الجمعة ١١ أيار (مايو) ٢٠١٢
وخزة ضمير «19»
بقلم فراس حج محمد

إليك أيها المسؤول

قد لا يكون المرء مجبرا على الكتابة فيما يخص علاقته بالمسئول، سواء أكان هذا المسؤول مسؤولا مسؤولية عامة، كرئيس أو ملك أو من هو بمستواهما، أو من كان مسؤولا إداريا في دائرة أو مصنع أو ربَّ عمل مسؤولا عن مجموعة أشخاص، ولكن الظروف ومجرياتِها، وأوهام السيطرة وعنترياتها، قد تدفعك وبكل إصرار إلى أن تكتب شيئا عن هذه العلاقة التي لم تعد حميمة، ووصلت ربما إلى حالة من التربص، فأضحى العمل شاقا غير ممتع، وفقد العامل شهيته للكلام، فاقدا حيويته في العمل.

ولا شك في أن العلاقة بين المسؤول والموظف هي علاقة رسمية أولا تؤطرها حدود العمل ورسمياته ولكن لأننا بشر، ولسنا مخلوقاتٍ آليةً تعمل بالزفت المغلي، نحتاج إلى أكثر من ذلك، نحتاج إلى أن نجسد معنى الإنسانية بالتعامل اللطيف، والأمور ستسير إن انعدمت فيها هذه الناحية أو وجدت، ولكن سيرها إن حكمتها الناحية الإنسانية العملية تكن أجدى نفعا وأوقع أثرا.
فليس عيبا على المسؤول أن يلقي التحية على موظفيه، وليس إنقاصا من قدره أن يصافحهم، ويبتسم في وجوههم – وإن تَصَنُّعا-، وليس جريمةً أن يكون التعامل سلسا بين المسؤول وموظفيه، بل على العكس من ذلك، إن هذا الأمر يؤجج مشاعر الاحترام، ويشعرهم بالانتماء والإخلاص، ويدفع الجميع لتقديم أقصى ما يستطيعون، ويسارعون لتنفيذ كل ما يطلب منهم، وتتلاشى مقولات هذا ليس من اختصاصي، وهذا ليس من شأني، بل الكل يعمل للكل وكأنهم واحد. فربُّ العمل لا ينتج شيئا من دون ذاك العامل المغلوب على أمره، وحتى أن هذا المسؤول لن يصبح مسؤولا دون وجود من يترأس عليهم، أظن أن القضية بدهية لا تحتاج نقاشا.

وحتى لا نقطع آخر خيط يشدنا إلى نسمة سانحة من روح الجمال المرتجى في هذه الحياة التي نحياها مكرهين، لا بد أن يكون المسؤول متواضعا لا يغرف من بحر غرور موهوم، وعلام يغترّ، والله هو الرافع والخافض، فكما وصلت إليه المسؤولية، ستصل إلى غيره، فلا تدوم الأمور على حال، وأعتقد أن هذه الفكرة لا يختلف عليها عاقلان، فما الضرر الذي سيلحق بجلالة قدره إن نبهه الآخرون على أخطائه غير المحصاة عددا!!.

أخي المسؤول:

لا أظن أنك ستنزعج من هذه الأخوة، أم ترى نفسك فوق أخوة البشر، إنني وإياك في سفينة واحدة أنت قائدها، وأنا من يعينك على قيادتها بشكل صحيح، فانحرافها عن خط سيرها وتوغلها في عُباب المجهول، سنتحمل المسؤولية أنا وأنت، ولكن العنوان الأول لضياعها هو أنت، لأنك لم توفر لها أسباب الأمن والأمان والطمأنينة والسلام، فلنراجع حساباتنا كلها، ونفتح صفحة جديدة، أكون فيها أنا وأنت من يصنع النور لتستبين السبيل في ظل ظلم عم وطم، فلا أقل من أن نتواصل إنسانيا في بقعة مكان هي أضيق من صدر عاجز لجوج لا يتحمل نقدا.

أخي المسؤول:

أنا لا أنصح أحدا، ولا أحدٌ منكم هو بحاجة لنصيحتي، فما وصل الواحد منكم إلى مرتبته تلك التي يتبوأ مقعدها إلا وهو ذو سجل حافل من النضالات الوطنية والرتب العسكرية والمدنية والتنظيمية، جعلته يقفز بقدرة التوقيعات الشريفة فوق كل الأعراف والمؤهلات والقوانين والشفافيات، حتى وصل إلى كرسي دار به سبعا ثم سبعين قبل أن صدق أنه يجلس على ذلك المتحرك لولبيا.

لكل ذلك أيها المسؤول لا تحتاج لنصيحة من أحد، والكل يبغي أن ينال رضاك وأقصى غاية في مناه أن ترضى عنه، وتنوه به في كل اجتماع بمناسبة وغير مناسبة، وإن كان لا يستحق، واعلم أيها المسؤول الملهم أنه لن يلومك أحد إن همشت دورا لفلان أو نكدت على علان يومه أو عيشته بأجمعها، فما تجود به نعماك يكفينا ويرضينا، وبفتات عطف عطوفتك نحن في خير عميم، فقنعنا بأقل الممكن – وإن كان سرابا خادعا وبرقا خلبا – وابتسمنا ابتسام المحظوظ إن نعمنا من حضرتكم بالنظرة العجلى.

أخي المسؤول:

وقبل أن أغادر تجليات هذا القلم الشقي، وهو يتلوى بتجسيد العظمة الملقاة على عاتق الأمل، وأنهي هذه الهمسة، والتي قد تذهب أدراج الرياح، أرجوك..... بكل عُرف عرفته، وبكل منكر ما أنكرته، وبكل ظلم شيدته، أرجوك ....أن تسمعني كما تحب أن أسمعك، فأنا ما زلت بشرا سميا

ووفقتنا الحروف لما فيه السداد. وانعم سيدي بوافر الامتنان


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى