الاثنين ١٧ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٢

كلمة منسق المؤتمر القومي الإسلامي منير شفيق

أيها الأخوة والأخوات

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بداية أزجي الشكر لمؤسسة الفكر الإسلامي المعاصر للدراسات والبحوث، ولمركز دراسات فلسطين والعالم، ولمركز الزيتونة للدراسات والإستشارات بدعوتي للمشاركة في هذه الندوة الهامّة.

اندلاعُ الثورتين التونسية والمصرية ونجاحُهما السريع وانتشارُ مناخٌ شعبي ثوري عام من المحيط إلى الخليج جاء مفاجأة على كلِّ مستوى، ابتداءً من الذين بادروا في النـزول إلى الشوارعِ والميادين، ومروراً بالأنظمة المعنية والأنظمة العربية الأخرى، وانتهاءً بالدول الكبرى، ناهيك عن المنظرين والمثقفين بعامة.

سمةُ المفاجأةِ هذه ساعدت الثورتين على الإنتصار السريعِ إلى جانب ظروف ومعطيات داخلية وخارجية مؤاتية.

على أن ما حدث هنا يجب أن يوضعَ تحت ضوء القراءة العلمية المتعلقة بسنن التغيير.
إن انتهاء العشريةِ الماضيةِ التي سبقت اندلاع الثوراتِ اتَّسَمَ بدخول الإحتلال الأميركي للعراق في المأزقِ والفشل بفضلِ المقاومةِ بدايةً. كما اتَّسَمَ بما حقَّقَهُ الإنتصارانِ المدَّوِيان التاريخيان للمقاومتينِ اللبنانيةِ والفلسطينية في حربيْ 2006 على لبنان و2008/2009 على قطاع غزة. وأضف اتجاهَ الإحتلال الأميركي لأفغانستان نحو التهاوي بفضل المقاومة أيضاً.

وبكلمة، أدّى فشلُ المشروعِ الأميركيِ الصهيونيِ لإعادةِ صَوْغِ ما أسموه بـ"الشرق الأوسط الجديد" إلى حدوث اختلالٍ كبيرٍ في ميزانِ القوى في غير مصلحةِ أميركا والكيان الصهيوني.
وقد صحبَ ذلك منذ 2008 اندلاعُ أزمةٍ ماليةٍ أطاحت بمقولات العولمـةِ وهزّت أُسُسَها، ورمت كُبرى شركاتها وعمالقةَ بنوكِها أرضاً. مما أسهمَ في إرباكِ الغرب وإضعاف سيطرتهِ العالميةِ ووقوعِهِ في أزمةٍ خانقةٍ سياسية واقتصادية وعسكرية وأخلاقية وحضارية.

وصحبَ هذا المتغيّرَ الكبيرَ بروزُ أقطابٍ كبرى عالمية: روسيا والصين والهند. وأخرى إقليمية تعاظمَت أدوارُهما السياسية والإقتصادية: إيران وتركيا والبرازيل وجنوبي أقريقيا وماليزيا، وأخرى ممانعة: سورية وفنـزويلا وبوليفيا وكوبا.

هذه المعادلة مع نهاية العشريةِ الماضيةِ عكسَتْ نفسَها سلبياً على دول الإعتدالِ العربيّ وفشَلِ رهاناتِها على أميركا، ولا سيما مصرُ وتونس. وقد تلاقى مع دخولِ النظاميْنِ مرحلةَ الشيخوخَةِ والتفسّخ إلى حدِّ الغرقِ في الفِسْقِ والفُجور.

وبهذا أصبح الطريقُ مُمَهَداً لاندلاعِ الثورة ونجاحِها سواءً أكان من ناحيةِ ميزان القوى العالمي والإقليمي والعربي، أم كان على مستوى الداخل في البلدين.

وهذا هو الذي يفسّرُ الإنتصاريْن الكبيرين اللذين وقعا بإذن الله ونصره. وذلك بعد أن استُكمِلت شروطُ التغيير، أو قُلْ سننُ التغيير.

من هنا فإن قراءة هذه الثورات ومآلاتِها تقضي باستحضارِ موازين القوى وشروطِ التغيير. فالتغيير ينضُجُ عندما تأخذ القوى المسيطرةُ خارجياً وداخلياً بالتصدّع. وتنمو قوى جديدة لتصعَدَ، ويشتدُّ ساعِدُها، لتوجّه الضربة القاضية من خلال الشعب في الميادين. فينصُرها ربّ العالمين.

وبعد النصرِ الأول دخلت الثورتان في مرحلةٍ انتقالية فريدة شديدةِ الخصوصية: فمن جهةٍ خرجَ الشعبُ منتصراً مصمماً على مُواصلةِ ثورتهِ وتحقيقِ أهدافِها، ومن جهة ثانية، بقي الجيشُ وقواتُ الأمنِ ومرتكزات النظام السابق. أما من الجهة الثالثة، فقد أخذت مختلفُ القِوى العربيةِ والإقليميةِ والدوليةِ تصحو من المُفاجأةِ والصدمة، لتدخلَ الصراعَ من جديد، وتفتحَ التطورات على أكثر من احتمالٍ واتجاه. ثم راح يترسّخُ شبهُ إجماعٍ على النظام الديمقراطي والإحتكامِ إلى صناديقِ الإقتراعِ في عمليةِ التداول على السلطة.

الإحتكام الأولُ إلى صناديق الإقتراع أعطى الإسلاميين، ولا سيما الإخوانِ أغلبيةً، كما أعطى القوى القوميةِ والوطنيةِ واليساريةِ قوةً مقدّرةً قابلةً للتوسّع، وأبقى في مصر لقوى النظامِ السابقِ قوةً ما ينبغي الإستهانةُ بها. فالمرحلةُ الإنتقالية أصبحت محكومةً، كما يبدو حتى الآن، بالإحتكامِ إلى صناديق الإقتراع، كما بشارعٍ متعدّد نشطٍ جداً. كما فُتِحَت أبوابُ الصراعاتِ المختلفةِ على مصاريعِها، داخلياً وعربياً وإقليمياً وعالمياً.

من هنا فإن التحدّياتِ التي راحت تُواجِهُ الشعبَ وقواهُ الحيّةِ ولا سيما الحكوماتِ الجديدةِ بقيادةِ الإخوان المسلمين، والإئتلافية نسبياً، لا حصرَ لها. وقد أخذ يبرز على السطح منها التحديّاتُ الإقتصاديةُ المتغلقةُ بالبطالةِ والفقرِ، ناهيك عن وعودِ التنميةِ والنهوضِ وتحقيقِ العدالةِ الإجتماعية. علماً أن التحدّي الإقتصادي من حيث الأهمية والأولوية يأتي في المرتبة الثالثة بعد الصراع حولَ بناءِ نظامِ حكمٍ جديد وترسيخ دولةٍ مدنيةٍ، كما بعد تحديّات الخارجِ وإشكاليات تجاوز التجزئة العربية ومواجهة الكيان الصهيوني.

ومع ذلك لا بأسَ من أن نبدأ بالإشكال الإقتصادي وإلقاء بعض الملحوظات عليه:

 ماذا نفعل بالنظامِ الإقتصادي النيوليبرالي الموروث من العهد السابق، والمرتبطِ بالعولمةِ واتفاقاتٍ دولية مع أميركا وأوروبا فضلاً عن القروضِ والديون؟

 من أين تُوفَرُ الإمكاناتُ الماليةُ العاجلةُ التي تسمح بالتخفيف من البطالةِ وبإنهاضِ الإقتصادِ. ومن ثُمّ تصحيح الإختلالِ الموروثِ في عجز مُوازنات الدولة؟

 كيف يمكن أن تتحققَ وعودُ العدالةِ الإجتماعيةِ ووعودُ النهضةِ الإقتصاديةِ الإنتاجيةِ والعلميةِ والمعرفية؟

هذه أسئلةٌ أوليّةٌ لا يستطيع أن يجيب عنها التيارُ الذي يعتمدُ النظام النيوليبرالي مع محاربةِ الفسادِ تحت الَوَهْمِ أن ذلك هو طريقُ التنمية، وجلبُ الإستثماراتِ ومن ثمّ يخفف من البطالة. وهذا التيار من بين الإسلاميين خصوصاً لم يَدرُسْ النتائجَ الوخيمَةَ للنظام النيوليبرالي على نظاميْ تونس ومصر السابقين. ولم يلحظْ أن النظامَ النيوليبرالي والرأسمالية العولمية العالمية يخالفان أخلاق الإسلام ومقاصده العليا ونظرياته في الاقتصاد.

وهذه الأسئلة لا يستطيع أن يجيب عنها التيار اليساري الذي ينقد، وبحق النظام الاقتصادي النيوليبرالي، عندما يأتي إلى السؤال هل هو المطلوب إسقاطه فوراً، كما كان الحال مع الثورات الاشتراكية سابقاً. ماذا يحدث إذا تولّدّ عنه هروب رؤوس الأموال المستفيدة منه، تعطُّل للإنتاج ولكثير من الخدمات، وإذا تقطعت أواصر العلاقات الاقتصادية القائمة مع الغرب؟

ولا يستطيع أن يجيب عنها من يعتمدون نظريات الاقتصاد الإسلامي كما عبر عنها كتاب "العدالة الاجتماعية" لسيد قطب أو كتاب "اقتصادنا" للسيد محمد باقر الصدر. لأنها طُرحت لتُطبقَ في إطار مجتمع ونظام سياسي غير ما هو سائد، بعد انتصار الثورتين في المرحلة الانتقالية. ولكن تلك النظريات يجب أن تظل حاضرةً في عملية البحث عن الإجابة على كل الأسئلة.

المقترح هنا: أن يُتركَ النظام النيوليبرالي يعملُ وكذلك الاتفاقات السابقة لكي لا تُعطل الحياة الاقتصادية، وتجنباً لأزمة اقتصادية لا يتحملها نظام يعتمد الاحتكام لصناديق الاقتراع، ولا يتحملها نظام يطلق حريةَ الإعلام والأحزاب وحق التظاهر والإضراب.

فالتجارب الاشتراكية الجذرية في موقفها من الرأسمالية لم تكن واقعة تحت سيف الاحتكام لصناديق الاقتراع أو إطلاق الحريات على اختلافها. فكانت تحتمل أشد ألوان الضيق الاقتصادي على الناس.

إن الإبقاء على النظام النيوليبرالي عاملاً، والانفتاح على الرأسمالية العالمية يجب أن يصحبه، وبموازاته، نظام اقتصادي جديد، يتأسّس على مبادئ الاقتصاد الإنتاجيّ والتعاونيّ والجماعيّ، وعلى مبادئ العدالة الاجتماعية، وعلى ضرورة تدخل الدولة في مساعدة المجتمع على بناء اقتصاده والإفادة من الأوقاف بعد تحريرها من الدولة ومن الزكاة والصدقات باتجاه إنتاجي (جزئياً على الأقل). كما يجب أن يصحب الانفتاح على الغرب، انفتاحٌ على دول العالم الأخرى ولا سيما في العالم الثالث. والأهم السعي لبناء تعاون اقتصادي عربي وسوق عربية مشتركة، وسوق إسلامية مشتركة، مع التأكيد بأن مواجهة التحديات الاقتصادية لا يمكن أن تحل في الإطار القطري إذا لم ترتبط بالإطار العربي، فالإسلامي، فالعالم الثالث، وما لم تقم على أساس الاستقلال وتحرير الإرادة من الهيمنة الخارجية.

فالمطلوب في المرحلة الانتقالية أن يقوم نظامان تحت سقف واحد وأن يتعايشا ويتنافسا، فيما تتدخل بينهما حكومة توازن بينهما بالرغم من انحيازها لصغار المنتجين وللعمال والفلاحين والمشاريع التعاونية. إلى جانب دورها العربي – الإقليمي – الدولي.

والآن، سأتجاوز إشكالَ الصراعِ لترسيخ نظام جديد ووضع دستور جديد، وإقامة دولة مدنية، والحيلولة دون عودة إنتاج الأنظمة السابقة. وذلك بسبب خصوصية هذا الإشكال بالنسبة إلى كل حالة.

ولهذا سأمرّ سريعاً وباختصار حول:

1 – الثورات والعلاقة بالغرب والقضية الفلسطينية.

اتجهت الحكومات الجديدة في المرحلة الانتقالية إلى طمأنة الغرب وتهدئة الصراع معه وتجنب الاحتكاك به، بسبب القضية الفسطينية، وذلك لأسباب تتعلق بظروف أولويات المرحلة الانتقالية.
وفي المقابل، راحت أميركا وأوروبا تهادنان الثورات وقياداتها المنتخبة، وذلك بسبب ضعفهما وارتباكهما. وقد عجزتا عن نصرة حليفيهما المُطاحِ بهما.

تلاقى الطرفان عند الحاجة إلى المهادنة المتبادلة، وكلاهما سيسعى لأهدافه المناقضة للآخر من خلالها. ومع ذلك انطلق اتجاهان داخل كل طرف: أحدهما مع هذه المهادنة، وثانيهما ضدها أو يضع مجموعة من التحذيرات خوفاً منها.

وتميّز الطرف المعارض من داخل الثورات بالتشكيك في القوى التي سلكت ذلك الطريق إلى حد الاتهام الظالم ببيع نفسها لأميركا، والتخلي عن القضية الفلسطينية.

وبهذا تكون المرحلة الانتقالية تواجِهُ عواصفَ ومخاطر وصراعات داخلية. ولهذا فإن ما ستلجأ إليه الحكومات التي بقيادة الإخوان المسلمين، وكذلك الحال بالنسبة إلى القوى السياسية بعامة، سيتقرر ويتطور في ظل الصراعات الداخلية حيث أطلقت الثورات كل المكوّنات الاجتماعية والسياسية والفكرية، كما في ظل إعادة القوى العربية والإقليمية والعالمية تنظيم أنفسها، أو هي في طريقها إلى ذلك. مما سيزيد من حدّة الصراعات الداخلية والإقليمية والخارجية.
ولهذا فإن كل من تحدثوا عن ربيع عليهم أن ينسوا هذا الوصف الفج والسطحيّ والمضلّل. وكل من يظن أنه ثمة قوة أو حزباً حتى لو فاز في الانتخابات يستطيع أن يفرض برنامجه وآراءه يجب أن يعيد حساباته على ضوء معادلة الصراعات القائمة والآتية. وما يمكن أن يتشكّل من توافقات وما ينشأ من محصّلات. وهذا ما ينطبق على الصراع حول الدساتير والخيارات الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية للدولة.

ومن هنا فإن كل ما ستتحاوَر حوله ندوتُنا وما يمكن أن يستقرّ من خيارات سوف يذهب في التطبيق إلى عالم الصراعات والعواصف والعقبات من جهة، كما إلى دنيا التفاهمات والتوافق. فلا مجال لتيارٍ بعينه ومهما كانت قوّته الانتخابية، إذا ما أراد أن ينجح، أن يفرض تصوّراته حول موضوع الدولة المدنية ودستورها أو مصادر التشريع، أو شكل النظام الاقتصاديّ، أو قضية الأمن القومي، أو تقاليد التعددّية السياسية، وعلاقة الأغلبية بالأقلية، والأقلية بالأغلبية.
ولنتذكر أن ما من حاكم أو حزب يستطيع أن يفرض برنامجه إذا كان بحاجة إلى أمدٍ طويل من الحكم مثلاً عشر سنوات. لأنه سيكون على باب انتخابات كل أربع أو خمس سنوات.

2- حول القضية الفلسطينية

استنتج الكثيرون في أثناء اندلاع الثورات، ثم خلال المرحلة الانتقالية أن القضية الفلسطينية استبعدت من الأجندة. ولكن هل هذا الاستبعاد، إن جاز التعبير، يعني أن الثورات العربية وتداعياتها، وضعت قضية فلسطين على الرف؟ أما الذي حدث فهو وضع الأولوية لنجاح الثورة، ثم لخوض المرحلة الانتقالية بنجاح. ومن ثم يأتي التصدي لقضايا استراتيجية مثل القضيةِ الفلسطينبة، والسير على طريق التعاون العربي، وتحقيق الأمن القوميّ، والسوق العربية المشتركة. لقد حدث مثلُ هذا في التجربة التاريخية المعاصرة للحركات القومية والوطنية والاسلامية منذ 1948 حتى اليوم.

فد كانت القضيةُ الفلسطينيةُ حين تتقدمُها أولوياتٌ أخرى كامنةً تتهيأُ للانطلاق. وهي الآن في الحالة نفسها.

ولهذا أرى أن قراءة علاقة الثورات بالقضية الفلسطينية، أو الكيان الصهيوني، أو مستقبل الاتفاقات المعقودة معه، أو قضايا المقاومة ودعم الشعب الفلسطينيّ، أو اتجاهات العلاقات بأميركا والغرب عموماً كما الدول الكبرى الأخرى، يجب أن يُبحث على مستويين.

المستوى الأول: قراءة الواقع العياني للمواقف خلال المرحلة السابقة حتى اليوم وهو بحث لا مجال للاختلاف حوله عدا في استبعاد الشائعات.

أما المستوى الثاني فهو تحليل ذلك الواقع، وكيفية الاستنتاج المستقبلي منه. وهنا سيُفتح باب الاختلاف على مصراعيه. فالبعض استنتج أن الإخوان المسلمين في مصر وتونس مثلاً نفضوا أيديهم من القضية الفلسطينية أو المقاومة، وانشغلوا في شؤون إدارة الحكم. الأمر الذي يسحب نفسه على المستقبل بنظرهم.

أما البعض الآخر، وأنا أؤيده، فلا يفسّر ما جرى في أثناء الثورات من تركيز على إسقاط النظام ورأسه، ثم ما جرى من تصدٍ للقضايا التي طرحتها المرحلة الانتقالية يُمثل نفضاً لليد من القضية الفلسطينية، أو يمثّل نهاية المطاف للعملية الثورية. فالذي حدث يمثل من جهة تنظيماً للأولويات، ولا يمثل السقف النهائي للعملية التاريخية الجارية، وإنما هو محطة من محطاتها. ومن ثم يمكن التوقع بأن قادم التطورات سيتجه إلى اندلاع الصراع مع العدو الصهيوني، وإلى تبني القضية الفلسطينية والمقاومة ودعم الشعب الفلسطيني.

اختلافُ وجهتيْ النظر هنا لا يُحسَمُ الصوابُ والخطأُ فيه إلاّ من خلال المستقبل، وما سيحدث من تطورات، وتتخذه مختلفُ القِوى من مواقِف وقرارات.

بكلمة، ما ينبغي لنا تجميد الصورة الراهنة وبناء كل التوقعات عليها.

فالثوراتُ في حالة عملية تاريخية تطوّرية متواصلة، وستكونُ متعّرجةً ومعقّدةً ومتعددةَ الأوجُه. فهي ليست حالةً راكدةً بلغت سقفها، وأعطت كلَّ ما عندَها. ولا يمكن أن يقاس مستقبلُها بحاضرِها. ومن ثم توقُع الأسوأ.

وأخيراً ثمة محذور يجب الإنتباهُ إليه. وهو ضرورةُ إسهامِ الجميعِ بسدِّ الأبواب في وجهِ الفتنةِ السنية-الشيعية. وهنا ثمة ضرورة لتفاهم إيراني-مصري لدرء هذه الفتنة. وهنالك دور لا بدّ أن تقوم به حماس وحزب الله وحركة الجهاد يداً واحدة لدرء هذه الفتنة.

وتأكدوا إذا ما نجحنا في هذا ، فلا مجال لتشاؤمٍ، أو عدم توقع تطوراتٍ إيجابيةٍ باتجاهِ وحدةِ الأمّةِ ونُصرةِ القضيةِ الفلسطينية. فالمخاوف والكوابيسُ يجب أن تكون من نصيبِ الصهيونية وقياداتِ الغرب الإستعماري، عندما يُقوّم الوضعُ الجديد الذي شقّته ثورتا مصر وتونس، وخصوصاً مصر. وعندما ننجو من الوقوع في الفتنةِ ستصبح جبهتنا مع التفاوت، متراميةَ الأطراف.

وختاماً أودّ أن أضع مسؤولية خاصة على سلطة رام الله وأجهزتِها الأمنيةِ في عدم تحركِ الضفةِ الغربيةِ في انتفاضةٍ شعبيةٍ ثالثة ضدّ الإحتلال والإستيطان وضدّ تهويد القدس، وتهديد المسجد الأقصى. ولولا هذا الدور المدمّر، لما سألَ أحدٌ عن علاقة الثورات بالقضية الفلسطينية التي عليها بدورها أن تفرض نفسها على الأحداث وتُصحّح كل بوصلة تنحرف عنها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى