السبت ٣ آذار (مارس) ٢٠١٢
بقلم عبد الرحمن البيدر

قصيدة النثر.. رأي في الضوابط والمحددات

برغم كثرة الجدل والآراء النقدية المؤيدة لقصيدة النثر والمدافعة عنها، وبرغم الانتشار الواسع لهذه القصيدة كجنس أدبي حافظ على وجوده رغم المصاعب التي اعترضته والحروب التي شنت عليه، والاتهامات التي لاقاها من مختلف الجهات، إلا أن ما يؤخذ على قصيدة النثر هو افتقارها إلى الضوابط والمحددات الأساسية المتكاملة في إطار واحد بما يمنحها شرعية واستقلالا كاملا وخطوطا لا يمكن تجاوزها من قبل الذين ابتليت بهم ممن يدعون الشعر ويرصفون كلمات بطرق مختلفة ويلقون بها على قصيدة النثر التي لم تتحمل قصيدة أخرى في عالم الشعر ما تحملته من ظلم سواء ممن يدعون الشعر أو من بعض النقاد الذين يستكثرون عليها حتى صفة الشعرية.

لا شك أن ترهل قصيدة النثر بكتابات لا تمت للشعر بصلة قد ساهم بشكل كبير في منح الفرصة لمنتقديها والمتربصين بها للاستمرار بمهاجمتها، فقد قدم هؤلاء أسبابا تبدو واقعية لانتقاد القصيدة وخاصة في افتقار نصوصهم إلى شروط قصيدة النثر التي وضعها روادها الاوائل اليزيوس بيرتران ورامبو وبودلير (الكثافة والايجاز والمجانية) بالاضافة الى افتقار تلك النصوص للموسيقى الداخلية التناغمية والصور الشعرية الانسيابية، مما ساهم في زيادة الهجمة على قصيدة النثر واستمرار محاولات إزاحتها من ساحة الشعر، وبرغم صمودها إلا أنها ما زالت لا نقول عاجزة عن الدفاع عن نفسها ولكن تحتاج إلى مزيد من العوامل التي تساهم في انتزاع استقلاليتها والاعتراف بها وحمايتها وإخراجها من دائرة الجدل – الصراع – بأقل الخسائر، فبرغم مرور ما يقرب من قرنين من الزمان على ولادتها وولوجها عالم الشعر، وبرغم ما أحدثته من هزات في ساحة الشعر، فهي لا تزال مفتوحة لكل مستويات الكتابة وليس لها حدود واضحة يقف عندها من يرتاد كتابة هذا النوع من النصوص الشعرية، ولذلك فقد أصبحت الحاجة ملحة لاستكمال إطار خاص بقصيدة النثر جوهره أساسياتها (الإيجاز والكثافة والمجانية) وإضافة عوامل أخرى إلى تلك الثوابت لضبط الإطار الخاص بها وإخراجها من دائرة قذف الصفات والتسميات المختلفة (مقطوعة نثرية، شعر منثور، نثر شعري) الخ من الأسماء التي يراد منها تعويم هذا الجنس الأدبي وجعله قلقا بشكل مستمر نكاية به، فبالإضافة الى أساسياتها المذكورة أعلاه ونظام المقاطع الذي اقترحه اليزيوس بيرتران بعد ان كانت قصيدة النثر قطعة نثر مضغوطة، ما زالت قصيدة النثر بحاجة الى جعل عوامل أخرى من ضوابطها الأساسية ومحددات إطارها وصولا الى الغاية المنشودة وهي حصولها على هوية مستقلة وواضحة.

ليس الغرض من السعي إلى تحديد إطار معين وضوابط تحدد شكل قصيدة النثر هو تعقيد ولادتها، ولكن حمايتها والحفاظ على وجودها وجماليتها، وقد كتب الكثير من النقاد عن العوامل الأخرى المتوفرة في قصيدة النثر عدى ( الإيجاز والكثافة والمجانية، ونظام المقاطع)، وأغنت كتاباتهم الإيقاع الداخلي أو الموسيقى الداخلية ولكن لم يتقرر أن تكون الموسيقى الداخلية في القصيدة من الثوابت ولهذا فالقصيدة مبتلاة بكتابات تفتقر إلى الموسيقى الخاصة المتواترة بين الكلمات والجمل مما يجعل الكثير من القصائد باهتة ولا تستفز الإذن الموسيقية بشكل مؤثر مما يعطي انطباعا لدى المتلقي بهبوط مستواها والتشكيك بشاعريتها. والموسيقى الداخلية عنصر أساسي في القصيدة لان الشعر وكما يقول الناقد الدكتور هنون امال (مرتبط بالموسيقى منذ الجذور الأولى لنشاته)، كما أن أليوت قد دعا إلى التركيز على العلاقات الموسيقية الداخلية في قصيدة النثر وذكر أن (موسيقى الكلمة هي نتيجة لعلاقات تربطها بما سبقها ويعقبها من كلمات) بمعنى أن هناك تواتر في الموسيقى بين الكلمات والجمل وهذا ما يساهم في تناغم الصورة الشعرية والوجدانية والموسيقى في إطار واحد متوازي لا تنافر ولا تقاطع بين أي خط وأخر، وعلى هذا الأساس لابد أن يتوفر في قصيدة النثر كما يقول الناقد والشاعر منذر عبدالحر (عزفا خاصا لا شوائب فيه ولا زوائد) لكي تساهم الموسيقى الداخلية في التعويض عن الإيقاع الخارجي الذي تتمتع به القصائد العمودية وبالتالي التقليل من حدة الجدل بين قصيدة النثر والانواع الاخرى الكلاسيكية في الشعر.

وقد أغنى النقاد أيضا جزئية أخرى في قصيدة النثر وهي الصورة الشعرية، ولكن لم تضاف الصورة الشعرية أيضا إلى الثوابت المذكورة للقصيدة والتي ذكرناها أنفا والمتفق عليها من قبل كل المهتمين بقصيدة النثر من بود لير إلى بيرتران إلى الشعراء والنقاد العرب المدافعون عنها، وتوفر الصورة الشعرية المتناغمة مع الموسيقى الداخلية والمحاكاة الوجدانية يجعل شكل القصيدة وإيقاعها متكاملا ومقبولا مما يساهم في التملص من هجمات المتربصين بهذه القصيدة، وكما يقول الناقد د. محمد زيدان (الصورة الشعرية تتوزع مفرداتها على معظم أجزاء النص حتى يتحول الإيقاع من الصوت إلى الصورة)، وبهذا فأن شاعر قصيدة النثر يجب أن يراعي ليس فقط تناغم الصورة الشعرية مع الصوت ولكن جمالية الصورة المتولدة من الكلمات والجمل، بمعنى إمكانية تلقي الصورة من قبل متذوقي هذا النوع من الشعر بارتياح، وذلك يأتي من الالتزام بالدلالات التي تلد الصورة وتجعلها لوحة جميلة يجول بها المتلقي بتفاعل.

وعلى أساس ما تقدم نرى أنه على المهتمين بقصيدة النثر البحث في جعل العوامل الأساسية التي يجب أن تتوفر في قصيدة النثر هي:

الكثافة، الإيجاز، المجانية، النظام المقطعي، الموسيقى الداخلية (الإيقاع)، الصورة الشعرية المتناغمة مع النص، وربما يقترح الشعراء والنقاد المهتمون بقصيدة النثر ضوابط أخرى تساهم في تحقيق الهدف الذي نبتغيه وهو شرعيتها وحمايتها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى