب والفلسفات وفرق بين أبناء الأب الواحد وان اختلفت ألوانهم، وان أكثر الجدالات المنطقية والفلسفية والمذهبية هي هذر وهذيان لها قيمة تعقيدية فقط ولدت جرأة الحكم على الأشياء دون الاطلاع عليها ولمسها، فكم من العوام مقت على سلمان رشدي وانتقد آياته الشيطانية دون أن يقرأ تلك الآيات أو يطلع على الكتاب ويقف على حقيقته، وكم يكون نقده لاذعا لو انه قرأ الكتاب وتمعن في مراميه، لقد قامت الدنيا ولم تقعد بسبب المظاهرات التي شارك فيها أناس لم يقرءوا الكتاب وكيف يقرءوه وهو أصلا ممنوع من التداول، وكم من الناس يخوضون في التهكم والنيل من المذاهب وهم لا يعرفون عنها شيئا سوى الاسم، والاسم يتحول بالرغم من جماله الباهر ودلالاته الرائعة إلى قبيح، فكلمة الشيعي وتعني المناصر هي كلمة جميلة لكنها تتحول إلى كفر وزندقة عند البعض، وكلمة السلفي ومعناها العودة إلى السلف الصالح تتحول إلى مصطلح ممجوج رغم روعة الكلمة، إنها حالة غياب الوعي الكامل وحتى كلمة المسلم وهي مأخوذة من السلم والسلام والسلامة صارت تعني في دول ( متحضرة ) الإرهاب والتطرف، كما أن اليهودية وهي دين سماوي صحيح لا يكتمل الإيمان بدونه يتحول بمعناه إلى سبة لتعني مجموعة من المرابين المتآمرين دوما، وهكذا صار الممكن محالا والمحال ممكنا، وكم كذبنا المصلحين واعتبرناهم رغم حججهم المقنعة فاشلين ساقطين في أوحال التخبط.

العقل الإسلامي لم يدرك بعد بان العبادات هي خاصة بالإنسان، وان إطلاق حرية المعتقد دون حرية الرأي والتعبير أمر ضروري، والحوار عنده تحول إلى جدل والجدل صار يحكمه قانون التناقض فصار أهل الجدل ( الايجابيون والسلبيون ) يصيبون مرة ويخطئون مرات يرقعون هذا ويرتقون ذاك فصاروا أشبه بمتتبعي الزلل والمتناقضات في أفكار المخالفين حتى ذهب البعض منهم إلى أكثر من ذلك فصار يتحدث عن تناقضات في كتب سماوية شريفة مقدسة. الساحة الآن مفتوحة لصولات أهل الفلسفة والمنطق وجولاتهم وان الذي يصل إلى مرحلة متقدمة في هذا العلم يأخذه الغرور وتكون له مكانة بين أقرانه يهابوه ويوقروه لأنه يُصعّب السهل ويجعله ممتنعا على العوام، ومن لا يحترم هذه الفئة طوعا أو كرها يُرمى بالجهل والضلال.

إن أكثر النظريات الفلسفية هي بهلوانيات فكرية وألاعيب كلامية، وكل محاولة لحل التضارب بين النظريات ينتج عنها المزيد من التضارب الذي يحتاج إلى حل، والى ماذا وصل جهود الكلاميين في قضية التسيير والتخيير مثلا غير الخروج من مأزق إلى مأزق آخر أكثر ضيقا، وأيهما أبقى وانفع للبشرية أصحاب الآراء الفلسفية أم فيثاغورس ونيوتن و مندل أصحاب النظريات العلمية التي ثبتت صحتها بالبرهان. الإنسان الإسلامي انهمك في دراسة المادية الديالكتيكية والمادية الساكنة والمكان المطلق والزمان المطلق والسكون المطلق والمطلق الساكن وغيرها وقضى عمرا في ذلك ليكتشف بأنه لم يكتشف شيئا وانه كان يدور في حلقة مفرغة مع قلة من المهتمين بهذا الشأن، وأما الأكثرية من البشر فأنهم مشغولون بتسيير العالم تسييرا ماديا عقلائيا بدءا من الطبيب والجراح وانتهاء بالعامل والخباز والنجار وتخلصوا من نزعة التعقيدية الشديدة للفلاسفة في تعليل الظواهر البسيطة التي تمثل السير عكس الاتجاه. الإنسان المسلم يعيش مأساة العقل أو مأساة إبليس ومن قال بان إبليس يقضي فترة التقاعد في الجزر يعطف عليه ويحاول تخليصه من ورطته ويتلمس له الأعذار بعد أن رأى الإنسان قد أوغل في إفساد الأرض وتدميرها بدافع من طبيعته ومن نفسه التي تأمره بالسوء.
فهل نحن في ورطة؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى