السبت ٧ نيسان (أبريل) ٢٠١٢
بقلم خضر أبو جحجوح

بلا معذرة.. لم أعد أثق فيك، ولا أحترمك!

كنت لا أزال في بداية مرحلة الشباب، متحمسا متوقدا، مندفعا حتّى التهور، أثق في أشخاص أشعر أنهم يشاطرونني ميولي الفكرية، وأشاطرهم اتجاهاتهم، وأفكارهم، حتى أني كنت مستعدا لمجادلة كل من تسوّل له نفسه أنْ يقلل من شأن أحدهم أمامي، وإن اقتضى الأمر المصادمة، في بعض الأحيان، وإرهاق النفس بإثبات الأدلة، والبراهين، وتسخير طاقتي لساعات طويلة، ويا طالما سهرت، ووصلت النهار بالليل لإقناع الخصم، في الشارع، وفي بيوت التعزية، وفي لقاءات ولائم العرس، وفي السيارة، وفي الجامعة، وفي أي مكان أجد فيه متسعا وموجبا لتلك المناقشات، فحماستي لما أحمل من أفكار، وقوة تمسكي بها، دفعني إلى الاعتقاد اليقيني بأن كل من يحمل هذا الفكر، صادق مثل صدقي في حمل الفكرة عفيف القلب، نظيف اليد، يتزيا بالإيثار شعارا، وبالإخلاص دثارا، مترفعا عن الأثرة، وحب التسلق والانتفاع وتكريس الفكرة لخدمة الذات، وحبّ الدنيا، حتى خسرت الكثير من الأقران وأصدقاء الطفولة والصبا والشباب، لأنهم صنفوني ضمن تيار مناهض في فترة من أوقات الشدة التي مرت بها فلسطين. وهم لا يعرفون كم أحبهم؛ ولكن اندفاعي لفكرتي كان يوجب علي أن أناقشهم وأبين لهم. ما أقتنع بانه صواب.
وفي ثمانينيات القرن الماضي، كنت شابا فتيا، أدافع عنك، يا كبيرا تهاوى، وشرخ وجه النقاء، وكسر قلب الصفاء، وغرس في فؤادي خنجرا مسموما، وأدمى في قلبي جرحا لا يلتئم، على مرِّ الزمان.

إي وربي كنت أدافع عنك، وعن أمثالك، بكل ما أوتيت من قوة، لا لشيء إلا لقناعتي ويقيني، بأنك وأمثالك صادقون، أنقياء، أيها الكبير، الصغير، منصبا ومقاما، يا من كنت كبيرا، بوهمٍ حملته في قلبي، لنقائك وتساميك، عن خشاش الدنيا.

لم تربطني بك علاقة شخصية، ولا مصلحة دنيوية، في شبابي وكهولتي، كل ما كان بيننا منذ صباي حتى كهولتي، مصافحة وسلام، في أوقاتٍ متفاوتة، ومع ذلك يوم كان أحد المقربين منّي، - وهو شخص عزيز علي، وأقرب نسبا منك- فلا نسب بيني وبينك، سوى الفكرة، وأنعم بها من فكرة، نعم يوم كان يحاول الانتقاص من شخصك، ويذكر لي معلومات تدينك كنت أناقشه، وأحنق عليه، وأشكك في صحة كلامه، لم أكن أحتمل للحظة واحدة ان أسمع قدحا فيك، ولا في أمثالك، لا في بيوت الأصدقاء، ولا زملاء الدراسة في الحرم الجامعي- تخيل كم كنت ساذجا ومثاليا- وبقيت ساذجا حتى في كهولتي، ذات يوم ثرت في وجه أحد الكتاب، في اجتماع بمقر اتحاد الكتاب، وكنت قاسيا معه، لا لشيء إلا لأنه قدح فيك وفي أمثالك، وأنتم في قلبي على الصورة التي قلتها وتوهمتها، فوق الشبهات، والانتقاصات، وفوق متاع الدنيا الزائل، هكذا كان ظني، وكذلك كانت ثقتي مطلقة، تخيل كم كنت سطحيا في عمق أفكاري، عميقا في سطحية تفكيري، جامحا خيالي، حتى أني كنت أتشاجر مع نفسي، يوم بدأت الشكوك تتسرب إليها، وأجاهدها حتى تنصرف عن جنون تجريمك، ورفاقك، كنت ألجمها وأثور عليها، وكم تعذبت نفسي بين الشك واليقين، بل كم عذبتها أنا بكم، وشعاري الذي بات سوطا يلهب ظهرها الثقة يا نفسي، الثقة فإن بعض الظن إثم، حتى حين علمت أنك وراء بعض مصائبي، وأن بعض رفاقك ممن هم على شاكلتك، من عشاق أنفسهم، كانوا وراء العديد من المكائد التي حاكوها هم وشياطينهم.

كم كنت حاقدا عليّ أيها الصغير، وأنا أدافع عنك، يا من امتلأت نفسك بحقدٍ على كل متميز، تتخيل أنه أكثر منك قدرة على البذل والعطاء، حتى بات قتله، قتلا ماديا أو معنويا، أهونَ عليك من أن تجده مشارا إليه بالبنان، متفوقا عليك في بيانه وحسن خلقه، وأدبه، ونتاجه، حتى بات مجرد التفكير في طباعة كتاب له أمر يدعوك لطمسه بكل ما أوتيت من سوء نية، يوم كان بعضهم ممن خانوا الأمانة يحثون المال في جيوبك حثيا، دون محاسبة، يا صاحب بسطةٍ في المال، مع ضمور في التصور، بل وقد توجب عليك قتله، فإن القتل عندك فيه فتوى، وسياسة.
وأخيرا اكتشفت أنك لم تكن تستحق لحظة من دفاع، أو لمحة من دفع شبهة، فأنت شعار يناقض اسمه مسماه، متمسك بالدنيا تمسك أبرهة الأشرم بهدم الكعبة، وتحويل الناس عنها، مخادع، تعشق نفسك التي أبت إلا أن تظل صغيرة، رغم مناصبها، تفتش عن صغائر الأمور وتفاهاتها، ولا تترفع عن الحقد والحسد، مثلك مثل طفل بات محروما من لعبة طفولته، حتى بات الحقد غذاء روحه، ومتعة نفسه ما دام حيا.

إنك سقطت، وانشرخت صورتك، فكانت شظايا لا تلتئم، كالزجاجة حين تتناثر، إنك لا تستحق احتراما، ولا تقتضي دفاعا.

فبلا معذرة لم أعد أثق فيك! ولا أحترمك! وشهودي على ما أقول نصال خناجرك التي باتت مغروسة في خاصرتي وقلبي، وحبك الدنيا وإقصاؤك للمتألقين وما أنت بينهم بقلامة.
والسلام على من اتبع الهدى.

الساعة الواحدة والنصف فجر الأول من نيسان 2012م


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى