السبت ٢١ نيسان (أبريل) ٢٠١٢
«حين يهب نسيمها»

مقدمة وطن منهم إلينا إليكم

محمد المطاع

تحاول هذه القراءة تقديم صورة مبسطة عن طبيعة تشكل النص الشعري لذات الشاعر الذي يترجم نظماً تشكل الوعي المتوسط بين الذات والعالم بما يفرض على أحرفي هذه أن تختار هي الأخرى كيفية التوسط بين ذات اللغة وعالمها من خلال القراءة للنصوص ومحاولة التوحد معها والألفة بها كمرحلة تحقق طبيعة التقسيم الهيكلي لبنية العمل الأدبي وفك تشفيرها – ما أمكنت القدرة- بما يعين على ربطها بالمعنى المركزي لمدلول العنوان.

وقد اختارت هذه القراءة الوقوف عند جزئية من فنيات الشاعر المتعددة لها علاقة بمدلول العنوان الرئيسي للديوان والعناوين الفرعية لنصوص الديوان من جهة وأسلوبية التقسيم لهيكلية العمل الأدبي التي تتحد مع رؤية مدلول العنوان ليكون العمل الأدبي معبرا عن رؤية شعرية.
وقبل أن نلج في القراءة سوف نشير إلى شيء من الوصف للديوان إذ يأتي إصدار هذا الديوان بعد خمسة دواوين أخرى للشاعر الدكتور إبراهيم أبو طالب، وفي طبعته الأولى المؤرخة في يناير 2012م كتسجيل لوقائع ما بعد هبوب النسيم على وطن الشاعر/اليمن ليعانق هذا النسيم مشاعره التي تشكلت في وجدانه لتعانق كل ما تقع عليه في أعين المتلقي الذي يتلقاه بنفس الهموم الحزينة من جهة وعلى أعين متلقٍ آخر خارجي يقرأ الوقائع في صفحة التأملات الأوسع (الفيسبوك).

وهو في إصداره يأتي بعد عزف على النغم الحميني في ديوانه الذي سبق إصدار هذا الديوان (أنغام الوجدان) والصادر عن مركز عبادي 2010م ليمثل تحول الذات الشاعرة في المضمون والرؤية المتراسل مع تحول ما يمر به وطن الشاعر خلال فترة الأشهر التي سبقت الإصدار، والديوان المرسوم بـ (حين يهبُّ نسيمها) يتكون من تسعة وستين نصا شعريا توزعت على نصوص مصاحبة تمثل رؤية تشدّك إلى معانيها المرتبطة بمدلول العنوان الرئيسي.
العنوان يتكون من الجملة (حين + يهبّ نسيمها) والتي تحيل إلى مدلول (الغياب) الذي يسكن ثنايا مدلولات النصوص المصاحبة من جهةٍ ومدلولات النصوص الشعرية من جهة أخرى، ويحيل إلى الرؤية المفتوحة على حدود (الزمكان) في كل ما يهب عليه النسيم.

وهو من زاوية لغوية يحيل إلى مدلولات أخرى تترابط فيما بينها، فالكلمة (حين) تحيل إلى الزمن غير المحدد لفظاً والمقصود في غياب منتج الزمن بالنسبة للذات الشاعرة لكن هذه المفردة تتحد مع مدلول الفعل المضارع (يهبُّ) الذي يتجاوز دلالة الاستمرار كما يقول النحاة إلى دلالة الانفتاح الزمني الموسع المتجاوز والمتحد مع ما يحيل إليه مدلول الفاعل (نسيمها) المغرق في الغياب ليصبح مدلول ما يحيل إليه العنوان مرتبطا بجواب توزع على مدلولات النص، وارتبط بتأويل المتلقي الذي تنتابه الدهشة عند القراءة لغياب المضاف إليه في (نسيمها) والذي لا يعود على جنس محدد، وغياب نتيجة ما يحدث بعد هبوب النسيم بما يجعل من العنوان هو العتبة التي تترك أثرها على المتلقي في البحث عن المعرفة للمقصود من العنوان، والمقصود من سيميائية الصورة التي تحيل إلى مجموعة من التساؤلات التي تحيل إلى قراءة وعي المبدع من خلال التوسط بين الذات الشاعرة والعالم الذي تسكنه ليكون العنوان محيلا إلى وظيفة العمل الأدبي التي تشكل لتقول: (مقدمة وطن منهم إلينا إليكم)، ويكون نسيم الثورة الغائب هو إشارة للأفق الجديد.

وقد توزعت هذه النصوص على هيكلية العمل الأدبي بأسلوبية متفردة إذ جاءت على ثلاثة عناوين هي:

المقدمة: والتي يتلوها نص شعري واحد بعنوان (وطني).

إلينا: والذي يتلوه ثلاثة وستون نصا تتضمن تأملات الذات في مدلولات عناوين هذه النصوص التي تنتمي بنفس الرؤية لمدلول (إلينا) أمثال: (ثورتنا- الزحف- ما النظام؟1 ...).

و إليكم: الذي يتضمن نصاً شعريا واحدا كالمقدمة وقد جاء بعنوان له مدلوله المرتبط بشكل أوضح عن غيره من العناوين بمدلول العنوان الرئيسي كما ستوضح القراءة.

كون هذا التقسيم لم يأت اعتباطاً فهو صورة الوعي الشعري لذاته التي تقدم صورة وموقفاً مرتبطاً بطبيعة التجربة الشعرية التي ينقلها إلى فئة التغيير (إليكم) التي تحمل معاني ما بعد هبوب النسيم على جيل يبتعد عن قيم مرفوضة يجب على هذه الفئة إدراك حقيقة هذا النسيم الذي يدعو إلى فهم ما يجري فهماً يبتعد عن القبلية والعنصرية ويحقق التحرر عن أفكار من يريد لهذا النسيم البقاء والاستمرار:

" إذا ما حانت الثوره
وهبَّ الشعب للنُّصْره
رأيتَ الناس أصنافاً
وكلٌّ بالغٌ أمره
فريقٌ ينصرُ الوالي
ويتبعهُ وقد ضرّه
وآخر في معارضةٍ
قضى في عمرها عمره
فلو كان به خيرٌ
لجاء الخير من فتره
وثالثُ: صامتٌ دوماً
تعوّدَ قهرُهُ قهره
وأما الرابعُ الأنقى
فقد أهدى لنا سرّه
فذلك أشرفُ الناس
وأعظم من أتى دهره
فكفُّوا عنه أيديكم
دعوهُ يُحققِ الثوره
دعوه يحقق الـ ثـ و ره
دعوه يحقق ال ث و ر ه .." (ص 126).

وكذلك ما جاء في قصيدة (أربعة أرباع)، ص 57.

القسم الثاني من الديوان (إلينا) هنا جاء العنوان محيلاً إلى المخاطَب (بفتح الطاء)، والمخاطِب ( بكسرها) كما يشير إلى ذلك الجار والمجرور الذي يتضمن ذات الجماعة وذات المتحدث باسم الجماعة من جهة والمُتَحَدَّث إليها من جهة أخرى.

المتصفح لقصائد هذا القسم يقف في موقع المتأمل في أحداث ما يجري، والباحث عن نقطة أمل أو طرف فئوي يحمل فكرة تخرجه إلى النور الذي ظل مسافراً حتى تاريخ 19 أكتوبر 2011م والذي نظم فيه الشاعر قصيدة (اليمن) التي توقف فيها الكلام كإدراك للحقيقة مصورا فيها نتائج الفهم الذي جاء مقرونا بتساؤله عن فهم معنى اليمن بالنسبة لفئة (إلينا):

" تفشى الخلافُ
وطال الزمن
وفي طوله
كلّ شيءٍ توضَّحَ رغم الجراح
برغم ازدياد الثمن
فكلّ القَنَاعَاتِ قد وُضِّحتْ
وكلُّ القِناعَاتِ قد أُسقطتْ
وفاحَ من المدعين العفن...
إلى أن وصل بقوله:
"سيمضي الجميعُ
لتبقى اليمن
فهلْ فَهِمَ الكلُّ
معنى اليمن" (ص 128).

ولك أن تقرأ في عناوين هذا القسم التي تمثل رؤية الشاعر وموقفه من الحياة، وما تعجّ به ثورة الشباب من غياب للوعي الذي يؤخر من نجاحها أمثال عنوان: (أشرف الناس- أربعة أرباع- أزمة- القبيلة- الزحف – مقلب- تذمر...الخ).
وفيها أيضاً إشارة إلى المواقع التي تحتلها ذات الشاعر بالتزامن مع أحداث الثورة ومواقفها، فمن موقع المتأمل لمعاني الثورة:

" ثورتنا
مدنية، شبابية، سلمية
يقظة روح شعبية..."

إلى موقع الموقف والمشاركة في الدخول إلى الحدث وإنتاجية تصحيح مسار الثورة في قصيدة (موقف) المؤرخة السبت 19 مارس 2011م:

"أيها العقلاء
يا كلّ الشرفاء
منذُ اليوم
لا توجد منطقةٌ وسطى
ما بين الحق وبين الباطل
إما أن تختاروا الشعبَ
وإما أن تختاروا الزائل...الخ" (ص48)

وفي قصيدة أخرى تقف الذات في موقع التساؤل؛ (من يحمي من؟!):

"الضالعون في الفساد
غادروا المواقع القديمة
تحت غطاء أنهم
أتوا لنصرة الشباب
وابتسموا؛
وأعلنوا بأنهم
جاؤوا ليحموا ثورة الشباب
نادمين؛
تائبين؛
باحثين
عن فرصة جديدة
في دولة شباب." (ص 56).
وقصيدة (تمزق) ص 60، 61 من الديوان.

وهي في هذا الموقع تصور معايشة الحدث، والتألم المقرون بما تحمله المفردات من التحسر على فئة التغيير التي تتجاذبها الفئات الحزبية من جهة، وغياب الفهم لحقائق ما يجري بالنسبة للذات والمخاطب من جهة أخرى.

وكلما امتد هبوب النسيم لغة يدرك المتلقي مقصدية هذا الامتداد اللغوي الذي يصدر عن ذات الوعي والإدراك:

(مل الكلام من الكلام شهورا) من جهة والبحث عن الذوات المماثلة لها في التصنيف من جهة أخرى وصولاً إلى تراسل طبيعة التشكيل النصي في النهاية؛ العنوان (إلينا) والمنتهي ببقاء الوطن الذي يهب عليه النسيم ليعانق الأثر الرجعي الذي أحدثه هذا النسيم فهو يقول:

"تفشّى الخلافُ
وطال الزمن
وفي طوله
كل شيء توضح رغم الجراح
برغم ازدياد الثمن
فكلّ القَنَاعات قد وُضّحتْ
وكل القِنَاعات قد أسقطتْ
وفاح من المدعين العفن ..." ص127

عتبة النص الأخيرة(إليكم):

ما أن يصل القارئ إلى عتبة النص الأخيرة الموسومة بـ(إليكم) حتى يفاجئ بتغير الموقف من الرصد والتأمل إلى استدعاء سبب الثورة (إلى بوعزيزي)...و(شباب ثورة 25يناير) إلى انطلاقة الثورة في وطن الشاعر والتحول في المواقع التي يروي منها الحدث(التأمل المشارك في الأحداث)

أفق جديد
..............
.........
.....
...
.
الزمان ؟
المكان؟

وفي هذا النوع من التشكيل يعبر عن الرفض للبقاء على وضع ما قبل الثورة زمانا ومكانا، ويعبر عن الحالة الشعورية الحالمة بأفق جديد متجاوز الانجراف والتبعية وفهم الحقيقة منها يجعل من حدوث الثورة سبباً في تغير الشعوب، ومحافظا على كل ما يهب عليه النسيم.

محمد المطاع

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى