الأربعاء ١٦ أيار (مايو) ٢٠١٢

المغامرات الصحفية وإزعاج السلطات

عادل عامر

من المعروف أن للصحافة دورا كبيرا وبارزا في نشر الفكر والوعي الثقافي الاجتماعي والسياسي، بالإضافة إلى تزويد القارئ بالمعلومات والأخبار المفيدة، وكل ما يطمح إليه من معرفة وثقافة، تفيده في تسيير أمور حياته اليومية، فضلا عما تلعبه الصحافة من أدوار مهمة في حياة الفرد والمجتمع، لكونها تسعى وتعمل على توصيل مختلف الشئون والقضايا والمشكلات، التي تكون مصدر قلق ومعاناة للمواطن، إلى المسئولين وأصحاب الشأن، في أية دولة كانت في هذا العالم. وقد تساهم الصحافة في إيجاد الحلول للكثير من هذه القضايا والمشكلات، أو قد تعمل على تحريك المياه الراكدة، وإثارة المواضيع العامة والملفات العالقة، لتحفز وتدفع أصحاب الشأن والقرار لأن يتحركوا لتبنيها والنظر فيها، وإيجاد الحلول المناسبة والعادلة لها، ولقد نجحت الصحافة في تغيير بعض الأوضاع السائدة، التي كانت تسبب قلق وإزعاج المواطن، وتحرمه من بعض حقوقه المشروعة، أو تعرقل حصوله على ما يسعى إليه من مطالب ومتطلبات حيوية ومهمة لتسيير أمور حياته اليومية .

وقد يكون للصحافة دور مهم وخطير في تغيير بعض الأنظمة والقوانين المعمول بها - والتي قد أكل الدهر عليها وشرب - وتحتاج إلى تغيير أو إعادة النظر فيها، لكونها لا تتماشى مع متطلبات وروح العصر، وتسعى الصحافة المخلصة جاهدة، لكشف الفساد والتلاعب والزيف والتزوير، الذي عادة ما يعشعش في أوساط المرافق الحيوية، والمؤسسات الخدمية العامة والمهمة ويستشري في مفاصلها وينخر في عظامها، من دون أن تجد من يحاول الإطلاع على ما يدور فيها، والبحث عن الأسباب والمسببات لما يشاع فيها من فساد مالي وإداري، لمحاربته ومعاقبة القائمين والمتسببين فيه، على رغم كثرة الانتقادات والشكاوي المتكررة من قبل عامة الناس. فلهذا تسمى الصحافة بالسلطة الرابعة، إذ تعد ضمن السلطات الثلاث التي تسيّر نظام الحكم في أي دولة كانت في العالم، وهي السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية، فاكتسبت الصحافة المهابة والرفعة والشرف، فمنحوها هذه التسمية – صاحبة الجلالة – لأن تأثيرها وما تطرحه وما تطالب به من اقتراحات وحلول لمشكلات وقضايا كثيرة، قد تكون أكثر فعالية وتأثيرا مما تقوم به تلك السلطات الثلاث مجتمعة. ولذا نجد أن بعض المتنفذين والمسئولين، يعتبرون الصحافة عدوهم اللدود الذي يتربصون به الدوائر، ليتصيّدوا على الصحافي أي هفوة أو كبوة أو انتقاد لهم أو لدوائرهم، ليجرجروه إلى أقبية النيابة العامة ودهاليز المحاكم ومتاهاتها، وذلك بتوجيه الاتهامات إليه ورفع القضايا الجنائية عليه، ليكون عرضة لسطوة وملاحقة القانون، وطائلة ومسائلة القضاء.

إن التطور العلمي أثر تأثيراً كبيراً على الحياة وكذلك الوضع الاجتماعي والاقتصادي له تأثير على الحياة الخاصة والاعتداء عليها حيث سهل لبعض المتطفلين ومن خلال الأجهزة الحديثة والكاميرات التي تستطيع التقاط الصور عن بعد وبدقة متناهية، أي يطلعون على خصوصيات الناس فأصبحت الحياة الخاصة مهددة بانتهاك حرمتها، وكذلك فإن لتقدم الطباعة ووسائل الإعلام الأخرى أثراً كبيرا في الاعتداء على الحياة الخاصة حيث أن بعض الصحف تلجأ لزيادة أرباحها من خلال نشر مواضيع الإثارة والفضائح المفتعلة والطعن والتجريح بالناس ولا ننسى ما للحالة المعايشة من تأثير على انتهاك حرمة الحياة الخاصة بسبب الكثافة السكانية العالية وتلاصق المساكن يبعضها أو على شكل طوابق وعدم وجود منازل منعزلة . وإن الصراعات السياسية والحزبية هي الأخرى لها تأثير على انتهاك حرمة الحياة الخاصة حيث أنها تعتمد على الصحف ومحطات التلفزيون والإنترنت في نشر كل ما من شأنه الطعن بالحزب المنافس وأعضاءه لأجل إسقاطه والفوز عليه من خلال إفشال برنامجه الانتخابي وحث المواطنين عبر وسائل الإعلام على عدم انتخابه. أما في مجال الاقتصاد فأن الأمر لا يختلف عن السياسة حيث أن الصراع بين الشركات الصناعية وشركات الأموال للتصدر أو لزيادة الأرباح والسيطرة على السوق لجعل الشركات الصغيرة في موضع صعب قد يصل إلى تصفيتها وإعلان إفلاسها من خلال الإشاعات المغرضة ضد منتجات هذه الشركة أو تلك أو قد يجعلها تعمل بخسارة وأيضاً لا تستطيع الاستمرار مع دعاية ورؤوس أموال الشركات الكبرى، وهذا يعني انتهاك حياة الشخص المعنوي لأنه يتأثر مثلما يتأثر الشخص الطبيعي.

ومن خلال ما تقدم نلاحظ ازدياد في دعاوى المسؤولية المدنية والتعويض عن الأضرار التي تسببها الاعتداءات على السمعة والشرف والاعتبار ينظرها القضاء المستعجل أحياناً وفي أحيان أخرى ينظرها القضاء العادي، ولأهمية ومن أهم القضايا التي تشغل بال المواطن وتفكيره، وتسيطر على جل اهتماماته وميوله، هو شغفه ورغبته الملحة في معرفة، ومتابعة ما يجري وما يدور من حوله من قضايا وحوادث، تمس أوضاع بلاده ومجتمعه وأمته، وما يحدث وما يستجد من أمور في كل أنحاء العالم، وهو يتابعها عبر مختلف الوسائل المتاحة لديه إذ أصبح عالمنا هذا مجرد قرية صغيرة، تتناقل فيه الحوادث والأخبار والوقائع، وكل ما يحدث فيها دقيقة بدقيقة، ولا يستطيع أحد أن يمنع من تداولها، أو نشرها أو سماعها والتفاعل معها، أو إيقافها من الانتشار السريع، بدرجة تفوق التصوّر والخيال، من خلال ما أحدثه التقدم العلمي والثورة المعلوماتية والتكنولوجية من إنجازات ووسائل اتصال باهرة.

فلم تعد صاحبة الجلالة الصحافة، أو السلطة الرابعة، كما يطلقون عليها، هي المصدر الوحيد لتلقي الأخبار والمعلومات الأخرى من خلالها، ولكنها مازالت تلعب دورا فاعلا في بث ونشر القضايا والشئون المختلفة، وخاصة تلك التي تمس حياة وشئون المواطن اليومية في داخل أي بلد كان، وفي ما يتعلق بمختلف المجالات الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية، وغيرها من أمور مختلفة تتناغم مع واقعه اليومي المعاش. وهنا أردنا أن ننوه بأن من أهم الأمور التي تتطلبها الصحافة الحرة والنزيهة هي توافر الشفافية المطلقة، وحرية التعبير عن الرأي والصدق في توصيل الكلمة، التي هي بدورها أمانة في عنق كل من يتعامل مع هذه الكلمة، وكذلك يجب عدم التعتيم أو طمس الحقائق وكتمها، وعدم التأويل والتهويل بهدف قلب الحقائق وتعويمها، وهي من أهم الشروط الواجب توافرها، لنشر صحافة تتمتع بمساحة كبيرة من الحرية، بعيدا عن تسلط سيف الرقيب والحسيب، لتكون هذه الصحافة هي التي تعكس الوجه الحضاري الناصع، لأي بلد كان في هذا العالم المترامي الأطراف. وإلا ستكون هذه الصحافة مجرد صحافة باهتة صفراء أو مأجورة وعميلة، وتكون مسخرة لخدمة كل من يدفع أكثر، ويصبح الصحافي مجرد ماسح جوخ، أو ماسح وملمع أحذية – أعزكم الله - وسيكون الطريق إلى صاحبة الجلالة محفوفة بالمخاطر والأشواك، وسيصبح الوصول إلى بلاط جلالتها ضرب من ضروب المخاطرة والمغامرة، وسينتهي دورها كسلطة رابعة، تقوم بدور فعال في تقويم الاعوجاج، والقضاء على الفساد بكل أشكاله وألوانه وأطيافه، وتمنع من تفشي الأوبئة والأمراض الاجتماعية الأخرى.

ولذا تسعى الدول المتقدمة إلى إعطاء الصحافة الاهتمام الأكبر وتسهيل مهماتها وتوفير كل ما تحتاجه الصحافة، من وسائل ومعدات وتكنولوجيا متقدمة، لتكون على أهبة الاستعداد في تنفيذ المهام والأعمال الموكلة لها، في توصيل ونقل الخبر، ورصد الحوادث والوقائع، وكل ما يدور في هذا العالم أول بأول، وكذلك يجب سن القوانين التي من شأنها إعطاء قدرا أكبر، من الحرية والشفافية لها. ورفع القيود والعقبات والعراقيل عنها، والتي تحد وتمنع الصحافة لأن تكون منبرا حرا، يعبر بحرية تامة عن تطلعات وآمال وطموحات الشعوب، ولتكون الصحافة هي المعبرة عن شئون وشجون المواطن، وعن مختلف الآراء ووجهات النظر وتبني الرأي والرأي الأخر، انطلاقا من حرية الرأي والتعبير، التي تكفلها الدساتير والقوانين والأعراف الدولية، للتتفاعل الأفكار وتتلاحق، وتصب في النهاية في مصب المصالح العامة، ومنفعة جماهير الشعب والأمة، وسمعة ونهضة ورفعة البلاد.

وعلى أصحاب الشأن والقرار أن يتقبلوا ما تطرحه الصحافة، من أفكار وآراء ووجهات نظر مختلفة، وما تتفضل به من نقد هادف وبناء للفت الانتباه - بروح رياضية - في سبيل حلحلة القضايا والمشكلات العالقة والطارئة، التي تهم المواطن بالدرجة الأولى، وهي بذلك تسعى لإشاعة مفهوم العدالة والمساواة في المجتمع، لرفع الظلم والغبن عن كاهل المواطن، وهي أمور تؤثر على المجتمع وتعرقل تقدمه وازدهاره، وتجعله عرضة للأخطار المحدقة به، والتي تهدده في عقر داره، وتكون حجر عثرة في طريق مسيرة التنمية والبناء وتقدم وازدهار البلاد.

عادل عامر

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى