الخميس ١٥ آذار (مارس) ٢٠١٢
بقلم إبراهيم جوهر

أوراق مهرّبة لمرمر القاسم

ممن هرّبتها الكاتبة؟ ولمن؟

في أوراقها الجريئة تقيم الكاتبة (مرمر القاسم) ثورة احتجاج باللغة، وفي اللغة.

تحتج على الركون القائم بحكم التقليد، والنصائح، وتعاليم التربية التقليدية التي تثور عليها الكاتبة، وتظهر ندمها لأنها استمعت لها، فأورثتها صفة القبول السلبي. في أوراقها هذه تغوص الكاتبة في ذكرياتها، وتستحضر تجربتها ممثّلة لمن يشاركها التجربة والمعاناة. وكأني بها توازي كتاب (أحلام مستغانمي ) ؛ (نسيان.كم ) الداعي إلى الحياة بعيدا عن التذلل للذكر. هنا تظهر (أنا) الكاتبة عفيّة تدافع عن قدراتها وإنسانيتها وحقوقها الكاملة غير المنقوصة.
هل يمكن أن تكون هنا تتمثّل الوطن كما تريده؟!

إن وطنا لا يحترم نصفه المتمم لا يمكن أن يكون حرا كامل السيادة.

تظهر جرأة التحدي والاحتجاج بلا مواربة، ولا ترميز في نصوص الكاتبة المتنوعة بل بصراحة في الانتقاد غير خافية تقدمت الكلمات وهي تفاجئ قارئها بجرأة التعبير حينا، وفصاحته حينا، وبيانه.

الكاتبة استفادت من إمكانيات اللغة في الجناس اللغوي والطباق والمقابلة. وعملت على ذاكرة الكلمات وذاكرة الصور. تلك الصور التي اختزنتها ذاكرة وعيها في طفولتها لتحتج عليها اليوم في هذه الأوراق المهرّبة ، حاملة رسالتها بوضوح غير خاف. فلماذا كانت هذه الأوراق مهرّبة؟
التهريب هنا ليس كما قد يتبادر لذهن للقارئ من الوهلة الأولى. إنه تهريب من جدر الصمت والخنوع والقبول بالحال القائم، وإن لم يغب الهم الوطني والسياسي العام الذي هو خاص أيضا يؤثر في الأقلام والأرواح.

الكاتبة تصرخ وتحتج وتشكو هنا، وتنوّع أساليب احتجاجها.

إنها تجرّب صوتها، وقلمها. وتبني فكرا خاصا يستند إلى رؤيا واضحة في ثنايا فكرها الخاص.
الكاتبة تريد بناء عالمها الخاص كما تراه. وقادها هذا التصور الى الاحتجاج والرفض والبكاء والغضب، والثورة. كتبت بسخرية، وبثقة بالذات، ونقلت معاناتها الموجعة.

ثورتها في نصوصها التي جاءت وفق حالاتها النفسية ومعاناتها الخاصة هنا تقدّم للدارس المهتم ميدانا للغوص والتحليل والوقوف على جوانب خافية في المعاناة,هنا التعبير يقود إلى البوح، والصدق. كما يقود إلى الغضب حين تعاد الذكريات وتستحضر المعاناة مرة أخرى.
هنا كاتبة تتمرد.

هنا كاتبة تؤسس.

هنا كاتبة تهرب وتهرّب ؛ تهرب من واقع تنتقده. وتهرّب روحها لكي تعيش في مكان لم تسمّه بل ألمحت إليه...لعله ذاك العالم المأمول في محصّلته النهائية المستمدة من نقيض الموصوف المعبّر عنه هنا.

وجدت تعبيرا خاصا عن ذات الكاتبة ؛ حددت مكامن معاناتها، وطموحها. كانت سيرتها حاضرة بقوة، وتقف وراء الكلمات. فالكاتب عادة ما يكتب نفسه ويخرج روحه إلى العلن والورق.
أشارت إلى حالات الضياع التي تأسر قلبها وروحها. لم تكن جافة ولا جلفة، بل رقيقة حافظت على الأنثى في داخلها ؛ الأنثى التي لا تعني المسكنة والضعف والاستكانة والقبول بكل ما هو موجود ومتعارف عليه اجتماعيا.

تثور على العادات البالية، وتنتصر للحياة.

وقفت على الأرصفة ورأت العمر يمضي بأرصفته وهي على رصيف الحياة.

(مرمر القاسم) في أوراقها المهربة سخرت، وهذت،وتمردت. قالت ما تريد بلغة متينة ذات استعارات وتشبيهات ومجازات.

وأرسلت غضبها سريعا على شكل برقيات موجزة، اقتربت فيها من أسلوب القصة القصيرة جدا.
لم يشغلها هاجس النوع الأدبي كشكل فني بل صبت اهتمامها على المضمون / رسالة التوعية وإشهار الموقف.

إنها تقف بوضوح أمام مرآة ذاتها فتصارحها. تعبّر لها، ولنا، ناقلة الكثير مما كوّن ثقافتها الخاصة بموقفها الخاص من الناس والحياة.

إنها تحمل مشروعها الثقافي الخاص بوضوح في ذهنها، لذا نراها تؤصّل له وتنظّر أحيانا. وتنقل المشكلات التي تقض مضجعها كما رأتها وخبرتها.

هذه الأوراق تستحق الدراسة المعمقة لأنها تحمل موقفا من الحياة والناس.
ولأنها تفتح أبوابا على الفن التعبيري باللغة والفكر والمعاناة.

ولأنها تشعر بكاتبة تدرك مسؤوليتها تجاه مجتمعها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى