الاثنين ٣ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٢

المجلس الوطني الفلسطيني والتمسك بالميثاق

غازي حسين

لم يكن أحمد الشقيري مؤسس منظمة التحرير الفلسطينية في القدس عام 1964 على خطأ عندما وضع مشروع الميثاق القومي وأقره المجلس الوطني الأول، وذلك لأنه انطلق من حقائق تاريخية وقانونية وواقعية أكدت على أن فلسطين وطن الشعب العربي الفلسطيني وجزء لا يتجزأ من الوطن العربي وعلى بطلان وعد بلفور وصك الانتداب وتقسيم فلسطين وقيام "اسرائيل" ورفض الاعتراف بها والتعايش معها والتمسك بتحرير كامل التراب الفلسطيني المغتصب بالكفاح المسلح ورفض المشاريع الرامية لتصفية قضية فلسطين، واعتبار الصهيونية حركة عنصرية، والمستعمرون اليهود دخلاء عليها غرباء عنها جاؤوا من وراء البحار.

وجاء بعده ياسر عرفات و غير الميثاق مرتين: الأولى عام 1996 والثانية عام 1998 في غزة بحضور الرئيس الأمريكي بيل كلنتون استجابة للمطالب الاسرائيلية والإملاءات الأمريكية. وكان المجلس الوطني قد فقد دوره النضالي منذ الدورة الثانية عشرة بسبب فردية واستبداد عرفات وهيمنة فتح على منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها وأموالها، ولأن عرفات كان يقوم بتشكيله وبالتالي وضعه في جيبه المليئة بدولارات النفط العربية، ولم تجر عملية انتخاب المجلس الوطني بالطرق والأساليب الديمقراطية حتى يومنا هذا.

وافق المجلس الوطني في عامي 1996 و 1998 على إلغاء الميثاق بعد أن فقد شرعيته ودوره وحيويته وواجباته بالمحافظة على الميثاق والالتزام به وتطبيقاً لالتزام عرفات باتفاقات الإذعان التي وقعها في أوسلو والقاهرة وواي بلانتيشن.

تنص المادة السابعة من النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية على أن: "المجلس الوطني هو السلطة العليا لمنظمة التحرير وهو الذي يضع سياسة المنظمة ومخططاتها وبرامجها".

ولعب المجلس الوطني في دوراته الأولى كافة باستثناء دورته الانشقاقية في عمان دوراً هاماً في إبراز الكيان الفلسطيني وبلورة الشخصية الفلسطينية المناضلة وتدعيم النضال الفلسطيني المسلح. وحافظ على الميثاق، كما دعم مبادئ ومنطلقات منظمات المقاومة السياسية والعسكرية. وعندما رسخت دورة المجلس الوطني في عمان الانشقاق والانحراف انحرفت منظمة التحرير وكافة المؤسسات التي انبثقت عنها. وانحرفت سياسة م.ت.ف ومخططاتها وبرامجها، وخرجت عن أهداف الميثاق الوطني والوحدة الوطنية ومنطلقات الثورة الفلسطينية. وانخرطت م.ت.ف في التسوية بالرعاية الأمريكية والتي تمت في أحضان نظام كامب ديفيد بقيادة الرئيس المخلوع حسني مبارك. ووقعت اتفاق عمان عام 1983 الذي نص على الكنفدرالية مع الأردن وإعلان القاهرة عام 1986 الذي أدان عمليات المقاومة ضد "اسرائيل".
تنص المادة الثامنة من النظام الأساسي لـ "م.ت.ف" أن "مدة المجلس الوطني ثلاث سنوات، وينعقد دورياً بدعوة من رئيسه مرة كل سنة أو في دورات غير عادية..." وبالتالي تنص على انعقاده دورة واحدة سنوياً.

انعقد المجلس الوطني في السنوات العشر الأولى أي من 1964 – 1973 في (11) دورة، وانعقد من 1974 – 1983 في خمس دورات، وانعقد من 1984 – 1993 في أربع دورات ومن 1993 – 2005 في دورة واحدة ودورتين في عام 1996 و1998 لإلغاء الميثاق تحقيقاً لإملاء الرئيس الأمريكي المتصهين كلنتون، وبالتالي جرى عزله وإضعافه تطبيقاً للالتزامات الواردة في اتفاقات الإذعان الفلسطينية الاسرائيلية، ولصالح المجلس التشريعي الذي انبثق عن اتفاق الإذعان في أوسلو لإدارة الظروف الحياتية للسكان في الضفة والقطاع.

لعب المجلس الوطني منذ دورته الأولى وحتى دورة الجزائر عام 1988 دوراً أساسياً في بلورة أهداف الثورة وتقوية م.ت.ف ومؤسساتها فالمجلس الوطني الأول هو الذي أقر الميثاق والنظام الأساسي لـ م.ت.ف ونظام الصندوق القومي وتأسيس جيش التحرير الفلسطيني. وهو الذي تصدى لبداية الانحراف العربي في دورته الثانية عندما أدلى الحبيب بورقيبة بتصريحاته في أريحا عام 1965 حول الصلح مع العدو الصهيوني واعتبرها خيانة عظمى.

وجاء في القرارات السياسية للدورة الثانية حول تصريحات بورقيبة ما يلي:
"يعلن المجلس الوطني الفلسطيني أن تصريحات الحبيب بورقيبة خيانة عظمى للقضية الفلسطينية وخروج على الإجماع العربي، وافتئات على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره".

وتصدى في دورته الثالثة للنظام الأردني عندما قام باعتقال عدد من العاملين والمسؤولين في منظمة التحرير بتاريخ 3/1/1967 وأغلق مكاتب منظمة التحرير في القدس في 5/1/1967، وسحب اعترافه بمنظمة التحرير في 26/1/1967.

وتابع المجلس الوطني تصديه لبدايات الانحراف العربي عندما وافق النظام الأردني على قبول قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242، وتمسك المجلس الوطني الفلسطيني بقرارات مؤتمر القمة العربي الرابع في الخرطوم بتاريخ 29/8/1967 وقرر رفض التفاوض أو الصلح أو الاعتراف بالعدو الصهيوني.

وقرر المجلس الوطني في دورته الرابعة عام 1967 تغيير اسم الميثاق القومي إلى الميثاق الوطني بناء على اقتراح من حركة فتح، كما تمت الموافقة على تقليص أعضاء المجلس من 500 عضو إلى مئة عضو، وفصل رئاسة المجلس الوطني عن رئاسة اللجنة التنفيذية وإنقاص أعضاء اللجنة التنفيذية للمنظمة إلى أحد عشر عضواً يتولى المجلس الوطني انتخابهم من بين أعضائه. وجاء في القرارات السياسية للدورة الرابعة في 17/1/1968 مايلي:

أولاً- الهدف هو: تحرير الأرض الفلسطينية بكاملها وممارسة سيادة الشعب العربي الفلسطيني عليها.

ثانياً- الأسلوب: لقد اختار الشعب العربي الفلسطيني الكفاح المسلح أسلوب نضال لاسترداد أراضيه وحقوقه المغتصبة.

ونجح المجلس الوطني في دورته الخامسة التي انعقدت في شباط 1969 توحيد فصائل المقاومة داخل منظمة التحرير أي في إطار منظمة التحرير (باستثناء الجبهة الشعبية التي انضمت فيما بعد) ووضع المجلس خطة لتوحيد العمل الفدائي والجباية المالية وتصعيد المقاومة وتقوية جيش التحرير، وأدان البيان الصادر عن المجلس بشدة قرار مجلس الأمن رقم 242. وتضمن البيان السياسي الصادر عن المجلس في دورته الخامسة مايلي:

"يؤكد المجلس أن القضية الفلسطينية هي ملك الشعب الفلسطيني، وأن الشعب الفلسطيني بالقدر الذي يتمسك بحقه المقدس بكامل وطنه فلسطين، ويؤكد بنفس الدرجة وبمنتهى العزم والتصميم رفضه الكامل لكل التدخلات والسياسات العربية والدولية التي تنتقص من حقه في وطنه وفي ملكيته لقضيته، ويرفض كافة أشكال الوصاية أو التبعية أو التدخل العربي الرسمي والدولي في شؤون القضية الفلسطينية وحركة المقاومة الصاعدة".

وانعقدت الدورة السادسة للمجلس في بداية أيلول 1969 وجاء في البيان الختامي الصادر عن الدورة أن "هدف الثورة الفلسطينية هو تحرير كامل التراب الفلسطيني تحريراً شاملاً وإقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية البعيدة عن كل أشكال التمييز الديني والعنصري".

وانعقدت الدورة السابعة للمجلس بتاريخ 30 أيار 1970 وانتهت في 4 حزيران 1970 وجاء في بيانها الختامي مايلي: "نظراً للتحركات الأخيرة التي جرت في الموقف الدولي من جانب الامبريالية العالمية ومن جانب العدو الصهيوني لفرض الحلول السلمية التصفوية.. فقد قرر المجلس بعد تأكيد رفضه القاطع لكافة الحلول التصفوية دعوة الجماهير العربية كلها والفلسطينية بشكل خاص إلى تصعيد النضال إلى أقصى حد ممكن ضد القوى المعادية لها.
وعقد المجلس دورة استثنائية في 27/8/1970 في مخيم الوحدات في عمان على أثر موافقة النظام المصري والأردني على مبادرة روجرز. وجاء في قراراتها ما يلي:

"إن المجلس الوطني وهو يشير إلى قراراته في دورات انعقاده الرابعة والخامسة والسادسة بشأن رفض قرار مجلس الأمن رقم 242.. وأكد أن تحرير فلسطين وباقي الأراضي العربية المحتلة لا يمكن أن يتحقق بغير الكفاح المسلح وحرب الشعب طويلة الأمد، يعلن اليوم رفضه القاطع ومقاومته الحازمة للمؤامرة الأمريكية المسماة خطة روجرز.. ويرى المجلس أن المقترحات الأمريكية تتضمن: أ-التنازل عن جزء من الأرض الفلسطينية العربية لمحتل غاصب لأول مرة في التاريخ العربي والإسلامي.

ب-الاعتراف بشرعية العدو المحتل والتسليم بالقهر الصهيوني الامبريالي الذي يقع على شعب فلسطين العربي وتكريس وجود هذا العدو في جسم الوطن العربي.

ج-تصفية الوجود الفلسطيني ومعالجة قضية شعب فلسطين مرة ثانية كمشكلة لاجئين ومحاصرة كل تطلع فلسطيني للثورة والتحرير.

وانعقدت الدورة الثامنة للمجلس بتاريخ 28/2/1971 وانتهت في 5/3/1971 بالقاهرة، وجاء في برنامج العمل السياسي الذي أقره المجلس ما يلي:

"إن الحل الوحيد للقضية الفلسطينية هو تحرير التراب الفلسطيني كاملاً بقوة الكفاح المسلح وعلى ذلك فإن الحل التصفوي أو أيه حلول أخرى يمكن أن تمس الحقوق الطبيعية والتاريخية للشعب الفلسطيني في وطنه كاملاً هي حلول مرفوضة من أساسها وهنا تعلن الثورة الفلسطينية التزامها المبدئي الصارم بما يلي:

أ-النضال دون هوادة ضد جميع المحاولات والمساعي والمؤامرات والقوى التي تستهدف وقف مسيرة الثورة أو عرقلتها أو حرفها عن غاياتها كذلك ضد جميع مشاريع التصفية تحت أية صيغة جاءت.

ب-الوقوف بحزم ضد دعاة إقامة دويلة فلسطينية فوق جزء من التراب الفلسطيني وعلى اعتبار أن السعي لإقامة مثل هذه الدويلة إنما يقع في نطاق تصفية قضية فلسطين.
وانعقدت الدورة التاسعة في القاهرة من 7-13 تموز 1971 وجاء في قراراتها حول التسوية السياسية ما يلي:

1-التمسك الكامل بالحقوق الكاملة للشعب الفلسطيني في تحرير أرضه عن طريق الكفاح الشعبي المسلح، وتجديد الرفض الحاسم لجميع الحلول السلمية والاستسلامية والمشاريع التي تتعرض للحقوق الطبيعية والتاريخية للشعب الفلسطيني بما في ذلك قرار مجلس الأمن رقم 242 ومشاريع روجرز المتعاقبة.

2-التصدي بحزم لجميع المخططات التآمرية ومساعي القوى المضادة لعرقلة مسيرة الثورة وحرفها عن أهدافها في تحرير التراب الفلسطيني كاملاً.

ودعت اللجنة التنفيذية للمنظمة إلى عقد الدورة العاشرة (استثنائية) يرافقها مؤتمر شعبي يضم أبناء فلسطين في كافة أماكن تجمعهم من 6-12 نيسان 1972 لإحباط المؤامرات والمشاريع التي تستهدف تصفية قضية فلسطين ابتداء بمؤامرة الانتخابات البلدية في الأراضي الفلسطينية المحتلة وروابط القرى وانتهاء بمشروع المملكة العربية المتحدة، ومؤكداً استمرار الكفاح الفلسطيني المسلح، ومقرراً بأن م.ت.ف هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، كما أكد المؤتمر على ضرورة تحقيق الوحدة الوطنية منطلقاً لتصعيد الكفاح المسلح حتى يتحول إلى حرب تحرير شاملة.

وعقد المجلس الوطني دورته الاعتيادية الحادية عشرة في 6 كانون الثاني 1973 في وقت اشتدت فيه الهجمة الامبريالية الصهيونية لتصفية قضية فلسطين. وأكد المجلس على خط الثورة في الكفاح المسلح وحرب التحرير الشعبية الطويلة المدى، رافضاً الحلول المطروحة جملة وتفصيلاً على اعتبار أنها تستهدف تصفية القضية وفرض السلم الامبريالي الاسرائيلي. وأكد المجلس أن الارتباط القائم بين م.ت.ف وحركة التحرر العربية تفاعل عضوي ضمن جسم الثورة العربية الواحدة.

وأكد على ضرورة تحقيق الوحدة الوطنية بين جميع فصائل المقاومة، تلك الوحدة التي أصبحت مطلب جماهير أمتنا العربية كلها.

غازي حسين

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى