الثلاثاء ٣ نيسان (أبريل) ٢٠١٢
قضية حقوق المرأة
بقلم حميد طولست

لا يقتصر على الرجال فقط!

فتحت كالمتعاد، موقعي الإلكتروني لأقرأ ما ورد عبره من رسائل «إمايلات»، ففوجئت بمكتوب تشع بين سطوره علامات الإطلاع والمعرفة، استهلته صاحبته بمقدمة بليغة المضمون قوية المبنى رصينة الفحوى، أقتطفت منه ما يلي: «سلام الله عليك أستاذ حميد أتمنى أن تكون في أحسن حال ... لازلت أتابع مقالاتك التي طغت عليها السياسة بل أصبحت سياسية مئة بالمائة ضاربا بعرض الحائط المرأة التي كنت لها الصدر الحنون فأنت من تدافع عنها وأنت من تطالب لها بحقوقها وتنصرها على الرجل في كتاباتك طبعا»... ثم أردفت قايلة: بالصدفة قرأت هذه الأبيات للشاعر أحمد شوقي عن حال المرأة وعذاباتها مع شركائها، فأردت أن تشاركني قراءتها وانا جد متأكدة بأنك وحدك من سوف تصلك كلماتها هجرت بعض أحبتي طوعا لأنني رأيت قلوبهم تهوى فراقي نعم أشتاق ولكن وضعت كرامتي فوق اشتياقـــــــي أرغب في وصلهم دوما ولكن طريق الذل لا تهواه ساقـــي وعلى غير عادتي مع الكثير من المعلقين على كتاباتي، قررت الرد على لباقة خطابها وسحر عباراتها بما الموضوع حول القضية النسائية التي لا ينبغي أن ينظر إليها من جل زواياها على أنها معركة بين الرجل والمرأة في مجتمعنا العربي أوأي مجتمع إنسيي آخر. كما لا ينبغي لها أن تكون بأية حال من الأحوال مدعاة للتمرد، أوالتحريض المستندين إلى صراع على خلفية جنسوية، أوعقائدية أوغايات أخرى تستهدف إبراز السلبيات فقط دون الإيجابيات، كما أنه ليس من المطلوب أن تتجلى في مواقف محددة, منطلقة خصيصا من الحرص على الظهور بالمظهر الراقي الذي يُحقق المكانة الاجتماعية، ويرضي الغرور والأنانية؛ وإنما يجب أن يكون تبني القضية، انطلاقاً من المشاعر الإنسانية والإيمان الصادق بها وبدور وعلاقة صاحبتها بالرجل، على أنها ببساطة متناهية، علاقة تكامل وتعارف وتواد وتراحم، وأنها شقيقته ومكملة له، بل هي ند له في كل شيء بلا منافسة أوصراع مصداقا لقوله تعالى (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) صدق الله العظيم، وقوله صلى الله عليه وسلم يوصى بهن خيرا في الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان في الصحيحين "استوصوا بالنساء خيرا"، ولاشك أن أهم رعاية يقصدها صلوات الله عليه للمرأة، هو: ألا تتحول هي وقضيتها إلى سلعة تخضع للعرض والطلب والمجاملة والصفقات الاجتماعية والاقتصادية لأنها كما أثبتت البحوث الدقيقة، والدراسات العميقة، روح وكيان موجود وفاعل وفعال يملأ الحيز المخصص له، ويؤدي الدور الذي خلق له بحيوية خلاقة ومبدعة، مؤثرة في كل ما حولها من مجالات الحياة الاجتماعية، والاقتصادية والتربوية والتعليمية، بما لها من دور ثلاثي الأبعاد في تربية النشء، وتشريبه القيم والاتجاهات الصحيحة المبنية على ثقافة احترام حقوقها ومكانتها دون أدنى معارضة، لكونها زوجة وأما وربة بيت تلهم الجميع وفي كل مكان وزمان، حتى قيل " وراء كل رجل عظيم امرأة". مقولة صحيحة إلى حد كبير جدا كان لابد أن تصاحبها مقولة أخرى لا تقل عنها منطقية وصحة وهي " أنه وراء كل امرأة عظيمة رجل يستحق الاحترام والتقدير"، رجل لا يعتبر نون النسوة مجرد حرف من حروف اللغة العربية، بل رجل يعي عدالة العلاقة بينه وبين المرأة ويعمل على تحرير نفسه ومجتمعه من العقلية الذكورية التسلطية، ومعاملتهن على أساس أنهن فعلا شقائق الرجال لا يكرمهن إلا كريم ولا يهينهن إلا لئيم كما في الحديث الشريف الذي رواه أبوداوود:إنما النساء شقائق الرجال ما أكرمهن وما أهانهن إلا لئيم"، وأنها إنسان متساولرجل في الحقوق والواجبات، وأنه لا وجود لامرأة كاملة من دون رجل كامل عاقل، والعكس صحيح لأنهما خُلقا من نفس واحدة وأنهما مستخلفان في الأرض لعمارتها بالعدل والإحسان وكلهما محاسب على تقصيره إن لم يؤد مهمته، وأن "أكرمكم عند الله أتقاكم". وأن التقوى هي مناط الفصل بينهما.

وهنا لابد من الإشارة إلى نقطة هامة وحساسة للغاية، وهي شح وجود هذا النوع من الرجل الكامل العاقل -في المجتمعات العربية والإسلامية طبعا- الذي يؤمن بمثل هذه القيم التي جاء بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ويستمع لحجة المرأة الحريصة على أن يكون لها صوت ودور في شأن أمتها داخل وخارج البيت، ويعمل على تكريس ذلك في مجتمعه بالدفاع عنه، بل النضال المستميت والمشروع لإحقاقه، لكونه مطلب عادل يفترض ألا يعترض عليه أي معترض، لكن حقيقة الأمر، إن الفحولة والذكورة وعقدة القوامة، -أوفهمها الخاطئ على الأقل- وفشل، أوالقصور عن حسم معركة الغرائز المثفلتة، هي التي لعبت مجتمعة ولازالت تلعب الدور الأهم والأساس في تشكل ذوات المتسلطين على حريات المرأة، واستباحة مراقبة جسدها وأرديتها، على أساس أنها الطرف الأضعف الذي لكل ذكر الحق، في انتقاد هيئاته النسائية ومعاكساتها والتحرش بها الذي قد يصل إلى الاغتصاب الذي يخرج منه المتحرش من إطار "الجلاد" إلى إطار ضحية لتبرج المرأة وإغرائها ، وذلك حسب شريعة المجتمعات البطريركية المتخلفة القائمة على مفاهيم تدّعي الإسلام، وفتاوى تنتحل الدين الإسلامي انتحالا، وتواطؤ الكثير من الدعاة الجدد الذين يعمدون إلى إخراج النصوص السماوية والأحاديث النبوية بكل شفافيتها وسموها عن مقاصدها الكبرى لخدمة مراميهم الذكورية الغامضة وعلاقاتهم الغرائزية المرتبكة، والتي نقلوا معاركها المعقدة من ميدانها الخاص إلى خلف أسوار الآخرين، للتجسس عليهم والتربص بهم، عبر المزيد من التسلط على المرأة وحضورها في الفضاء العام، والذي كان من نتائجه الخطيرة، تلك الإشكالية الذكورية المسماة "نقاب أوحجاب" ولونه وشكله، الذي يضطهدون ويعذبون به المرأة ويسجنونها في سواده، الذي يعتبرونه -من باب المراءات بالدين وليس العمل به- سترًا وصونا لها من أعين الرجال الزائغة، وحفاظا لها من أيورهم المنتصبة، وقهرا للرجولة وإذلالها وفق مفهوم الشرف المتعارف عليه والذي يحصرونه -مع للأسف الشديد- في المساحة الصغيرة التي لا تتعدى بضع سنتمترات بين فخذي كل امرأة الذي لا يدور عقله إلا في موقعه وحده، ولا يحفظ في خزانة تعليمه ومتخيله من حكاياته وتصوره إلا ما سمع به من عالم الجدات الذي لا يتعرف للمرأة إلا بمهمة واحدة وغاية واحدة، هي الفراش، أوالجنس والذي ما زالت فتاوى المعارك والحروب والإقتتال تدور حوله، حتى ضاق بستته عالم الرجال وأصبح لا يتعدى ما بين فخذي المرأة ما يدفعهم للاجتهاد في اغتصابه بشتى الوسائل والطرق المشرعنة.

ومن شر البلية ما يضحك كما يقولون، فلخلق التوازن الكامل بين مكونات المجتمعات التي تؤمن بهذا النوع من الشرف الذي لا يلتزم المتغني به بقوانينه ولا يحاسب عرفية تدينه على العبث به واغتصابه، لأنه عبء ثقيل على كاهل الأنتى "المرأة" وحدها- فقد تفتقت عبقرية من انغمسوا بالأمور الدينية حتى تشددوا بها وتناسوا ما يحمله هذا الدين من تسامح وتراحم وحقوق وحريات، عن إجراءات غريبة منها على سيبل المثال لا الحصر 1:فتوى الشيخ عبد الباري الزمزمي، رئيس الجمعية المغربية للدراسات والبحوث في فقه النوازل، التي عبث فيها بل اغتصب إنسانية المرأة وتجرأت على خصوصيتها وانتهكت كل حقوقها، حين جعل ما بين فخدي المرأة "اللي مدوخى الشعوب العربية والإسلامية" داعيا من خلالها المرأة غير المتزوجة على استعمال الجزرة أوالقنينات، وحتى يد "المهراز"، لاستفراغ طاقتها الجنسية المتراكمة، حتى تحفاظ هذه المرأة على شرفها وبذلك ينشر التوازن الاجتماعي والأخلاقي.

أوكذلك الإجراء الغير المسبق، الذي طلعت علينا به الصحف التونسية قبل يوم واحد من عيد المرأة والمتمثلة في المطالبة بتشريع معاشرة الجواري و"التمتع بما ملكت الأيمان" بجانب الزوجات والذي تقدم بها أحد الأحزابها التونسية الإسلامية الجديدة .. طالب بسن قانون يبيح اتخاذ الجواري طبقا للشريعة الإسلامية، بحيث لا يعتبر أمراً مجرّماً أوعملا منافيا للقانون، حيث قال البحري الجلاصي رئيس حزب الانفتاح والوفاء التونسي في تصريح نشرته جريدة "الصريح" التونسية، إنه يطالب المجلس الوطني التأسيسي بأن ينص الدستور التونسي الجديد على ’حق كل تونسي في اتخاذ جارية إلى جانب زوجته، والتمتع بما ملكت يمينه، ودعا إلى إلغاء كل فصل قانوني يُجرم هذه العلاقة التي وصفها بـ"الشرعية"، مشددا في الوقت عينه على ضرورة ’تقنين الجواري، واعتبار ذلك حقا متاحا للرجال المتزوجين بواحدة، وتصنيف الجارية ضمن خانة "ما ملكت أيمانهم" حيث اعتبر الجلاصي أن الجارية هي "الحل الأنجع لإعادة التوازن الاجتماعي والأخلاقي للمجتمع التونسي".

يا لها من مهازل وسلوكيات سفيهة يصدر جلها عن أولئك الذين يتظاهرون بمعرفة الإسلام، وهم من أشد الجاهلين به والمضمرين لعدوانية مقيتة له لكنهم يدعونه ويتمنطقون بألفاظه ويتوهمونه.

ملخص الأمر أن العيب ليس في الإسلام، وإنما في من يعمل منهم على تمثيله بأقبح الصور والأعمال المنافية لمعانيه وجواهر قيمه وتعاليمه الإنسانية الرحيمة النبيلة السامية، الذين يجتهدون في نشر أسباب التشويش والإنطواء والعزلة ونكران قدرات التواصل الاجتماعي الإسلامي البنّاء، بمثل هذا السلوكات السفيهة وهذا العبث والتشنيع المقيت بحق المرأة في العديد من مجتمعات المتخلفة طبعا، التي يكره الناس فيها الجنس الآخر "النساء"، باسم الرجولة والفحولة، لأنهم لازالوا يحملون، وإلى اليوم- القرن والواحد والعشرين- عقدة عرب الجاهلية تجاه الأنثى ويشعرون بنفس العار والخجل والحرج الذي شعر به أبوجهل عندما كان اكتشف أن مولوده أنثى، فألجاه كراهيته لما بين فخدي زوجته وكل النساء والذي يخاف أن يشاركه فيه أحد، إلى الجريمة اللا إنسانية البشعة التي عبر عنها ربنا عز في القرآن الكريم بقوله:"وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ، يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ" النحل :58 ،59 . والتي شاع تطبيقها في جميع العصور كل بطريقته وأسلوبه الخاص، حيث أصبح تعرض الأطفال عندنا لما بين فخد المرأة بالسب واللعن كلما أراد أحدهم النيل من غيره ، مرددين العبارة البديئة "الله يلعن.... موك"، التي تشنف أسماعنا في كل حين وكل مكان، والتي لا يقتصر ترويجها على الأطفال بل يلجأ إليها وبلا حياء، أكثرية الرجال أيضا عندما يقرر أحدهم قهر رجولة آخر، فيرجمه بشرفه، ويعيره بما بين فخذي نسائه (أمه ،أوأخته، أوابنته، أوزوجته).

ومن خلال البحث في واقع المرأة في العالمين العربي والمغاربي، الفعلي والمباشر أوالمتخيل، عبر رصد صورتها في الثقافة، وفي الخطابات التي ينتجها المجتمع للتعبير عن ذاته، يتبين أنه لتغيير تلك الصورة النمطية الملتصقة بلنساء وبلورة تصورات حقيقية لها عند الرجال من أجل تطوير أوضاعهن في بلادنا وتحسين ظروف عيشهن وتمكين النخب النسوية من القيام بدورها الفكري والاقتصادي وكذا السياسي, وخلق مناخ ديمقراطي يعطيهن فرص القيام بأدوار ومهام هي أهل لها, لابد من تغيير عقلية هذه النوعية البطريركية من الرجال الذين يضيق بهم عالم الرجولة فلا يتجاوز ما بين فخذي المرأة ، الشيء الذي لن يكون إلا بثورة "سلوكية" تبدأ أولا وقبل أي شيء آخر، من علاقة المرأة العربية بالمرأة العربية نفسها وتنشئتها، لأنه وفي كثير من الأحيان تكون المرأة سببا مباشرًا لخذلان المرأة، وعدم انطلاقها إلى تحقيق أهدافها التي لن يتسنى لها التكريس، ما لم يبدأ من المرأة ذاتها كعنصر الرئيس في تربية النشء، والأقدر على تشريب الأجيال العديد من القيم والاتجاهات الصحيحة ولعل أهمها وأخطرها أن لا يظل المجتمع العربي مجتمع رجال فقط، وتحويله إلى مجتمع تشاركي تسوده ثقافة العدل والمساواة والاحترام، والاعتراف للمرأة بمكانتها الضرورية بداخله على أساس أنه بدونها يصبح مجتمعا أحادي القطب. ولن تظهر مكانة المرأة كروح للمجتمع، وتتبلور قيمتها ويتطور إبداعها المعول عليه في بناء الأمم وترقية المجتمعات والشعوب والقضاء على آفات التخلف بها.. إلا بإعداد النساء جميعهن -دون الاقتصار على طبقة اجتماعية معينة دون غيرها- لتحمل مسؤولية هذا الدور الخطير، لأن المرأة شئنا أم أبينا هي المقياس والمعيار الأساسيان لتقدم المجتمعات البشرية، لأنها قبل هذا وذاك هي الأم والأخت والابنة والزوجة والحبيبة.

وهنا لابد أن أشير إلى أن هذا لا يعني أن قضية المرأة والدفاع عنها والنضال لإحقاق حقوقها المشروعة، لن يقتصر على الرجال فقط، ولذلك وحتى يسير ذلك في اتجاه إيجابي مقارنة مع فترات سابقة، فالمطلوب، اليوم وقبل أي وقت آخر، من كل غيور، أبا كان أوأخا أوزوجا، أن يتعامل مع قضية التنشئة بالتدريج، الأنها بطبيعة حالها، تخضع للمتغيرات بشكل عام، ولا ينبغي لها بأي حال من الأحوال، أن تقتصر على طبقة اجتماعية معينة دون غيرها، كما تفعل المجتمعات المتمدنة التي يخافها دعاتنا الذين يخشون على شرف نسائهم منها، والتي حلقت بالمرأة في آفاق الكون، وهذبت سلوكها وشذبت عواطفها وطوعتها وتعاملت معها بإنسانية وحضارية، بعيدة عن غرائزهم الجنسية التي تحصر التفكير في المثلث الصغير الموجود بين فخدي المرأة والذي يضيق معه عالم الرجال ببعض المجتمعات، كما سبق ذكره، فلا يترك لهم فسحة أبعد مما بين فخذ المرأة.

الذي يجعل تلك المجتمعات بينها وبين الحضارة والتمدن ما بين السماء والأرض

ـ لا يؤمن بها إلا الرجال الذين بينهما،.

............................................
ـــ في هذا السياق، لا أحد ينكر أن المرأة العربية، قد حققت إنجازات ومكاسب كثيرة في العديد من المجالات. إن المرأة العربية قد أخذت تنطلق إلى آفاق لم تكن تتسنى لها في السابق. ـــ


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى