الجمعة ٢٤ آب (أغسطس) ٢٠١٢
بقلم محمود عبد الرحيم

دراما رمضان المصرية

ومواصلة الخصم من رصيدها الطويل‎

لاتزال الدراما التليفزيونية المصرية الرمضانية تأبي أن تتخلص من ذات الخصائص السلبية التى تخصم من رصيدها الطويل، والتى لطالما رصدناها وسلطنا عليها الأضواء، لكن لا أحد يبالي، بتلك العيوب القاتلة

من بناء درامي مترهل ومط وإطالة في الأحداث بدون ضرورة، اللهم الا لغرض اكمال الثلاثين حلقة، وإعادة إنتاج نفس القضايا والمعالجات المكرورة المملة، وتمحور العمل حول شخصية النجم الأوحد، بل والتعاطي معه كجزء من منظومة إعلانية، أو بالاحرى جعل المسلسل أشبه بفواصل بين الفقرات الإعلانية بدرجة منفرة لا تتيح فرصة استيعاب المشاهد الدرامية والاندماج مع سياق الأحداث.

ولا يزال منهج الكم هو السائد وليس الكيف في إنتاج الدراما المصرية، دون إدراك أن المسلسل ليس مجرد سلعة استهلاكية، بقدر ما هو عمل فني له رسالة، وقيمته تتحدد بما يطرحه من رؤي فكرية وجمالية، فضلا عن أن الكثرة الانتاجية الزائدة، ربما أسوأ من الندرة، حيث تصيب المشاهد بالتخمة وعدم القدرة على المتابعة أو بالاكتفاء بلقطة هنا ولقطة هناك، وتداخل الاعمال في بعضها البعض.

ويبدو استحضار كبار نجوم السينما بكثافة في مسلسلات رمضان هذا العام وفي مقدمتهم عادل امام خصما وليس إضافة، لأن حضورهم الذي جئ لركود الانتاج السينمائي، كان في غالبيته باهتا، ولم يثري تلك الأعمال، بل مثّل عبئا عليها، حيث كشف عن إداء تمثيلي يتسم بالضعف والنمطية والافتعال حتي مقارنة بوجوه صاعدة أو بمن تم الاستعانة بهم من الممثلين العرب، فضلا عن عدم قدرة على ملء المساحة الدرامية الواسعة، رغم تركز العمل حوله، واصطناع أحداث زائدة تبرزه وتضعه في موضع البطولة المطلقة.

وإن كان بعض صناع الدراما قد حاول كسر المألوف، لكن معالجته اتسمت إما بالمبالغة الشديدة أو بالسطحية أو استنساخ مسلسل من قصاصات الصحف وأحداث واقعية بدون قدرة على خلق واقع درامي موازي، و بدون منطق للعمل يقنع المشاهد بالأحداث، ويجلعه يتفاعل معها ويعايشها حتى لو أخذت المنحي الفنتازي، والمثال الصارخ على هذا مسلسل ’فرقة ناجي عطا الله’ من تأليف يوسف معاطي وإخراج رامي عادل أمام الذي بدا أشبه برحلة سياحية في أارجاء العالم العربي وتجميع لعناوين أحداث ووقائع دون تعمق في معناها ودون قدرة على الاقناع بمنطقيتها، و لا بالقدرات الخارقة لهذا الرجل الذي كان مجرد موظف صغير بالسفارة المصرية بتل أبيب، فإذا بنا نرى هذه الشخصية التطبيعية ذات العلاقات المفتوحة مع الصهاينة، يساعد المقاومة ويحرر الأسرى، وسلاحه هو النصب والاحتيال والتزوير، بل والسطو، ثم بنا نراه يبدي تعاطفا مع العراقيين ومأساتهم المتواصلة منذ جريمة الغزو الأمريكي للعراق، والصوماليين تحت شبح المجاعة، وقبلهم الفلسطينيين كأنه من دعاة التضامن العربي، والبطل المنقذ، عكس المقدمات التى طرحها العمل.

وربما خطورة هذا المسلسل في القيم السلبية التى يقدمها للجمهور بدءا من التعاطي مع الصهاينة كأشخاص عاديين سذج يمكن خداعهم ومواجهتهم بالفهلوة والتحايل، ولا ضير من التعايش معهم، فضلا عن الترويج للنهج الانتهازي ومبدأ الغاية تبرر الوسيلة، سواء ما يتعلق بسرقة البنك الإسرائيلي كنوع من استرداد بعض الحق المسلوب بدون مواجهة حقيقية وفعل مقاوم جدي، أو تبرير تزييف الأوراق الثبوتية لتسهيل الهروب أو حتي تبرير جريمة القرصنة الصومالية بالاحتياج المادي، بالإضافة إلى تكريس الشخصية المستبدة التى تفهم أكثر من غيرها وأوامرها مطاعة، ومن يعترض أو يخالف مصيره العقاب والنبذ.

وبدا العبور السريع على الصراع العربي الإسرائيلي أو الوضع في العراق والصومال محاولة متهافتة للعب على الوتر العاطفي للجمهور، وتوسيع دائرة المشاهدة، وإظهار عادل امام أنه نجم تعدى الاطار المصري لمناقشة الهم العربي، رغم ان مواقفه الحقيقية تتناقض مع الانشغال بالهموم القومية، بل على العكس تعكس نزعة قطرية عدائية، وهو ما تجلى في الموقف من حرب غزة أو أزمة الكرة المفتعلة بين مصر والجزائر، على خلفية صراع الانظمة وليس الشعوب.
وفي الأخير وجدنا أنفسنا أمام عمل هزيل مفكك، لا هو بالواقعي ولا بالفنتازي، وحتى لحظات الكوميديا بدت في غير موضعها ومفتعلة وسمجة، ولسنا أمام سوى مغامرات ساذجة لممثل أنتهي عمره الافتراضي، وما زال يعيش وهم أنه الزعيم.

وإن كان مسلسل’أخت تريز’ تأليف بلال فضل وآخرون، وإخراج حسام الجوهري قد بدا أفضل قليلا من ’فرقة ناجي عطا الله’، إلا أنه إعادة انتاج لتيمات جرت معالجتها من قبل بذات الرؤية، خاصة في فيلم ’حسن ومرقص’ من تبادل للأدوار بين المسلم والمسيحي لإظهار أنه لا فرق بينهما، و أن المشكلة في ثقافة التمييز المجتمعية.

ربما كان الجيد والجرئ هو إظهار دور أجهزة الأمن في إشعال الفتنة الطائفية، والتوزان في عرض مسئولية بعض القوى المسيحية والمسلمة في هذه الجريمة، واستغلالها لمصالح خاصة، وهي مقاربة في محلها مع الواقع.

وإن كان شاب بناء شخصيات العمل الأساسية القصور وغاب عن سلوكها المنطقية، والتحولات غير المفهومة، فأحمد عزمي الذي لعب دور الشاب حربي المثقف والذي يميل للرومانسية والاعتدال الديني، ويعيش في بيئة مريحة وسط أسرة ثرية وذات نفوذ، ولديه فرص التحقق الاجتماعي، يتحول فجأة إلى شخصية منقادة ومتطرفة دينيا وتميل للعنف وطاعة اوامر شيوخ التطرف المحرضين، وتنقلب علاقته بزوجته من الحب والألفة إلى الكره والنفور.

والشاب الآخر المتطرف ابن لمدرس لغة عربية ودين يعد نموذجا للاعتدال والتعايش بتسامح مع المسيحيين في قريته، ودائم النصح لأبنه، ولم يوضح لنا العمل من أين أتت جذور التطرف.
وحنان ترك التى لعبت دور خديجة تكتشف فجأة أن لها أخت مسيحية وليست شبيهة فقط، وحين يوظف مسئولو أمن الدولة هذا التشابه، ترتكب كل منهما أخطاء تكشف عن شخصيتها بدون مبرر إلا لصنع سقطة درامية ساذجة للبطل ترفع مستوى التوتر الدرامي، رغم أن كل منها تلقت تدريبا في جهاز أمنى على اجادة دورها والتنكر، غير أننا نرى المسلمة تقرأ داخل الدير المسيحي القرآن وتصلي، والأخرى ترنم، وتعلق الصليب على صدرها في بيت الزوج الأصولي.
ومثلت النهاية قمة الاستسهال والتهافت للايحاء بواقعية الأحداث بإستضافة مقدم برامج مشهور للأختين المسيحية والمسلم، وترك مساحة خطابية لكل منهما لإلقاء مواعظ وتوجيه خطاب مباشر للجمهور عن التسامح والألفة وحق المسلم على المسيحي والعكس.
وربما يكون مسلسل ’الهروب’ من تأليف بلال فضل واخراج محمد علي هو الأفضل فيما أتيح لي مشاهدته، من أعمال تتمثل واقع الظلم الاجتماعي ودور جهاز أمن الدولة في إفساد حياة المواطنين، وإرتكاب جرائم بلا حساب، وانتهاك ممنهج لحقوق الإنسان، وإن كانت أحداث الثورة بدت مقحمة بدرجة ما على العمل وربما أدخلت عليه بعد كتابته، ولم تكن سوى خلفية غير أساسية، ومحطات عابرة، وحتى لم يتم الاقتراب من لقطات وثائقية لإثراء العمل.

لكن في المجمل اقترب العمل بصدقية من واقع ملموس يسجن أحلام الشباب المصري، ويحاصرهم في دائرة الاغتراب والسلبية، ومن يتمرد على هذه الخيار يكتب نهايته.
ورغم مأساوية الأحداث، إلا أن لحظات الكوميديا كانت تتفجر بسلاسة وعفوية، وسط أداء تمثيلي متميز لمعظم أبطال العمل، خاصة كريم عبد العزيز، وعبد العزيز مخيون ودلال عبد العزيز، وتقديم البعض بصورة جديدة مختلفة تبرز إمكانياتهم التمثيلية، مثل كارولين خليل التى لعبت دور الناشطة الحقوقية، والبنت الشعبية المتمسك بحبيبتها لدرجة الهوس إيمان العاصي.
ربما الاستخدام المفرط للموسيقي خاصة تيمة الترقب كانت أحد النقاط السلبية، المثيرة للتوتر لدى المشاهد.

غير أن مشهد النهاية كان من القوة بمكان، في ارسال رسالة واقعية أن افتراض حسن النية في رجال الأمن وافتراض ان لديهم الاستعداد للتغيير بعد سنوات من ترسخ ثقافة العنف والاستكبار والتنشئه في ظل الفساد والاستبداد نوعا من السذاجة، فبمجرد ما علم ضابط أمن الدولة أن أولاده المخطوفين عادوا إلى بيته، وأدار خصمه ظهره قتله من الخلف، بعد أن كان يتوسل ويرتدي مسوح الضحية، وترك صناع العمل النهاية مفتوحة، من خلال مشهد آخر في حديقة يتنزه فيها هذا الشاب المضطهد وحبيبته، وأسرته وأصحابه في انسجام، فلا ندرى هل هو مات حقا، وأنتهت رحلة بحثه عن حقه وحريته إلى لا شئ، بل وخسارة حياته، أم أنه تعافي وفتحت له الدنيا ذراعيها.

ومواصلة الخصم من رصيدها الطويل‎

عن القدس العربي


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى