الأربعاء ١٨ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٦
بقلم احميدة الصولي

السُّؤَالُ الحَارِقُ

أَطلَّتْ رُؤُوسُ الأَفاعِي،
مُعمَّدةً بِلُعابِ الخِيانَاتِ،
تَحفِرُ في صُلْبِ هَذَا الرَّمَادِ شُرُوخًا،
وَتحَفِرُ في زِئْبَقِ الكَلماتِ رُسُوخًا.
أَمتَّشِحٌ أنتَ باللَّعناتِ،
وتَلعَنُ صَوتَ المسَاءِ ؟
رُكامُ الهْزائِمِ، تَكْتُمُ أَنفَاسَ مَن أَعلَنُوهَا.
لَوِ انْدَلَعَتْ أَنَّةٌ فِي سَرَايَا الأكَاذِيبِ هَبُّوا لها
نَاعِقِينَ، وَقَد لَعَنُوهَا.
لِمَاذَا تَئِنُّ ؟ وَكيْفَ تَئِنُّ وَأَنتَ الدَّفِينُ ؟
أَفيِ المْوتِ مَوتٌ كَهذَا الْفَنَاءِ ؟
 
وَتَكْبُرُ حَولكَ مُعضِلةٌ،
فَتَشُبُّ الحَرَائِق في صَمتِهَا،
وتُعَاقِرُ عند التَّملْملِ أُخرَى، وَأُخْرَى.
سَتَكتُمُ هَذِي النُّفَايَاتُ صَوتًا،
تَأَجَّجَ فِي لَونِهَا، وَهيَ حُبلَى.
وَكُلُّ المجارِي تَهِيمُ بِمُنْبسَطٍ
تَستَحِيلُ بِهِ الغَمغَاتُ صُدَاعًا.
وَيُعلَن أَنَّ البَيَادِرَ مَا ارتَكبَتْ غَيرَ حُمْقٍ جَدِيدٍ
مَتَى أَطْعَمَتْ بِالسَّرابِ جِياعًا،
لِذلِكَ أحرَارُنَا أَشْعلُوهَا.
فَيَطْفو السُّؤَالُ الذي أَحرقَتْنِي لَظَاهْ
بِغيْرِ شِفَاهْ.
وَيُغْرقُني الوَهمُ في أُمْنِيَاتيِ، وَيغفُو المْتَاهْ.
 
يَشِي بِالخَرَابِ انحْسَارُ الضِّيَاءِ،
فَمِنْ أَيِّ نَجْمٍ تَدَفّقَ هَذَا الحَجَرْ ؟
وَمِنْ أَيِّ نُبْلٍ تَنَاسَلَ هَذَا الدَّهَاءُ ؟
أُناجِي لَيَالي البَيَاضِ عَطُوفًا
وأُولَدُ مُلتَبِسًا بِالسَّهَرْ.
أَمِنْ لَهفَةٍ في احْتِقَانِ المَواعِيدِ
أَجرُعُ كَأْسِيَ وَهْيَ دِمَاءُ ؟
أَذِي لَعنَةٌ أَسْعَفَتْني بِسَهْمٍ جَدِيدٍ،
فَجَائعُهُ كَانْفِلاتِ القَضَاءْ ؟
فَفِي كُلِّ آوِنَةٍ تَكبرُ النَّائِحَاتُ،
سُدًى تَستَدِرُّ السَّمَاءْ.
ولَكِنَّ أَوجارَنَا تَسْتطِيبُ انكِفَاءَ الضِّياءِ
بِأَحلاَمهِ، قَد ينامُ المدَى هَانِئًا
لَو يَضِجُّ السُّكونْ.
فَمَن ذَا يَكُونُ؟ وَمَنْ ذَا وَذَاكَ ؟ وَأَيُّ الخَؤُونْ ؟
شَرِبْنا فَجَائِعنَا - وَهيَ تَغْفُو- صُداعًا لَذِيذًا.
وَأَوْجَاعُنا – مِثلَما نَرتضِيهَا- اسْتحَالَتْ نَبِيذًا.
كَذَلكَ أَيْقنتُ أَنَّ السُّؤَالَ الَّذِي أَحرَقتْنيِ لَظَاهْ،
يُذيبُ الشِّفاهْ.
وَأَغْرقَني الوَهمُ في أمنِيَاتي وَتَاهَ المتَاهْ.
 
لَنَا الأرضُ كَانتْ، وَأَضحتْ جُنُونا، مُذَابًا.
وَفي لحَظاتِ التَجَلّيِ نُعِدُّ المسَاءَاتِ لِلَّغوِ
نُصغِي لأَوهَامِنا وهْيَ تَتلُو نَشِيدَ الخرَاِب
فَنَهْذِي، وَنهْذِي اكتِئَابًا.
وَمِن سِحْر أوهَامنَا ازْدَانَتِ الأَرْضِ بِالْقُبحِ
وَاكْتَمَلَتْ بِاسمِهِ الأَبجدِيةُ
صَارَتْ عَذَابًا.
أَرَى الْقُبحَ يَطوِي الشَّوَارِعَ عُريًا،
وَفِي شَاشَةِ التَّلفَزهْ.
وَتَكبُرُ فِينَا الدَّعَارَةُ جَمَّلهَاَ الزَّيفُ،
كَي تَنحـتَ المْعجِزَهْ.
 
كَأنَّكَ تَنبُضُ مِنْ غَيرِ هَذَا الخِضَمِّ،
فَتَمتَلِيءُ الأُمنِيَاتُ شُحُوبًا،
وَتَنتَحِلُ الكَلِمَاتُ أَفَاعٍ، وَقَدْ تَسْتحِيلُ نُدُوبًا.
أَفِي الْوَهمِ مُتَّكَأٌ لاِزْدِوَاجِيَةٍ
تُجهِضُ الأُمْنيَاتِ، فَتُنسَخُ فِي يَافِطَاتٍٍٍ جَدِيدَهْ ؟
أَفِي القَلبِ مُتَّسَعٌ لارتِكَابِ حمَاقَةِ
حُبٍّ جَدِيدْ ؟
وَيَحفَلُ هَذَا الفَضَا بِالجَلِيدِ الْوَلِيدْ.
سَأَنحَتُ مِن ذِكرَيَاتي صُدَاعًا
أُشَجِّرُهُ بِالمتَاهَاتِ، أَصْفعُهَا،
وَأَيُّ ارْتَكَابٍ لِمَا زَيَّفُوا مِنْ صُرُوحٍ،
زَمَانٌ مِنَ الانْتِفَاخِ يَعُودْ.
فللكلمات سُجُوفٌ، وَلِلأُغنِياتِ صُروفٌ،
وَلِلوشْوشَاتِ اهتِزازٌ يَدُكُّ اليبَابْ.
أَخافُ مِنَ الضَّحكِ الآن يُصْبحُ غَمغَمةً أَو شَتِيمَهْ.
وَأَهرَبُ مِن لحَظَةٍ عَبِقَتْ بِالهْزَائِمِ،
أَسقُطُ في عِشقِ عَصْرٍ يَعَضُّ خُصُومهْ.
يَظَلُّ القذَى مسبَحًا لِلشُّمُوسِ،
وَتَعْبقُ أَيَّامُنا بِالمَزَالِقِِ مَنذُورةً للهَزِيمهْ.
 
ظَنينُكَ مُنشَغِلٌ بِالدَّوَاهِي، أَأُرْضِعُها
أَمْ أُعَتِّقُها، وَهيَ مَلْأَى رَضَابا ؟
كَأَنَّ شَظايَا الأنِينِ بِأحْضَانِهَا شَجرٌ
يَسْتَوِي في الضَّبابِ سَرَابا.
نَجَوْتُ إِلىَ الشِّعرِ إِذْ دَاهمَتْهُ الأَحَابيلُ وَهوَ الصَّفَاءْ.
ولكنني فيه أيقَظتُ كُلَّ الشُّجُونِ، أَأُسْرِجُهَا كَيْ تُضاءْ ؟
سَأَرقُبُها وَهيَ تُرسِلُ زَخَّاتِهَا،
فَيَمُوجُ بِأَوصَابهِ الانْكِفَاءْ.
وَيَغْرَقُ فيِ هَمِّهِ الصَّمْتُ، وَالأنجُمُ الزُّهرُ تُخْمَدُ أَضْوَاؤُها،
وَيَضِجُّ الخَواءْ.
وَيُضحِي السُّؤَالُ الَّذِي أَحرَقَتْني لَظَاهْ
يُذِيبُ الشِّفاهْ.
وَيُغرقُني الوَهمُ في أُمنياتِي بِذَاكَ المتَاهْ.
 
أَلُمُّ شَتَاتِي لأرسُمَ تَعويذَةً أَينَعتْ فِي ضَمِيرِي
وَفِي كُلِّ حِين أُجَرِّبُ تَنهيدَةً صامتة
وأنىَّ بَلغتُ تخوم انتِظاري هتفتُ :
هِيَ الكَلِماتُ اسْتحَالتْ هَوَاءً !!
سَأَسْتَنفِرُ النَّكبَةَ البِكْرَ أُسرِجُ فِيهَا رياحي
وَلكِنَّ صَوتي تحطَّمَ في أَرخَبِيلِ جِرَاحِي .
أَمَازَالَ لِلصَّقرِ أَجنِحَةٌ، وَهْوَ يَنبشُ فِي جُثَثٍ تَحْترِقْ ؟
أَمَازَالَ لِلصَّمتِ تَنهيدُهُ فِي حنَايَا النَّفَقْ ؟
أَمَازَالَ لِلسِّحْرِ مَعبَدُهُ وَهوَ مَا بَينَ سَحْلٍ وَدَقّْ ؟
أُرَاوِغُ مَوتِي، لأُودعَ فِي نَكبَتِي البِكْرِ سَيْلاً مِنَ الرَّغَبَاتِ،
وَأُفسِحُ لِلاَّعِنينَ بِقُرْبي، وَأَعرِفُ أَصوَاتَهمْ مُسْترَابَهْ.
وَسِربُ الملاَعِينِ يَنْحتُ مُنْتجَعًا لِلْكَآبهْ.
أَشُجُّ سَوَادَ اللَّيالِي، مُضَرَّجَةً بِعَويلِ الثّكَالَى،
فَلاَ يُهزَمُ الوَقتُ أَو يَستَريحُ الكَلامْ.
أَمَانِيَّ أَلْبَستُها لِضَياعِي، أَأَكتُبهَا ثُمَّ
أَشحنُهَا صَفعَاتٍ إِلَى كُلِّ وَجه عَلاهُ العُنُقْ ؟
فَفِي سَكرَاتِ الظَّلامِ المُدَمَّى ألقْ ؛
وَفِي أَعيُنِ الخَائِفينَ مِنَ الضَّوءِ سَهمٌ يُدقّْ.
أُدَلِّلُ نَكبَتِيَ البِكرَ عُمري،
وَأَغفُو، أُفيقُ، فَمَا لاَحَ فِي الأفقِ أفقٌ،
وَلاَ ارتَاعَ فِي قَلبِهِ الْبَرقُ أَوْ لاَهِبَاتُ الشفقْ.
سَأُنْصِتُ لِلْغَفَواتِ تُروِّعُ صَوْتِي، بِصَمتِ.
تُحَذّرُنِي آهَتِي الهمسَ، أَوْ غَمْغَمَاتِ التَّنفُّسِ،
فِي مهمَهِ الشَّكِّ صَوتِي اختَنَقْ.
وَمَاذَا تَبَقَّى ؟ وَلمَ يَطلُبِ الآخَرُونَ سِوَى الْجِلْد مِنِّي ؟
فَلَمْ يَبقَ لِي غَيْرُهُ أَسْتلِذُّ بِهِ الموتَ لَوْ أَحتَرقْ.
سأطْحنُ أَوجَارَنا السَّابحَاتِ بِأموَاجِ خزي التوقِّي.
وأُوقِظُها وَهيَ مَوتَى، فغِرُّ الزمان يُعدُّ لِسَحقِي.
وأَنَّى اعْتَرتْ أَمِرِيكَا الظُّنونُ،
تَهُبُّ أَساطِيلُها الكاسِحَاتُ ،
تُدَمِّرُ أَسلِحَةً لِلدَّمارِ بِعُمقِي.
فَلَيسَ أَمامَ الجُنُونِ سِوَى لحَظاتِ اخْتِمارْ.
وَيُمسِي المدَى مَسلَخًا وَحَكَايَا اندِثَارْ.
لِذلكَ يُمسِِي السُّؤَالُ الَّذِي أَحرَقَتْني لَظَاهْ
يُذِيبُ الشِّفاهْ.
وَيُغرقُني الوَهمُ في أُمنياتِي بِذَاكَ المتَاهْ.
 
إِلىَ أَن تَدُكَّ المسافاتُ أَحزَانَها،
إِلىَ أَن يَتِيهَ عَلَى الضِّفَّتين صَفِير ُالرِّياحْ،
وَيَصحُو الأقَاحْ،
إِلىَ أَن تَموتَ على سَحَنَاتِ الكَلامِ حِكايَتُهَا،
أَنَامِلُها تَتَسَلَّى بِوَجْعِي، أَنَا ثَورَةُ المسْتَحِيلْ.
تَكَدَّسُ أَشلاؤُها في بَيادِرِ نَبْضي،
فَيُورِقُ عِطرُ اللَّقَاحْ.
نجوت إِلَى الاحتِرَاقِ، وَهَا إِنّ نَبضِي طَشَاشٌ
سيُلهِبُ كلَّ مِسَاحَةِ عُمري.
نَجوْتُ، وَفي قَائِظٍ هَادِرٍ أَحتَمي بِالتشَظِّي،
مِنَ الانكِسَارْ.
شَدَدتُ عَلَى نَحْرِها أَستَبِيحُ عِناقَ الدِّمَاءِ
أُزَيِّتُ فِيهَا جِرَاحِي، فَلاَ وَجَعٌ قِيلَ عَاشْ.
كَتَمتُ تَجَاوِيفَ شَكِّي نَهَارَ تَنَادَى جَلاَوِزةُ الوَقْتِ
تُسعِفُهُم هَفهَفَاتُ الفَرَاشْ.
تَعَالَوا ’لِنَبْنيِ العِرَاقَ’ فَهلْ ذَا العِرَاقُ الأَبيُّ قِفَارْ.
وَبَابِلُ أَكبَرُ مِن أَبحُرِ الزَّيفِ والانحِدَارْ.
فَكَم أَجَّج الخوفَ فِينا سماسِرةُ الْوهمِ
يَا عَوْلَمَاتِ الدَّمَارْ.
وَتَسألُ عَنَّا، فَلَسنَا كَما يَنبَغِي أَنْ نَكُونْ،
لأنا نحتنا رُؤًى في خَرابِ الْجنُونْ.
لأَنَّا سَفَحنَا علَى الْغَفوَاتِ أُوارًا يَجُبُّ الأَنِينْ.
سَتَخضَلُّ أطيافُنَا إِذْ تُفِيقُ الظُّنُونْ.
وَنَصرُخُ، حَتىَّ تَفِيضَ المآقِي يَقِينْ.
وَنُدركُ أنَّ السُّؤَالُ الَّذِي أَحرَقَتْنَا لَظَاهْ
يَضُوعُ شَذًِا فِي الشِّفاهْ.
وَنَعبُرُ أزمنَةَ الوَهمِ، نَرسُمُ أَعْيِرَةً لاغتِيَالِ المتَاهْ.

مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى