الاثنين ٢٣ نيسان (أبريل) ٢٠١٢
مصافحة..
بقلم بلقاسم بن عبد الله

بن عمرو الزرهوني و تنمية تراثنا الشعري

..وهل نال أدبنا الشعبي الثري ما يستحقه من اهتمام ودراسة من طرف الباحثين والمختصين؟.. تساؤل مثير للجدل، واجهني هذه الأيام وأنا بصدد مصافحة كتابات مثقف وطني خصص خلاصة جهوده المثمرة لعينة من شعرنا الشعبي العتيق والعريق، ويتعلق الأمر بالأستاذ الفاضل: محمد بن عمرو الزرهوني وزير سابق للاتصال، ومستشار حاليا بديوان فخامة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة.

قد يكون من الصعب تقديم نبذة مختصرة عن كاتبنا الزرهوني، لقلة وندرة المعلومات والكتابات عن حياته وأعماله، ومع ذلك لا بد من كلمة تعريفية موجزة.

هو من مواليد 30 جوان 1948 بمدينة ندرومة التي أنجبت مجموعة من أعلام وفطاحل تعتز بهم جزائرنا العزيزة في دنيا الأدب والفكر والفقه والعلم، درس على يد معلمه الأول الشيخ محمد البوعناني رحمه الله مبادئ اللغة العربية، قبل أن يواصل دراسته الثانوية ثم الجامعية بعد ذلك ليتخرج من المدرسة العليا للترجمة بالجزائر العاصمة على رأس دفعة 1971 ثم تدرج في الممارسة المهنية إلى أن دخل في عداد النخبة المرموقة المشهود لها بدفع عجلة الترجمة عموما، وتعميم استعمال اللغة العربية في دواليب الدولة الجزائرية خصوصا. وبفضل جده وإخلاصه ارتقى مراتب سلم المسؤولية إلى أن عين وزيرا للاتصال من أفريل 1994 إلى مارس 1995 وبعد ذلك وإلى حد الآن ما زال يتبوأ منذ شهر جانفي 1999 المكانة المتميزة من بين أقرب مستشاري الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.

ولشدة ولوعه بكل ما يمت بصلة إلى تراثنا الثقافي الجزائري الأصيل آل على نفسه قضاء جل أوقات فراغه في العمل المتواصل من أجل المشاركة في جمع الشعر الملحون ونشره، وقد سبق له أن قام بجمع ديوان الشيخ قدور بن عاشور الزرهوني وتحقيقه سنة 1996 ثم وضع يده في يد الأستاذ محمد الحبيب حشلاف رحمه الله فأثمر تعاونهما بإصدار ديوان: من وحي الألم، ثم ديوان الشيخ بومدين بن سهلة، ثم ديوان الشيخ عبد القادر الخالدي، وآخر ما صدر له: كناش سي إدريس بن رحال، كما ظهرت له سنة 2011 المقترنة بفعاليات تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية الطبعة الثانية من الديوان المذكور المخصص لشعر الشيخ قدور بن عاشور الزرهوني، وقد كتب مقدمتها التصديرية فخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة حيث ركز على مضاعفة الجهود بتراثنا الأدبي الأصيل ولا سيما رصيد الأمازيغية والعربية العامية الذي ظل مهملا ومسكوتا عنه عهودا طال أمدها، فهو رصيد تراثي رفيع القيمة ما يزال مغمورا ينتظر إخراجه من حيث هو ونشره وتوظيفه في تفعيل قدراتنا الثقافية.

ويعود بي شريط الذكريات إلى لحظة تدشين المقر الجديد لإذاعة تلمسان الجهوية في 7 أكتوبر 1994 من طرف وزير الاتصال وقتئذ الأستاذ محمد بن عمرو الزرهوني حيث نوه بالدور الإعلامي والثقافي الذي تلعبه الإذاعة في خدمة الصالح العام. وفي المساء أشرف الوزير على حفل فني كبير أقيم بدار الثقافة عبد القادر علولة قام بتنشيطه كل من عيسى بن هاشم وفاطمة بكارة، سلمت أثناءه الجوائز لمستحقيها من الفائزات والفائزين في المسابقات الإذاعية، كما تم تكريم مجموعة من الفنانين الجزائريين من بينهم: معطي بشير، بلاوي الهواري، الجيلالي عين تادلس، محمد غافور، بوبكر بن زرقة، عبد المولى العباسي، و غيرهم... وقتئذ أتيحت لي رفقة مدير الإذاعة السيد عبد الحفيظ عاصيمي فرصة تسليم نسخة موقعة من كتابي: مفدي زكريا شاعر مجد ثورة، إلى معالي الوزير قبل أن يتشعب بنا الحديث حول عدد من الأسماء الأدبية البارزة التي تنير المشهد الثقافي الجزائري.

وأعود اليوم لأتصفح وأطالع مؤلفه الهام الذي جمع فيه وحقق ديوان الشيخ قدور بن عشور الزرهوني من خلال كتاب ضخم يمتد عبر 828 صفحة في طبعته الأولى التي ظهرت عام1996،و626 صفحة من الحجم الكبير في طبعته الثانية الصادرة سنة 2011. ويجسد هذا الكتاب إضافة نوعية ضمن أبرز إسهامات الأستاذ محمد بن عمرو الزرهوني في مجال جمع تراثنا الشعري الشعبي.

ويعتبر الشيخ قدور بن عشور الزرهوني من بين رواد الشعر الملحون في العصر الجزائري الحديث، فقد ولد سنة 1850 في مدينة ندرومة، واستقر بمدينة تلمسان من 1926 إلى 1930 قبل أن يعود إلى مسقط رأسه وموطن أسلافه حيث توفي رحمه الله يوم الإثنين 6 جوان 1938.

ولعل هذا الشاعر أقل أمثاله الذين برزوا في تعاطي الشعر الملحون في الجزائر ووصلت إلينا آثارهم، كما ورد في مقدمة الكتاب، رغم أنه من الذين نبغوا في الجزائر في غضون القرنين التاسع عشر والعشرين، وبلغوا فيه منزلة القدامى الفحول، رغم تداول العديد من المطربين المتعاطين للون الشعبي عندنا على أداء الكثير من قصائده التي نجت بفضل ذلك من الضياع.
ويركز الأديب الباحث بن عمرو الزرهوني جهوده الثقافية على جمع وتحقيق تراثنا الشعري الثري، ويتجلى ذالك في الـحوار الهام الأخير الذي أجراه معه الأستاذ رابح بوكريش، ونشر كاملا في شهر نوفمبر المنصرم بكل من جريدة المستقبل وبموقع أصوات الشمال. حيث يجيب عن سؤال بهذا الشأن قائلا:

لا بد للجهات الـمعنية أن تبعث حركة وطنية مخططة لـجمع التراث الأدبي الوطني وتدوينه بإقامة جوائز و رصد حوافز مالية لتحريك همم القادريـن على الاضطلاع بالـجمع الـمنشود تـحت رعاية وزارة الثقافة والبلديات ودور الثقافة والـجامعات وغيرها من الـمؤسسات الكفيلة برعاية العملية. أعتقد أننا لو صممنا جماعيا على إنـجاز الـجمع هذا لا محالة أننا نفرغ منه في مدة لا تزيد عن الـخمس سنوات، ذلك لتوفر القدرات و الإمكانيات في سائر أنحاء الوطن.

كما يولي حاليا أهمية بالغة لمسألة استعادة مدفع بابا مرزوڤ، وقد كتب الأستاذ الزرهوني مؤخرا مقالة مطولة حول ضرورة استرجاع هذا الرمز التاريخي الثمين، خاصة مع اقتراب موعد احتفالنا بالذكرى الخمسين لعيد الاستقلال. حيث يقول حرفيا:

‬.. بابا مرزوڤ‮ ‬،‮ ‬الـمدفع الـمرْعِد،‮ ‬رمز الـجزائر في‮ ‬جهادها العهيد و كفاحها الـمرير‬،‮ ‬و ذودها الـمديد عن حمى الإسلام و حياضه،‮ ‬في‮ ‬وقت خارت فيه قوى أهله في‮ ‬الـمشرق والـمغرب وذهبت ريحهم‬،‮ ‬وكاد كيانهم أن‮ ‬يتقوض،‮ ‬لولا لطف الله،‮ ‬و بَقِيَّةٍ‮ ‬من عزم،‮ ‬استمسك بها الوطنيون الـمخلصون،‮ ‬وادخروها إلى حيـن‮.

ذلك هو بابا مرزوڤ‭ ‬رمز مقاومة الشعب الـجزائري،‮ ‬وحسن بلائه،‮ ‬باعتراف الأعداء أنفسهم،‮ ‬و ذلك ما أوغر صدورهم عليه،‮ ‬فاستهدفوه من‮ ‬يوم أن تـمّ‮ ‬سبكه ونصبه في‮ ‬موقعه القتالي،‮ ‬إلى أن قضى الله فيه أمرا كان مفعولا‮.. صبرا بابا مرزوق‭ ‬صبرا‮ ‬،‮ ‬و لا تبتئس،‮ ‬فقريبا تعود إلى أرض الوطن،‮ ‬إلى مربضك الـمنيع‬،‮ ‬و مركزك الـمنيف،‮ ‬مثلـما عاد ابن الـجزائر العظيم،‮ ‬الأمير عبد القادر،‮ ‬عام‮ ‬1966‮. ‬و ستتبوأ الـمنـزلة الرفيعة التي‮ ‬أنت جدير بها بيـن الرموز التي‮ ‬ما فتئت تـجسد دلائل عزتنا و كرامتنا‮.

أمـا آن‮ ‬لهذا‮ ‬البطل‮ ‬أن‮ ‬يعود ؟!..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى