الثلاثاء ٦ آذار (مارس) ٢٠١٢
بقلم فراس حج محمد

مقاييس الجمال الأنثوي عند العرب

يُعرف الجمال فلسفيا بأنه «صفة تلحظ في الأشياء فتبعث في النفس سرورا ورضا»، ويشير هذا التعريف بنسبية الجمال والنظرة إليه، فما تراه جميلا، ليس شرطا أن يكون جميلا عند غيرك، لأنه نابع من إحساس ذاتي، وتتحكم به كثير من العوامل الفكرية والنفسية، ولا بد أن يراعى هذا الأمر عند الحكم على الشيء بالجمال أو القبح.

وقد اختلفت الإنسانية في حكمها على الجمال قديما وحديثا، سواء في ذلك النظرة إلى الإنسان نفسه أو النظرة إلى النص الأدبي، ففي حكمها على الإنسان، وخاصة المرأة كان للنواحي الجسمية دلائل تدل على الجمال ويسعى المرء لوجودها في تلك المرأة المطلوبة المعشوقة، ففي حين كان للعرب مقاييسها الخاصة عن غيرها في الجمال، فقد دلت المدونة الشعرية العربية على وجود صفات جسمية إن توفرت في المرأة كانت بالاعتبار جميلة، وقد وجد عند العرب مراتب للجمال، فأطلقوا مثلا الملاحة والحسن واللطافة والجمال، وخصصوا لكل ملمح من ملامح الجمال لفظا يدل عليه.

وفيما يأتي استعراض لبعض نواحي الجمال التي كانت العرب تطلبها في المرأة، ولنبدأ بقول امرئ القيس واعتباراته الجمالية، فقد ورد في معلقته:

مهفهفة بيضاء غير مفاضة
ترائبها مصقولة كالسجنجل

إنه وصف جمالي عام يقدمه امرئ القيس يتمثل في "امرأة دقيقة الخصر ضامرة البطن غير عظيمة البطن ولا مسترخية وصدرها براق اللون متلألئ الصفاءة كتلألؤ المرآة"
ومن ناحية أخرى يبين الشاعر العربي صفات للجيد والعيون، فالجيد "جيد الرئم"، والعيون "عيون المها"، واللون المحبب هو اللون الأبيض المشوب بصفرة تشبه بيض النعام، وأما القامة فإنها "لا يشتكى قصر منها ولا طول"، معتدلة في طولها، وأما مشيتها، فإنها "تمشي الهوينى"، وحفل الشعر العربي بأوصاف للأسنان والأيدي والأنامل، فقد أعجب العربي بأسنان المرأة إذا كانت قد صف من صفوف الأقحوان بيضاء نقية، وإذا ما كان البنان رخصا "يكاد من اللطافة يعقد".

وقد وضح عمرو بن كلثوم في معلقته شيئا من جوانب الجمال في المرأة في بعض أعضائها، يفصلها في هذه اللوحة الجمالية البديعة:

تُرِيْكَ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى خَـلاَءٍ
وَقَدْ أَمِنْتَ عُيُوْنَ الكَاشِحِيْنَـا
ذِرَاعِـي عَيْطَلٍ أَدَمَـاءَ بِكْـرٍ
هِجَـانِ اللَّوْنِ لَمْ تَقْرَأ جَنِيْنَـا
وثَدْياً مِثْلَ حُقِّ العَاجِ رَخِصـاً
حَصَـاناً مِنْ أُكُفِّ اللاَمِسِيْنَـا
ومَتْنَى لَدِنَةٍ سَمَقَتْ وطَالَـتْ
رَوَادِفُهَـا تَنـوءُ بِمَا وَلِيْنَـا
وَمأْكَمَةً يَضِيـقُ البَابُ عَنْهَـا
وكَشْحاً قَد جُنِنْتُ بِهِ جُنُونَـا
وسَارِيَتِـي بَلَنْـطٍ أَو رُخَـامٍ
يَرِنُّ خَشَـاشُ حَلِيهِمَا رَنِيْنَـا

فالمرأة من وجهة نظر هذا التغلبي امرأة سمينة بذراعين ممتلئتين، والثدي فإنه مثل حق العاج بياضا واستدارة، مصونا عن أيدي اللامسين لعفتها ونقاء سريرتها، وقامتها لينة طويلة تتثنى وأردافها ثقيلة تتناغم مع تلك القامة بجمال آسر، يأخذ بالألباب، وأما الأوراك فضخمة ممتلئة لحما، مما يدل على رفاهيتها ودلالها، ليصل الشاعر في نهاية اللوحة إلى وصف الساقين، فإنهما عنده كاسطوانتين من رخام أبيض أو عاج.

يا لها من صورة بديعة يظهر فيها الحسن مشخصا بكل تفاصيل الصورة! وكأن الشاعر رساما يرسم بكلماته تلك اللوحة الجمالية الربانية.

وأما الصفات المعنوية فإن الخجل محبب لدى الشاعر العربي في جاهليته قبل إسلامه، ولا تعجبه المرأة المسترجلة إطلاقا، فعندما قال النابغة الذبياني:

سقط النصيف ولم ترد إسقاطه
فتناولته واتقتنا باليد

فإنه يشير إلى تلك الصفات الأنثوية المرغوبة في المرأة العربية التي تتفق والقيم الإنسانية، التي تحترم فيها المرأة جمالها لتكون دائما الأبهى والألطف في حضور ساحر، أضف إلى ذلك من الصفات المحببة في المرأة زيادة على الحياء، البخل في السلام والنظرة، فالشاعر العربي لا يحب أن تكون المرأة متولهة، تدلق مشاعرها في كل مناسبة، بل يحبون المرأة المتزنة التي تعشق بصمت، وتحب بكل جوانحها، ولكن دون أن تتردى في سعير الغرام المفضي لقلة الحياء، ولذا فإنك ترى الشاعر العربي يحب من محبوبته مطل الوعد باللقاء وعدم الوفاء به:

عدينا في غد إن شئت إنا
نحب وإن مطلت العاشقينا

وقد أحبت العرب في المرأة كذلك من الصفات النفسية الذكاء وشدة الملاحظة، ولذا فإنك واجد مثلا أن المرأة الذكية تستحوذ على الشاعر لبه وتملك عليه فؤاده، وقصة المثل العربي "وافق شن طبق معروفة ومشهورة"، وكثيرا ما بحث الشاعر عن زوجة ذكية تتناغم مع آماله وطموحاته، لا لشيء إلا لتكون الأقرب إلى نفسه وفهمها حق فهمها.

كانت هذه وقفة سريعة مع بعض ملامح الجمال الأنثوي في نظر العربي في جاهليته وإسلامه، ويبدو أن النظرة قد تغيرت اليوم عند هذا العربي بفعل ما جد من قيم فكرية جميلة، فغدا يحب المرأة ذات القوام الممشوق، والتي تتمتع مع ذلك بنحافة بادية، وما عليك لتقتنع بذلك إلا أن تشاهد تلك الحسناوات وما يفعله من عمليات التجميل، وما يضفنه بعد ذلك من أصباغ وإكسسورات وعطور ومساحيق، ويبقى قول المتنبي خالدا عندما قال:

حسن الحضارة مجلوب بتطرية
وفي البداوة حسن غير مجلوب.

فليس أعظم وأجمل من المرأة التي اقتنعت بجمالها وحسن مظهرها، واستغنت عن أصباغ قد تشوه الجمال الحقيقي وتخفي روعته!!


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى