الأربعاء ٢٢ آب (أغسطس) ٢٠١٢
بقلم تركي بني خالد

ترشيد التعليم العالي!

في ظل التدهور الحالي لسمعة التعليم العالي بشقيه الرسمي والتجاري صار لزاما إعادة التفكير بمجمل منظومة التعليم والتربية وبشكل جريء وغير مسبوق! فمن الواضح للقاصي والداني، أن التعليم العام والعالي في بلاد العالم الثالث فقد رشده وبدأ ينحدر باضطراد رغم ما يقال ويسمع عن الزيادة العددية أو الكمية في إعداد المدارس والجامعات ومؤسسات التعليم المختلفة.

لقد تراجع الدور الرسمي المعلن في دعم التربية والتعليم، والتعليم العالي، والبحث العلمي بعد أن تزايدت الجامعات الرسمية والكليات التبعة لها، فتقلصت حصص الدعم الحكومي المتأتي من دافعي الضرائب والرسوم. كما غابت مصادر التمويل للجامعات ومؤسسات البحث العلمي الآتية من التبرعات أو أموال الوقف وأعمال الخير. وقد اضطرت الجامعات الرسمية للبحث في بدائل غير مسبوقة للتمويل مثل ابتداع برامج الموازي والدولي وفرض كل ما خطر على البال من رسوم معلنة وخفية.

وقد فتح الباب على مصراعيه لكل التجار والمقاولين والمستثمرين للدخول إلى سوق الشهادات التعليمية في المدارس والكليات والجامعات وذلك تحت عباءة الخصخصة وتشجيع دور القطاع الخاص. وقد أصبح من اليسير جدا الحصول على أي شهادة علمية وفي أي تخصص بمجرد توفر المال لدى من يدفع. بل أن لعاب المستثمرين بدأ يسيل أمام فرص وتسهيلات الدخول إلى أسواق جديدة في بيع التعليم العالي في تخصصات حساسة في العلوم الطبية والقانونية وغيرها.

ورغم تكاثرها وانتشارها، فما زالت جامعاتنا ومدارسنا تقليدية ونمطية ومستنسخة عن نماذج قد يكون تجاوزها الزمن. وما زالت جامعات العرب ومدارسهم بعيدة كل البعد عن الإسهام في التقدم الحضاري المحلي والعالمي. وما زلنا نندب حظنا العاثر كلما طرق موضوع التعليم في بلادنا السعيدة. فليس هناك من منجزات علمية أو تقنية أو فكرية تستحق الذكر، رغم كل الزعبرات الإعلامية، والدعايات الزائفة التي تمجد هذه المدرسة، أو نلك الجامعة.

لقد أصبح التعليم سلعة تجارية في ظل سطوة رأس المال وبرامج الخصخصة وتقزيم نوعية التعليم الرسمي الذي غدا زادا للفقراء والمساكين وما تم تسميته بالأقل حظا! ويبدو أننا استسلمنا بسهولة وسرعة لتحولات التاريخ ومعطيات الجغرافيا المعاصرة. كما بات واضحا اضمحلال الوعي العربي لدرجة أنه أصبح مقصورا على التفكير بكسرة خبز، أو تدبير رسوم لفصل واحد، أو التخوف على الأمن مما يتهدده من مشاجرات يومية، وأصناف العنف، والانسياق نحو مزيد من الجهالة والتخلف.

لا زلنا لا نعرف معالم الطريق إلى بر ألامان، ولا زالت الرؤى غائبة عن نوع ومستقبل التعليم الذي نريد. وقد بات واضحا فشل النظام التربوي والتعليمي الحالي والذي كان من ابرز منتجاته منظومة كاملة من الفساد والجهل بأشكاله المتعددة!

نقرأ ونسمع عن النانو والفيمتو والتقنيات الميكروية، لكننا عاجزون عن الاستفادة منها. ونتحمس لنظرية الذكاءات المتعددة، غير أننا نتردد في قبولها كمبدأ لتغيير طرق التدريس، ووسائل الاختبارات التي نصر على أن تبقى تقليدية عديمة النفع.

هناك بيئات علمية جديدة ومتجددة من حولنا في هذا العالم الفسيح، وهناك فرص عظيمة لإحداث فرق جوهري ذو دلالة في مخرجات التعليم والبحث الأكاديمي في بلادنا. وهناك ثورة معرفية ورقمية هائلة تدهمنا، لكننا نصر على استبقاء مناهج بليدة وبالية في مدارسنا وجامعاتنا.

ما زلنا نصنف البشر والطلبة إلى مسميات غير مقنعة مثل علمي وأدبي، وما زلنا نقول تخصصات إنسانية وأخرى علمية! وكأننا لم نسمع عن العالم والطبيب والفقيه والشاعر والفيلسوف ابن سينا. فهل كان ابن سينا خريجا من الفرع العلمي أم من الفرع الأدبي أو ربما من الإدارة المعلوماتية؟؟ وهل كان أفلاطون الفيلسوف وعالم الرياضيات المشهور طالبا في الكليات الإنسانية أو الكليات العلمية؟؟

نعيش في عصر تداخلت فيه العلوم وتشعبت فيه المعارف، وتطورت فيه الوسائل، لكننا نخاف من الدخول إلى بيئات جديدة قد تكون مختلفة وغير تقليدية في التعليم، فما زال اللوح الخشبي سيد الموقف. وما أدوات العرض الاليكتروني إلا وسائل للزينة للتباهي بها عند زيارة احد المسئولين أو الضيوف الأجانب!

إنني أرى أن منظومة التعليم العام، ومثيلتها في التعليم العالي ما زالتا تقليديتين مغرقتان في النمطية، والفضل في ذلك عائد لغياب الرؤية الحقيقية والواضحة لمعالم الطريق. كما يعود الفضل في تدهور هيبة التعليم العام أو العالي إلى غياب أو تغييب القيادات التربوية والأكاديمية المخلصة والمبدعة.

لقد انخرط النظام التعليمي لدينا في الشكل والعدد على حساب النوع والجودة، وبدل أن يكون هو سفينتنا للنجاة صار هو نفسه غريقا في لجة التخلف والفساد. باعتقادي لم يفت الأوان، لكن الاعتراف بالمشكلة هو الخطوة الأولى إلى الحل! فهل نحن فاعلون؟؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى