الخميس ٣١ أيار (مايو) ٢٠١٢
بقلم مرفت محرم

أيتام وأعلام..

إنه أعظم إنسان عرفته البشرية، فكان رسولها خير البرية، الصادق الأمين، المبعوث رحمة للعالمين، ما أحسن حكمته ورويته، وحديثه وهدايته، وإشراقه ونصاعته....

فقد عمر الله بشكره البقاع، وأمتع بذكره الأسماع، ومدحه بأطيب الكلام، وأمر الأنام بالصلاة والسلام عليه، عليه أفضل وأزكى السلام....فذِكره تستلذ له المسامع، وتستعذبه القلوب والمدامع، فهو الروض الممطور، والدر المنثور...

لا يغضب لنفسه من الدنيا وما بها، ولا ينتصر لها، وهو على ما كان فيه، لا يؤيس راجيه ولا يخيب عافيه، فكان كلامه ألذ من العسل المصفى، وأصدق من الوعد الموفى، وقد وسع الناس ببساطته، وحسن خلقه وخلقته، فهو أجمل من نفيس الجواهر، وأطيب من زجل المزاهر، كان كالأب الحانى على أمته، الراعى للصغير والكبير كلٌ حسب حالته، فى مرضه أوصحته، فى رضاه أوشكايته...

وخص اليتامى برعايته، وخازن المساكين واهتم بهم، فربى صغيرهم ومون كبيرهم.... وهو القائم بين كلام الله وبين عباده، يُسمعهم إياه ويشرح لهم مابه، ينقاد به، ويقودهم إليه....

إنه صاحب الحوض المورود، واللواء المعقود، والمقام المحمود.... صاحب الغرة والتحجيل، المذكور فى التوراة والإنجيل، المؤيد لجبريل.... أزهد الناس فى حياته، وأشجع قائد فى جهاده، اختصه الله بكل خلق نبيل، وأدب جميل، فقد أدبه رب العالمين فأحسن تأدينه، فأصبح أزكى من العنبر، والمسك الأصفر، وأطيب من نغم القيان، والمزهر المرنان، فكثرت محاسنه، وعظمت مفاخره...

خلق عظيم لا يدانيه أحد فى كماله، وعظمته وصدقه، وأمانته وعفته وزهده...

تلك الحقيقة الجلية، قد اعترفت بها الإنسانية جمعاء، فهو المشرق الزاهر، المنير الباهر، جلى الصفاء والبهاء فما أحسن نقبته، وبريقه وطهارته، ونبل خلقه وخلقته، وذكاء عقله ورجاحته، ولين جانبه وثبات عزيمته...

إنه سيد الأيتام الذى آواه الله فجعله فى خير مكانة ومكان (سيد الخلق والأنام)، وعلم من أعلام الهداية، وشفيعهم فى النهاية، وهو أعظم من عرفتهم البشرية فى هذا الكون، واعترف بذلك المنصفون من غير المسلمين....

ومن هؤلاء: المستشرق الأمريكى وشنجتن إيرفنج:"كان محمد خاتم النبيين وأعظم الرسل الذين بعثهم الله تعالى ليدعو الناس إلى عبادة الله، فكان شمس الهداية والقمر من البداية "

ويقول البروفيسير يوشيودى كوزان مدير مرصد طوكيو "أعظم حدث فى حياتى هو أننى درست حياة رسول الله محمد دراسة وافية وأدركت ما فيها من عظمة وخلود"

أما وليام موير المؤرخ الانجليزى فيقول فى كتابه (حياة محمد): "قد امتاز محمد عليه السلام بوضوح كلامه ويسر دينه، وقد أتم من الأعمال ما يدهش العقول، ولم يعهد التاريخ مصلحاً أيقظ النفوس وأحيا الأخلاق ورفع شأن الفضيلة كما فعل نبى الإسلام محمد"

هذه مواقف فلاسفة ومستشرقين غربيين يقرون حق المصطفى النبى الخاتم الأمين، وفضله المتصل على البشرية إلى يوم الدين...

هذا النبى الكريم معجم نفسى نابض بالحياة، أوجدته حكمة الله، بعلم من علمه، وقوة من قوته، وفضل من لدنه، لتتخرج به الأمة من المدرسة المحمدية فتبدع إبداعا جديدا، يشهد به القاصى والدانى

ونحن حين نقرأ صفاته العالية، لا نقرأها كحلية جمالية، بل نراها منحة إلهية، مصنفة أبدع وأدق تصنيف، كما وردت فى قوله اللطيف (أدبنى ربى فأحسن تأديبى )

إنها طبيعة أخلاقية، مفردة ومحمية، تجرى وفق قوانينها الإلهية، التى منحه إياها رب البرية... الذى مدحه ونعت فضائله، وأظهر ولم يخفى مناقبه، وشيد ذكره، وأطنب فى وصفه، وأسهب فى مدحه.. فقال وعز من قائل (وإنك لعلى خلق عظيم) القلم 14

وقالت عائشة رضى الله عنها (كان خلقه القرآن) فهذه الكلمة الرزينة من السيدة العظيمة ترشدنا إلى أن أخلاقه ـ صلى الله عليه وسلم ـ هى اتباع القرآن، والاستقامة على ما أورده فيه رب الأنام من أوامر ونواهٍ بكل أمانة وإيمان
عن عطاء رضى الله عنه قال: قلت لعبد الله بن عمرو أخبرنى عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى التوراة، قال: أجل والله إنه لموصوف فى التوراة بصفته فى القرآن "يا أيها النبى إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وحرزًا للأميين أنت عبدى ورسولى سميتك المتوكل لا فظ ولا غليظ ولا صخاب فى الأسواق ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله ويفتح به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً" (رواه البخارى)

وقد تنزه النبى عن التعلق بالمال، فزاده التعفف كمالاً وجمال، فجعل الله الغنى فى قلبه أضعافاً مضاعفة، حتى أصبح الرحمة المهداة للقلوب العاشقة المتلهفة ؛ فأبت نفسه العظيمة الدنو من الدنيا وفتنتها، والانشغال بصغائرها وماديتها ؛ فقد قالت عائشة رضى الله عنها (لم يمتلىء جوف النبى شبعاً قط وأنه كان فى أهله لا يسألهم طعاما ولا اشتهاءاً إذا أطعموه أكل وما أطعموه قبل وما ساقوه شرب ) وقالت (ما شبع محمدا من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض رسول الله)

وعنها قالت (كنا آل محمد نمكث شهرا ما نستوقد نارا إن هو إلا التمر والماء )
و(ما رفع رسول الله قط غذاءً لعشاء ولا عشاءً لغذاء ولا اتخذ من شىء زوجين ولا قميصين ولا رداءين ولا إزارين ولا زوجين من النعال )

وقالت: (توفى رسول الله ودرعه مرهونة عند يهودى فى ثلاثين صاعاً من شعير).

وقد خطب رسول الله فقال: "والله ما أمسى فى آل محمد صاع من طعام، وإنها لتسعة أبيات والله ما قالها استقلالاً ولكن أراد أن تتأسى به أمته "
وكان يقول فى دعائه: "اللهم أحينى مسكيناً وأمتنى مسكيناً، واحشرنى فى زمرة المساكين"

هذا هو سيد الأمة ومستنهضها، معلمها ومرشدها، الذىأشرق صفاء نفسه على تراب الأرض فتجلت أشعة من نور تضىء درب العباد، الذين يظلمون أنفسهم بالابتعاد عن نهجه، ولا يفوز منهم إلا من عاد وتاب وأناب

لقد جاء الرسول الكريم ليثبت للدنيا أنه صاحب الخلق العظيم قولاً وفعلاً، معلماً وهادياً، مبشراً ونذيرا.... يعلم الناس قمع الشهوات، وترويض النزوات، والسمو بها بالاستجابة لتلك المتطلبات الحياتية، بعيداً عن الحيوانية... إن معنى خبز الشعير: هو رمز من رموز الحياة على التحلل والتخلص من هوى الترف، ورهن الدرع: رمز للقضاء على الكبرياء والطمع فى النفس البشرية، والعسرة: رمز ثالث على مجاهدة الملل الحى الذى يفسد الحياة، ومجموع هذه الرموز لون من ألوان إيقاظ الأمة لتقود نفسها، ولا تستسلم لشهواتها وملذاتها، فيصبح كل فرد منها، قائداً منتصراً على نفسه المكابرة الأبية الرعناء، ثم قائداً ومعلماً على مستوى الإنسانية جمعاء

وهكذا نرى أن النبى العظيم وراء كل هذه المعانى العظيمة والمبادىء السليمة، والقيم النبيلة... فله الريادة، فى هذه الدروس المستفادة

إنه سيد الأيتام، وعلم الأعلام، ومعلم الإنسانية، ورسول الهداية الربانية، فى كل زمان ومكان.... ترسيخا للإيمان، وحباً للرحمن..... صلى الله وسلم عليك يا خير الأنام


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى