الخميس ١٢ نيسان (أبريل) ٢٠١٢
خرافة
بقلم مصطفى أدمين

نصيحة إلى قنفذ

« بومْحانْدْ» قنفذ فضولي جدا. سعادته الكبرى، التعرف على الأخبار الطرية ونشرها بسرعة. ولا يتورّع أن يزيد فيها أو ينقص منها حسب هواه. هذه هوايته المفضّلة. «وبومحاند» يحب اختلاق الأكاذيب والشائعات أيضا. والغريب أن كَذِبَه يلاقي نجاحا كبيرا. فتتهافتُ الحيوانات على بيته في كلّ صباح لسماع اختلاقاته. ومن نافذة بيته، يخرج خطمه الدقيق المشحوذ كرأس دبوس، ولسانه المفتري، ليغرق مُحبّي الأخبار الكاذبة بأكاذيبه. فيرتعد شاربه المخاتل علامة على سوء نواياه؛ ومع ذلك، تنصتُ له الحيوانات باهتمام وجِدّية كما لو كان يحكي الحقائق.

ذات يوم، سمع «بومحاند» بقدوم ذئب شرس لأجل أن ينتقم من أحدهم، فقال في نفسه: «ستكون قصّة الانتقام هذه رائعة.» فسارع إلى ارتداء جلده الشائك. وخرج لتصيّد الخبر تحت سماء مثقلة بالغيوم. وعاود التحدث إلى نفسه قائلا لها :"المهم أن ألتقي بالذئب الراغب في الانتقام، وحتى إذا ما لم يحك لي قصته، فإني سأختلق له واحدة مثيرة. المهم هو أن ألقاه."

بلغ مفترق الطرق، واختبأ وراء جذع شجرة، وراح يراقب وفي فمه ثمرة "بلوط" يلوكها. فجأة، ظهر له ثعلبٌ، فبادره بالقول:"لا شكّ أنّ الذئب القادم إلينا ينوي الانتقام من شخصٍ كان قد دبّر له مصيدة. ولو كان ذكيا، لطلب النصح من حيوانات ذكية مثلي، ولما وقع في فخ الأشرار". فردّ الثعلب:" ويحك يا شقي! ألا تعلم بأنْ لا أحد يضاهي الذئاب في المكر والمخادعة؟" وفي طرفة عين كان الذئب هنا؛ قويا رهيبا. فهرب الثعلب، وبقي "بومحاند" في مكانه؛ متجمِّداً من الرعب.

قال الذئب:
ــ عمت مساءً يا "بومحاند". فبلع القنفذ ريقه وقال:
ــ هل تعرفني أيها السيد؟
ــ ومن لا يعرف سيد النصيحة والأخبار؟
ــ هل تعنيني أيها الذئب المحترم؟
ــ ومن غيرك قادر على اختلاق الأخبار ونقلها؟
ــ ... طيب! أنا أحبّك وأريد أن أعرف قصتك.
ــ سأحكي لك قصتي لا منقوصة ، ولا مزيدة.
ــ احك! أنا كلي آذان.

ــ في البلد المجاور لبلدِكُم، قدم إنسان، وشيَّدَ له بيتا، وزريبة لدواجنه، وكانت هذه مصدر طعامي وطعام أطفالي. وكنتُ أناور الكلاب، وأتملّص من الفخاخ التي ينصبها لي ذلك الإنسان. فما وجد حيلة لاصطيادي؛ وذات يوم التقى حيوانا مشهورا بالثرثرة، والافتراء، والدسيسة، فقال له ذاك الحيوان:" اجعل كلابك تنبح في مكان بعيد! وانصب بالقرب من بيتِك فخاخاً بادية، وأخرى غير بادية!" وهذا ما فعله الإنسان؛ و كنتُ أهزأ بالشراك البادية حتى تصيّدني واحدٌ منها خفي...

بلع "بومحاند" ريقه. وندَّت عن جبينه حبات عرق بارد. واضطربت دقات قلبه، وقال:
ــ وبعد؟ ماذا جرى لك؟
ــ ما جرى هو أنني فقدتُ ذيلي في المصيدة. فقال "بومحاند":
ــ والله إني آسف لما حصل لك. ولكن؛ من تراه ذلك الحيوان اللعين الذي تسبب في بتر ذيلِك؟ فقال الذئب:
ــ إنه حيوان كثير الشوك والأذى، ولسانه أطول من جسمه، ولا يتورع أن يحشر خطمه الصغير الأحمر في كل الأمور. فارتعد شارب "بومحاند" وقال:
ــ تذكرتُ شيئا مهما عليَّ قضاؤه. وداعا إذن.
ــ ليس قبل أن أقول لك ما اسم هذا الحيوان اللعين.
ولم يردَّ؛ بل تكوّر على نفسِه، لكنّ هذه الحيلة، لم تنطلِ على الذئب؛ إذ دحرجه إلى بركة ماء، وأغرقه إلى أن خرج من شوكِه عارياً مثل فأر مجلوف...

لم يشأ الذئبُ أن يقتلَ القنفذ الثرثار. كفاهُ أنْ رآهُ مرتعِداً في عُرْيِه، ومكسُواً بالعار.
قال الذئب:
ـ هل تقبل منّي نصيحةً فلا أقتُلُك؟
فحرّك "بومْحانْد" رأسَه موافقاً.
ـ نصيحتي إليك ألاّ تنصح إنساناً بعد اليوم.
وركض السِّيدُ إلى بعيد، بينما شرعت تمطر، والقنفذُ ممسِكٌ بردائه الشوكي؛ سعيداً بنجاتِه... بولادتِه الجديدة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى