الأربعاء ٢٧ حزيران (يونيو) ٢٠١٢
بقلم محمد عليان

قراءة انطباعية في يوميات الكاتب ابراهيم جوهر

عندما قرر الكاتب إبراهيم جوهر كتابة "يومياته" اليومية ونشرها في المواقع الاكترونية وخاصة موقع التواصل الاجتماعي، أبديت في حديث خاص معه، مخاوفي وقلقي من ألا يستطيع مواصلة كتابة "يومياته" بوتيرة يومية، وانه قد يتوقف فجأة بسبب ما تحتاجه كتابة " اليوميات " من جهد ووقت وموضوعات وقضايا واشكاليات ورسائل اجتماعية وثقافية وسياسية.. لم يصغ الكاتب لنصيحتي التي شاركني بها عدد من الاصدقاء، وحسنا فعل، فقد واصل الكتابة يوميا، واثبت لي ولغيري من الاصدقاء، بعد اربعة شهور كاملة، لم تغب فيها " يومياته " عن الصدور ولو يوما واحدا، ان الواقع مشبع بالاحداث والقضايا والمستجدات اليومية التي تستدعي منا الموقف والرأي.

نحن اخطأنا، وأصاب هو واستمر رغم تحذيراتنا وقلقنا حتى اصبحت "يومياته" طقسا من طقوسنا اليومية، لا ينام هو الا بعد كتابتها ونشرها، ولا يغمض لنا، نحن القراء، جفن الا بعد قرائتها وربما التعليق عليها..

اربعة اشهر ومائة وعشرون يومية اتحفنا بها الكاتب ابراهيم جوهر في كل مساء وقبيل منتصف الليل زاخرة بالفكر الناضج والادب الرفيع والثقافة العميقة واللغة الجميلة والرأي السديد والموقف الثابت والنقد البناء والعتاب الخجول.

اعترف انني قرأت هذه اليوميات، يومية يومية، واذا غلبني النوم ولم استطع انتظار صدورها، فانني افيق مع كورس الدوري واقرؤها قبل قهوة الصباح وقبيل الاستماع لفيروز، لأبدأ يومي بها وبوحيها، وفي بعض الاحيان كنت اعيد قراءتها اكثر من مرة مستمتعا بلغتها الجميلة ومستوى شاعريتها الحالمة وعمق تحليلها لقضايانا اليومية. لقد تناولت هذه اليوميات التي كتبت باسلوب شيق وغير مسبوق قضايا وهموم مقدسية ووطنية كثيرة ومتنوعة مثل التعليم والاستيطان والتغييب الثقافي الملحوظ من قبل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية والمشاكل اليومية للمقدسيين والظواهر الاجتماعية السلبية التي تشوه ثقافتنا واخلاقياتنا.ولم يكتف الكاتب بذكر هذه القضايا بل حدد موقفا حازما منها مدينا ومستنكرا السلبيات ومؤكدا على ضرورة التمسك وتطوير الايجابية منها. وكانت انتقاداته غاضبة وصرخاته مدوية وملاحظاته سهام حادة اخترقت قلب الهدف بدقة بالغة..

قرأ الشرفاء يومياته وعلقوا عليها وعاشوا حالتها وصرخوا مع صرخاتها وفجروا قنابلهم في حقل الغامها وحزنوا لحزنها وفرحوا لفرحها وبكوا لبكائها وانتظروها باعتبارها طقس من طقوسهم وفعل ثقافي يعبر عن ثقافتهم ووسيلة للتعبير عن غضبهم وسخطهم، وحافزا لهم للقول والكتابة والفعل بعد ان شحنتهم بالعزم والاصرار وشرف المحاولة للتغيير في وقت انعدمت فيه المحاولات وتملك اليأس من نفوس الشرفاء وبات فيه التغيير حلما بعيد المنال.
لقد اعادت يوميات ابراهيم جوهر لنا الحلم بعد ان غاب عنا طويلا، حلما فقدناه وفقدنا معه القدرة على التنبؤ والابداع، الحلم بالوطن الجميل، بالليلك والاقحوان وطيور الدوري والمستقبل الواعد والضوء الساطع في نهاية النفق.

لم تكن يوميات جوهر شخصية ولم يقلق الكاتب كثيرا لهمومه ومشاغله الشخصية بل تميزت بمشاكل وهموم وطنية عامة مما منحها طابع الصدق والشفافية والعمق، وخلافا لغيره من كتاب اليوميات او المذكرات ابتعد الكاتب بقدر الامكان عن الاحداث والمناسبات الشخصية والعائلية ولم يثقل علينا بسرد لوقائع شخصية قد لا تعنينا بشيء.

وكانت اليوميات زاخرة بالقيم التربوية والاخلاقية والتعليمية وافردت مساحة واسعة من سطورها للطلاب الواعدين والمعلمين المبدعين وتناولت بشكل انتقادي تربوي الكثير من القضايا التعليمية والمظاهرالسلبية المتفشية في المدارس.

ولعل من ميزات هذه اليوميات هي تشجيع القراء على الكتابة والتعليق وابداء الرأي في القضايا المطروحة مساء كل يوم، فظهرت اسماء جديدة علقت او شاركت باسلوب ادبي شيق وبلغة جميلة وفكر واضح وذوق رفيع واخلاق عالية واحترام للرأي الاخر، ما بلور ورسخ عادة القراءة والكتابة لدى الاصدقاء من مختلف الاعمار وعلى اختلاف مستوياتهم الثقافية والعلمية وتحديد الموقف الثابت، ويلحظ المتتبع للتعليقات على اليوميات انها تثير دائما الجدل والنقاش حول القضايا المطروحة الامر الذي يغني ويثري هذه اليوميات، واللافت ان الكاتب درج على نشر التعليقات الابرز بشكل منفرد اعترافا منه باهميتها وقيمتها الثقافية.

يوميات ابراهيم جوهر يوميات غاضبة متمردة، لا تنافق ولا تتملق ولا تهادن ولا ترجو العطف والمساعدة من احد. تقول الحق ولا تأبه لاحد، تمدح وتثني على الصواب وتنتقد وتستنكر الخطأ والتقصير والاهمال دون قدح او ذم او تشهير.

هذه اليوميات ايقظتنا من غفوتنا وافرحتنا بعد استقر الحزن في قلوبنا واعادت للاقحوان اريجة وللدوري تغريدة وللوحة الباهتة توهجها، واضاءت في ظلمتنا الدامسة مائة وعشرين شمعة، واذا لم نر الطريق بعد كل هذه الشموع فيا لتعاستنا.. يا لتعاستنا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى