الخميس ٨ آذار (مارس) ٢٠١٢
بقلم صقر أبو عيدة

النَّحْتُ في صَخْرِ الْحُرُوف

نَبَتَتْ عَلى بَالي غُصُونُ قَصِيدَةٍ
حَمَلَتْ أَهَازِيجَ الْوَطَنْ
فَسَقَيتُها أَنْغَامَ شَعْبٍ قَادَهُ طُولُ الْمِحَنْ
رَاوَدْتُها عَنْ صَفْحَةٍ لأَخُطَّ فِيها خَاطِري
فَتَعَلَّقَتْ في شَوكِها أَحْبَالُ صَوتِي وَالشَّجَنْ
سِرْتُ الْهُوَينَى في الْكَلامِ وَرُحْتُ أُومِئُ بِالدّمُوعْ
فَلَعَلَّها تَمْضِي عَلى دَرْبِ الْقَصِيدِ بِلا رَسَنْ
لَكِنَّها نَظَرَتْ إلى زنْزَانَةٍ بُنِيَتْ على كَسْرِ الضّلُوعْ
فَتَراجَعَتْ تَرْجُو الْخَلاصَ مِنَ الْوَهَنْ
وَرَجَوتُها تَسْمُو عَلى وَجَعِ الْقُيُودِ وَما يَلُوعْ
فَاسَتَوحَشَتْ وَتَدَثَّرَتْ في صَمْتِها
فَدَعَوتُ مَنْ يُلْقِي لَها نَغَماً يُذَلّلُ دَرْبَها
أَسْمَعْتُها أَلَمَ الْعَصافِيرِ الّتي لَمْ تَبْنِ عُشَّ فِراخِها
وَعَصَرْتُ في كَلِماتِها شَغَفَ الْفُؤادِ إلى السّكَنْ
وَنَثَرْتُ في أَوْراقِها وَهَجَ الصّبَايا وَاشْتِعالَ صُدُورِها
حَيثُ الْخُطُوبُ تَنازَعَتْ فِيها النّفُوسِ بِلا ثَمَنْ
ذَكّرْتُها بِالشّعْبِ وَالأَرْضِ الّتِي رُوِيَتْ بِهِ
قَالُوا احْصُدُوهُمْ عِنْدَ طَلْعَةِ لَيلِهِمْ *
صَرَخُوا احْصُدُوهُمْ لِلرَّدَى
خَمْسُونَ إلا وَاحِدا
أَوَ تَذْكُرِينْ
أَصْوَاتَ قَهْقَهَةٍ يُرَدّدُها الصّدَى
وَالرّيحُ تَنْبَحُ وَالسّفِيهُ تَمَرّدَا
في كُفْرِ قَاسِم..
لا فِدَى
لَمْ يَنْتَهُوا بالْجَدِّ إِذْ نَزَعُوا شَغافَ بِلادِهِ
في قَلْبِهِ بُورُ الْحُقُولِ وَليَلُ قُبَّرَةٍ تَحِنُّ لِلَحْنِها
ذَكّرْتُها بِمَلامِحِ الزّيتُونِ عِنْدَ حَصَادِهِ
وَالأُنْسُ يَكْظِمُ غَيظَهُ بَينَ الْبَرارِي وَالْمُدُنْ
لَمّا رَأَتْ قَلَمِي تَهَيَّأَ لِلزّفافِ على عَرُوسِ قَصِيدَتي
مَرّغْتُ صَدْري في مَراغِ خُيُولِها
وَعَسَى الْحُروفُ تَقُولُ لي لَحْنَ الْوَطَنْ
فَجَفاؤُها يُذْكِي مَرارَةَ غُرْبَتِي
لَمّا رَأَتْ أَسَفِي يَفُورُ على جُفُوني شَاكِيا
أَرْخَتْ سِتَارَ الصّمْتِ فَوقَ خِبائِها
وَتَجَلْبَبَتْ بِسُكوتِها تَرْوي الْهُمُومَ وَما بِهِنْ
فَلِقُاؤُنا آتٍ وَإِنْ رَبَضَ الْجَفا في دَرْبِها
بَينَ ابْتِهالٍ وانْتِظارٍ أَرْشُفُ الْكَلِماتِ منْ حَسَراتِ نَهْرِ الصّابِرينْ
فَحَمَلْتُ أَضْلاعي على صَخْرِ الْحُرُوفِ..
لأَنْحَتَ الشّعْرَ الّذي أَلْبَسْتُهُ قُمُصَ الْوَطَنْ
وَجَبَلْتُ طِينَةَ خَاطِرِي وَالْمَاءُ يَجْرِي فَوقَ أَرْصِفَةِ الْقَصِيدْ
وَكَأَنّهَا غَثَيانُ حُبْلَى تَشْتَكِي طُولَ الزّمَنْ
قَالَتْ لِيَ الْكَلِماتُ في وَقْتٍ عَسِرْ
الشّعْرُ في وَحْلِ النّفُوسِ تَلَوّثَتْ فِيهِ الصّوَرْ
فَتَخُوضُ في رِجْسِ الأَغانِي وَالتّغَرّبِ وَالْفِتَنْ
ياَ شَاعِرَ النّجْوَى تَرَفَّقْ بِالْقَصَائِدِ وَالْمُتُونِ وَمَنْ تُحِبْ
شِعْرِي عَلى مَتْنِ النّفِاقِ تَفَرّقَتْ أَلْوَانُهُ
يَا أُمُّ يَا حَوْشَ الَْعَبِيدْ
أَيُّ الْحُرُوفِ تَرَينَها لا تَنْتَمِي لِلشّعْبِ في أَرْضِ الشّهِيدْ
فَلْتُشْعِلِيها في الْحُطامِ وَفي الْوَقُودْ
لا تَرْكَنِي لِلْحَرْفِ إِنْ جَمَدَ النّشِيدْ
عِنْدَ النّوَائِبِ وَاخْتَفَى مِنْ سَطْرِهِ حِبْرُ الْوَطَنْ

* في تمام الساعة الخامسة بعد ظهر التاسع والعشرين من أكتوبر 1956، فُرضَ أمرُ منع التجوّل على قرى المثلّث الفلسطيني وتمت المجزرة. قتل 49 شخصا ما بين رجل وطفل وامرأة وشيخ كانوا عائدين لبيوتهم في كفر قاسم


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى