الأحد ٢٩ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٦

مؤامرة صهيونية لابتلاع حضارتنا

في ظل صمت عربي مطبق، وسكتة ثقافية وإعلامية أصابت أمتنا بالخرس، لا يصبح غريباً. وفي هذا التوقيت بالذاب أن يحتل كتاب مثل «أسرار النزوح، الأصل المصري للعبرانيين»، والذي صدر في باريس أخيراً لمؤلفين يهوديين هما «مسعود وروجيه صباح» مرتبة متقدمة للغاية في قائمة المائة كتاب الأكثر مبيعاً على موقع «أمازون» في شبكة الإنترنت، وأن تشهد مكتبات باريس طوابير طويلة من المتهافتين على شرائه، خاصة بعد الحملة الإعلامية الواسعة التي روجتها الصحف والمجلات الفرنسية للكتاب قبل صدوره..!! فالكتاب فضلاً عن كونه يحتشد بالفضائح العلمية والأكاذيب، فإنه يأتي مجرد حلقة جديدة. يبدو أنها لن تنتهي، في سلسلة المؤامرات اليهودية المستمرة لتشويه وتحريف ثوابت التاريخ.. وصولاً الى اختلاق مزاعم تدعم أطماعهم المزمنة في ابتلاع حضارات وأراضي العرب والمسلمين..

وإذا كانت وكالة «أورينت برس» الإعلامية اللبنانية قد أحسنت صنعاً باستعراض أبرز ادعاءات وأكاذيب الكتاب.. وبعضها أخطر مما يحتمل الصمت عليه.. فإن المثير للدهشة هو عدم صدور أية ردود فعل عربية في مواجهة هذه الأكاذيب، حيث اقتصرت الردود ومواجهة المزاعم اليهودية في مفارقة مؤسفة، على بعض العلماء والمتخصصين الأوروبيين الذين مازالوا يتمتمون بقدر من النزاهة والحياد والموضوعية في مواجهة اللوبي اليهودي.. هنا القصور الذي دفعنا الى استعراض أبرز هذه المزاعم الخطيرة.. ومواجهة علمائنا المتخصصين في الرد عليها.

في البداية تستعرض (أورينت برس) في تقريرها جانباً من الأكاذيب اليهودية، لعل أخطرها المسعى الى استخدام التشابه المزعوم بين الأبجدية الهيروغليفية والأبجدية العبرية لتأكيد مزاعم أشد خطورة منها أن كتاب التوراة بمثابة نص معدل بعض الشيء لفكرة وحدانية الإله التي أسسها الفرعون المصري إخناتون، وأن إخناتون نفسه هو اسم معدل للنبي (إبراهيم) وزوجتيه نفرتيتي وكييا هما (سارة وهاجر)!! كما أن (رمسيس الأول) هو والنبي موسى شخص واحد كذلك (سيتي الأول) والنبي "يوشع" والفرعون "أبي" هو النبي "يوسف" وأن أمنحوتب الثالث هو نفسه "نمرود التوراة" بل وصلت المزاعم اليهودية الى حد ادعاء أن الشمعدان اليهودي ذا الأفرع السبعة يرمز الى اتحاد الأرضين (الشمال والجنوب) في مصر !!

وبمواجهة د.عبد الحليم نور الدين الأستاذ في كلية الآثار جامعة القاهرة، وعميد كلية الآثار في الفيوم، بهذه الادعاءات اليهودية قال والأسى يكسو وجهه: لقد تجاوزت أكاذيب اليهود كل الحدود. وهم ماضون في مخططهم لتدمير حضارتنا وانتزاع تاريخنا من بين أيدينا، بمنح هذه الخزعبلات، والرونق الإعلامي، والزيف العلمي، خاصة في ظل أساليب الرد العبثي من جانب العلماء والمتخصصين العرب، إن وجد من الأساس. ويضيف الادعاءات اليهودية تنم عن جهل فاضح باللغة الهيروغليفية، فلا يوجد على الإطلاق أي تشابه بين العلامات المصرية القديمة وبين حروف الأبجدية العبرية، التي هي في الأساس كتابه آرامية انتشرت في القرن الخامس قبل الميلاد أي بعد عصر إخناتون بعدة قرون، وبفرض أن هناك تشابهاً. وهذا ليس صحيحاً، فهل يعني هذا وجود صلة حضارية، فهناك تشابه مثلاً بين العلامات الصينية، واللغة اليابانية فهل يعني ذلك أن هناك تأثيراً متبادلاً بين الثقافتين يجعل إحداهما امتداداً للأخرى؟ وحول الربط بين أخناتون ونبي الله إبراهيم يقول د. نور الدين: أخناتون ملك مصري، ولا يوجد أي ربط عضوي بينه وبين نبي الله إبراهيم. وليس من دليل أثري واحد لإثبات هذه الصلة. بل هي إحدى حلقات دعاوى اليهود الذين يريدون أن يثبتوا بأي ثمن أن كل الإنجازات الحضارية التي جرت على أرض مصر من صنع أجدادهم، قالوا هذا عن الإنشاءات المعمارية في الدولة الحديثة، كما نسب المتربصون منهم الحضارة المصرية "الفيوم" الى سيدنا يوسف وهي بدعة لا أساس لها في علم الآثار.

إن أخناتون يعني "المخلص للإله آتون" إله الشمس، وهل لاسم سيدنا إبراهيم صلة بهذا المعنى؟! كما أن المعروف من خلال معظم الآراء في هذا الشأن أن سيدنا إبراهيم عليه السلام قدم الى مصر في حوالي القرن العشرين قبل الميلاد، والمعروف بقيناً أن أخناتون عاش في القرن الرابع عشر قبل الميلاد..

إن هذه الآراء لا تعدو كونها محاولة يهودية فاضحة لانتزاع "إخناتون" من حضارته المصرية، ذلك المفكر المصري قلباً وقالباً والذي نادى بالوحدانية، ويحتل مكانة مرموقة سواء في التاريخ المصري أم الفكر الديني العالمي.
ويواصل د.نور الدين: أما الربط بين نفرتيتي زوجة إخناتون وكييا التي لا نملك حتى الآن دليلاً قاطعاً على أنها زوجة إخناتون، وبين زوجتي نبي الله إبراهيم عليه السلام "سارة وهاجر" فهو فضيحة علمية بكل المقاييس، لأن إخناتون لم يظهر إلا مع زوجة واحدة في كل المناظر والنصوص التي سجلت طقوس عبادته للإله "أتون" كذلك ظهر إخناتون ونفرتيتي ومعهما بناتهما: فمن هن بنات سيدنا إبراهيم من زوجته (سارة وهاجر)؟! ولماذا لم تظهر (كييا) مع إخناتون، وهل منح المصريون أنفسهم حق تسجيل الأنبياء عليهم السلام على الصورة التي ظهر بها إخناتون؟! وهل كان ذلك هو شكل سيدنا إبراهيم عليه السلام كما صورت تماثيل ونقوش إخناتون؟! وما الدليل الأثري الذي يملكونه للتدليل على أكاذيبهم؟
وحول الترويج للربط بين رمسيس الثاني ونبي الله موسى باعتبار الأول هو فرعون الخروج يقول د.عبد الحليم نور الدين: هذا الربط ليس جديداً إذ سبق أن روج له اليهودي "فرويد" في كتابه
موسى الإنسان وديانة التوحيد" ونحن لا ننكر قدوم بعض اليهود الى مصر وخروجهم منها. كما أخبرنا بذلك القرآن الكريم، لكن لا نعرف على وجه التحديد موعد قدومهم، ولا موعد خروجهم ولا في عهد منْ من الفراعنة قدموا ولا في عهد منْ خرجوا؟! ليس هناك نص لغوي يتحدث عن الربط بالاسم بين فرعون (ما) وأحد الرسل عليهم السلام، كما لا يوجد نقش أو منظر أو بردية تشير الى أية علاقة بين رمسيس الثاني ونبي الله موسى، وإذا كان القرآن الكريم قد ذكر خروج اليهود مع سيدنا موسى عليه السلام. فإن الله تعالى بحكمة يعلمها. لم يذكر اسم الملك الذي خرج في عهده سيدنا موسى إنما أشار الى لقبه وهو (فرعون) وفرعون لقب مشتق من (برعام) التي كانت تعني القصر أو البيت الكبير، ثم حُرفت الى (بروا) و (فرعا) و (فرعو) ثم (فرعون)، وقد فهم الناس خطأ خاصة في مصر والوطن العربي إن هذا اللقب الثانوي من ألقاب ملوك مصر له صلة بالظلم والطغيان، بينما نحن لا نملك دليلاً واحداً سواء من الكتب السماوية أم من الآثار على هذا الأمر.

بل ربما ما لا يعرفه الكثيرون أن هناك دعاوى إسرائيلية راجت، أخيراً بأن توت عنخ أمون، هذا الملك الفرعوني الصغير الشهير بكنوزه، هو شقيق سيدنا موسى (في أشارة الى هارون عليه السلام) وهو بالطبع ادعاء مضحك وسفيه.
وعن الخلط بين إله اليهود (يهوه) وبين الإله (أتون) قال د. نور الدين لا توجد أية صلة لغوية أو موضوعية بين الإلهين، فلكل إله منهما خصائص مختلفة. فأمون صوّر بوضوح على أنه (إله الشمس) حيث ظهر على هيئة قرص شمس تطرح منه أشعة تنتهي بيد تقبض على علامة الحياة، وكأنها تمنح الحياة للمتعبد بها.. وهو ما يختلف كل الاختلاف عن خصائص الإله (يهوه) السماوي.. فضلاً عن عدم وجود أي ربط زمني بينهما.

وحول مزاعم اتخاذ مدينة إخناتون من بابل شعاراً لها يقول د. نور الدين: "ليس لمدينة إخناتون أو (أخت آتون) وهي تعني أفق آتون والتي تقع الآن تحت أطلال ثلاث قرى حديثة تمتد ما بين محافظتي المنيا وأسيوط هي: تل العمارنة والحج قنديل التابعتان لمركز دير مواس في المنيا والحوطة التابعة لمركز ديروط في أسيوط، وليست هناك علاقة تميز أو ترمز الى تل العمارنة.. يمكن أن ترتبط بأية رموز أو علامات بابلية، وإن كانوا يقصدون قرص الشمس الواقع بين تلين وهو يُشرق أو يُغرب.. وأعمدة بابل المعروفة، فإنه لا توجد أية صلة لهذا بأية عناصر معمارية.

وفي ختام مداخلته يرى د. عبد الحليم نور الدين أنه لا جدوى من محاولات الرد التي تجري الآن، فمعظمها باللغة العربية، وفي إطار داخلي ـ مغلق ـ مما يجعلنا في واد والعالم، الذي يتعرض لغسيل مخ إعلامي يهودي مخطط ومنظم بإحكام، في واد آخر، حتى لا نتخلى عن دورنا الذي يجب أن يكون فاعلاً ورئيسياً في هذا المحك.. ومن هنا أطالب بايقاف محاولات الردود العبثية التي لا طائل وراءها سوى مضيعة الوقت والجهد، والاتجاه فوراً الى وضع إستراتيجية شاملة ومنظمة يشترك فيها كل العلماء المصريين والعرب المعنيين، لعمل فيلم تسجيلي محترم، يقدم حضارتنا بشكل صحيح وبأكثر من لغة أجنبية، وكذلك تأليف كتاب ضخم بعدة لغات أجنبية، مع تخصيص موقع ثابت ومواقع أخرى كلما دعت الضرورة على شبكة الإنترنت لفضح هذه المزاعم، وهو الغرض الذي يحتاج الى جهود عربية جماعية على أعلى مستوى من الدقة

والكفاءة والإحكام.

من جانبه يفند الدكتور أحمد الصاوي أستاذ الآثار في جامعة القاهرة هذه المزاعم اليهودية، مشيراً الى أن هذا التربص اليهودي بالحضارة المصرية ليس جديداً. وإن كان لابد من مواجهته بحسم لخطورته مشيراً الى أنه لا يوجد تاريخياً أي ربط بين الشمعدان اليهودي وبين اتحاد إقليمي الجنوب والشمال في مصر.. فالرمز المصري للدولة الموحدة يجمع بين اللوتس رمز الشمال والبردى رمز الجنوب والذي يجمعها نهر النيل رمز العطاء والخير.. وهو بعيد تماماً عن الشمعدان اليهودي..

كذلك لا توجد أية صلة لغوية بين الرمزين وهذا يدخل في سياق اصطناع التاريخ لأغراض يهودية خبيثة.

وعن الربط بين أمنحوتب الثالث والنمرود يقول د . الصاوي امنحوتب الثالث تاريخيا هو والد الملك أخناتون وبالتالي فالربط بينهما من قبيل المغالطات اللغوية، فالنمرود شخصية توراتية بارزة ولا يمكن أن تمت بصلة من قريب أو بعيد الى الملك المصري أمنحوتب الثالث.
وفي النهاية يشدد د. أحمد الصاوي ا لى ضرورة التصدي بأسلوب علمي جاد وفعال لهذه المزاعم وعدم الاكتفاء بالرهان على علماء الغرب الذي يتمتعون بالموضوعية والحياد والشرف العلمي.. بل يجب أن تكون لنا آلياتنا الخاصة علمياً وإعلامياً وبأحدث الوسائل لكي نتصدى بشكل حقيقي وجاد لهذه المؤامرات.
في السياق نفسه لكن على الجانب الآخر رد مجموعة من العلماء والمتخصصين الموضوعيين في فرنسا على هذه المزاعم وهي الردود التي سجلها موقع (أمازون) على شبكة الإنترنت ووردت في سياق تقرير "أورينت برس" حيث أستغرب د. مارك جابولد أستاذ الحضارة الفرعونية في جامعة مونباييه الفرنسية من هذه الادعاءات مشيراً الى وجود اختلاف شاسع بين الديانة اليهودية السماوية التوحيدية وبين ديانة أخناتون الوثنية ويكفي ان اله اخناتون (أتون)أخرس. كما نفى "مارك جابولد، وجود ابن لأخناتون ، وهو ما يضحد المزاعم اليهودية تماماً.

أما العالم الفرنسي الشهير "موريس سيزنايسر" مدير المعهد العلمي لأبحاث الالسن العليا، فقد فضح
المغالطات التي تعمدها الطرح اليهودي ومنها تعمد استخدام الحرف الأبجدي العبري الحديث (المربع) بدلاً من الحرف العبري القديم.. لإيجاد علاقة كاذبة مع الحرف الهيروغليفي. ويضيف بأن المؤرخين متفقون على أن معظم الحروف العبرية مأخوذة من الأبجدية الفينيقية ، وحرف الألف العبري بالذات ليس سوى تحريف للألف الفينيقي الذي كان يرمز الى رأس الثور وهو الحرف نفسه الذي أخذه أول حروف اللغات اللاتينية كما يشير (جابولد) الى أن اسم (آتون) لا يأخذ معنى السيد أو الإله باللغة المصرية، بل كان معناه: قرص الشمس، ومن هنا تأتي استحالة تطابقه مع كلمة (أدوناي) العبرية التي تعني الإله في بعض النصوص التوراتية. والشيء نفسه بالنسبة لكلمة (عنخ) التي تعني حياة بالمصرية والتي يستحيل ان تتطابق مع كلمة (أنوخي) بالعبرية التي تعني كلمة (أنا).

من ناحيته فإن ج. أندريه لوبيير عالم الحضارات العبرانية والآرامية الفرنسي يؤكد أن اسم بابل مشتق من عبارة (باب ايلو) أو (باب الله) وهو الاسم الأصلي لمدينة بابل رافضاً الخلط بين (بابل ) و (مدينة اخناتون) المصرية القديمة.

وهكذا سيبقى "أسرار النزوح" وغيره مجرد حلقة في سلسلة المؤامرات اليهودية يبدو أنها لن تنتهي ما دمنا متمسكين بغيبوبتنا الثقافية والإعلامية تلك الجريمة التي ستدفع ثمنها الأجيال القادمة بلا ذنب سوى أنهم أحفاد أمة تغاضت عن كل شيء حتى الدفاع عن كيانها الحضاري.

تحقيق السيد رشاد
عن مجلة الاهرام العربي


مشاركة منتدى

  • في البداية أود أن أشكر حضرتكم الكريمة عن المعلومات و الأبحاث التي تعرضونها علينا لما لهــا من أهمية بالغـة في ثقيـف الجيـل الجديد الذي عاصر الأحداث و لكنه لم يعاصر مصادرها الأساسية التي تعود إلى الأزمان البعيدة أو حتى القريبة . و لكنكم في مقالكم الرائع و الذي يكشف محاولات اليهود تدنيس آثار و عقائد الأنبياء لم تنوهوا أو تذكروا لماذا يعد الشمعدان أو نجمـة إسرائيل السداسية الرموز الأساسية و المتعارف عليها عن الدولة اليهودية .
    أتمنى أن تفيدونا أفادكم الله مع الشكر الجزيل .
    بريدي الإلكتروني هو : bedour_yasin@yahoo.com
    و تقبلوا مني فائق الاحتــــرام .

  • اؤكد لكم أن رمسيس الثاني هو بالفعل فرعون الخروج وعندي أدلة دينية وتاريخية واثارية وغيرها سوف أقدمها ان شاء الله عندما أنتهي تماماُ من بحثي الذي عرضته على الدكتور أحمد الصاوي فلم يستطع تكذيبه أو استخراج أي نقطة ضعف فيه , كما أني أعد بأن في البحث أثر ديني سياحي هام سوف يقلب السياحة المصرية رأساُ على عقب نحو العالمية , كما أني أعد الان لبحث تكميلي اخر توصلت فيه الى شخصية الوزير يوسف في التاريخ المصري واثاره الهامة . والى الملتقى ان شاء الله .

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى