ديوان «الرّحيل» لمطلق عبد الخالق يزبك
قام الصّحفيّ صبحي عبد الخالق يزبك أخو المرحوم الشّاعر مطلق يزبك بجمع شعر مطلق، مضيفًا إليه ما قيل في مطلق، وما كتب عنه بعد مصرعه في حادث سير في حيفا سنة 1937م -وهو في ريعان شبابه، ابن سبع وعشرين سنة- وأصدره في كتاب بعد رحيل الشّاعر مطلق مباشرة، وسمّاه (الرّحيل). وصدرت الطّبعة الثّانية منه في الكويت، والثّالثة في الأردنّ، والرّابعة في مصر، والخامسة في القدس. والكتاب الّذي بين يديّ الآن هو الطّبعة السّادسة من الدّيوان، الّتي أصدرها منتدى مطلق عبد الخالق في النّاصرة.
وكما جمعت وكتبت فدوى طوقان شعر أخيها إبراهيم في (ديوان أخي إبراهيم) سنة (1955م)، وكما كتب وجمع يعقوب العودات (البدويّ الملثّم) شعر المرحوم مصطفى وهبي التلّ، وسيرة حياته في كتاب سمّاه (عرار شاعر الأردنّ)، جمع صبحي يزبك ديوان أخيه مطلق الّذي سمّاه (الرّحيل).
لكن، هناك فرق في الكتابة في الحالات الثّلاث، فأجودها: كتابة البدويّ الملثّم، وثانيها: كتابة فدوى، وثالثها: كتابة صبحي عبد الخالق؛ حيث لم يحظَ هذا الدّيوان بأيّ نوع من التّرتيب أو التّنظيم أو التّبويب. ففي صفحة (196) مثلا، هناك عنوان بالخطّ العريض (القسم الثّاني)، ولا يوجد قبله أيّ عنوان باسم (القسم الأوّل). ثمّ إنّ القصائد في الدّيوان لم ترتّب أيّ ترتيب: لا حسب الموضوع، ولا حسب القافية، ولا حسب زمان نظم القصيدة؛ بل إنّ القصائد مجموعة في الدّيوان جمعًا عشوائيًّا.
وكان بالإمكان ترتيب القصائد حسب القافية أبتثيًّا، وكان بالإمكان ترتيبها حسب الموضوع: كالوطنيّات، والوجدانيّات، والرّوحانيّات، والغراميّات، والفلسفيّات، والثّوريّات، والحكم، والمأثورات، والصّوفيّات، و... وهكذا، إلا أنّ شيئًا من ذلك لم يكن.
وشاعر مثل مطلق، وشعر كشعر مطلق، يستحقّ عناية أكثر ممّا جاء في ديوان (الرّحيل).
وهذا الشّاعر مطلق عبد الخالق يزبك يذكّرني بالشّاعر الجاهليّ (طَرَفَةَ بنِ العبد)، الّذي اشتهر بنظرته وفلسفته للحياة، حيث كان ينفق كلّ ما ملكت يداه ولا يبالي بالعواقب، استمع إليه يقول:
أرى قبر نحّام بخيل بمالهكقبر غويّ في البطالة مفسدِأرى العيش كَنْزًا ناقصًا كلّ ليلةوما تنقص الأيّام والدّهر ينفدِألا أيّهذا اللائميّ أحضر الوغىوأن أشهد اللّذات هل أنت مخلّديفإن كنت لا تسطيع دفع منيّتيفدعني أبادرها بما ملكت يديستبدي لك الأيّام ما كنت جاهلاويأتيك بالأخبار من لم تزوّدِويأتيك بالأخبار من لم تبعْ لهُبتاتًا ولم تضرب له وقت موعدِوأمّا شاعرنا مطلق فيقول في المال وجامعيه وكانزيه:يا عابدي الذّهب الخسيس، قلوبُكمقدّت من الصّخر الأصمّ، صلابُفترفّقًا أعماركم موقوتةوتعفّفًا هذي الحياة سرابُوالعيش في نظري، حديث خرافةولأنت (حلوى) والأنام ذبابُيا مالُ أنت أخسّ شيء منزلاعندي وأنت، كما أراك، ترابُأنا للعلا أرنو، فمالي مطمعٌفيك وما لك في حماي ركابُيا مالُ كم نثرت عليك جماجمٌوعليك كم –يا مال- طاح رقابُ