الاثنين ١٣ آب (أغسطس) ٢٠١٢

«بيسان» زهرة في عين الحلوة

اقبل نحوهم يسعى، وقال: قوموا من أماكنكم حتى لا يدهمكم الجنود ويهدموا الخيمة على رؤوسكم.
انتفضوا شعثا غبرا، قام هو بتناول طفلة صغيرة في الخامسة من العمر، حملها على ظهره، منتشلا معها خمسين وجعا وألما.

صغيرته بيسان أصيبت بإعاقة منذ طفولتها أقعدتها عن الجري خلف أشقائها واللعب معهم، وعن الهرب لتقي نفسها من جنود الاحتلال الذين يكدرون حياة سكان عين الحلوة في المالح بمنطقة الأغوار الفلسطيني، ملوحة الأرض والهواء والحياة، ولم يبق الاحتلال من العين إلا اسمها.

بشكل مستمر يطلب منهم جيش الاحتلال إخلاء المكان لإجراء تدريباته، يخرج السكان بكبارهم وأطفالهم وماشيتهم، كأنهم يعيدون مشهد التهجير من جديد، بيسان تتأرجح على ظهر والدها، تنظر حولها حيث النباتات الشوكية والأسلاك الشائكة، والتراب الأسود، والخيم المتناثرة هنا وهناك، فحتى الحشائش الخضراء والشجر المثمر، والأحلام الوردية للشبان الأصحاء جسديا عجزت على أن تنبت في عين الحلوة، كل ما يثبتهم حق في العيش على أرضهم والتنفس من هوائها حتى لو كان ساخنا، ولسان حال بيسان يقول: لست اقل منكم، قيد في قدمي وقيد في ارضي لكني حرة بثابتكم.

الأغوار، وما تعانيه، قضية إنسانية كما هي سياسية، الأطفال هنا هم الفئة الأكثر تأثرا بالظروف الصعبة التي يعيشونها، فبدل مشاهدة التلفاز، ومتابعة الفيسبوك، والتفكير بمستقبل باسم، والتمتع بليالي الصيف وسهرها كأقرانهم، يشاهدون جرافات الاحتلال تهدم خيمهم أمام أعينهم، وتدفن كتبهم وحقائبهم وألعابهم، بل تدفن مستقبلهم، فكيف بذوي الإعاقة الذين يبلغ عددهم عشرا، لا يجدون مقومات الرعاية الواجب توفرها لأمثالهم، لا بيوت ولا أدوات ولا كراسي متحركة ولا أدوية، ولا أطباء، إلا عابري سبيل.

بيسان تعود إلى خيمتها المصنوعة من الخيش، لا ماء ولا كهرباء، ولا أدوات منزلية، الخيمة تحتضنها من الشمس، من رؤية قسوة الإهمال والجفاء ممن لهم واجب مد العون والمساعدة لها ولإخوتها وسكان عين الحلوة، والأغوار التي تأن بأنين أهلها بأصحاء الجسد ومعاقيه، بأنين أحلام تستصرخ العالم، بشغف للحياة دون خوف من تهجير.

صدقي موسى - كاتب من فلسطين


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى