السبت ١٣ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٢
بقلم مصطفى أدمين

الفتوى النملية

تعرفون قصة النبي سليمان عندما أمرَ جنودَه بعدم سحق قطيع من النمل كان في طريقهم، وتحدّث النبي مع نملة وتحدّث معه. وكلـّكم رأى في هذه الواقعة العجيبة معجزة تثبتُ صدق نبوّة سليمان. الكلُّ قرأ (ويقرأ) هذه الحكاية بهذا الشكل؛ غير أنّني صرتُ أقرأها بشكل مختلف بعدما شاهدتُ في إحدى القنوات الفضائية دكتورا محترما وهو يقول بهدوء وبيقين المتيقـّن بأنّ النملة تكلمتْ مع النبي بنفس الكلام الذي نتكلّمُه نحن البشر، وليس بكلام مرموز لا يقدر على فهمِه سوى بعض الأنبياء.

فاستنهضتُ قامتي إلى جاري السيد (م.أ) وهو عالم بيولوجيا، وطلبتُ منه أن يخبرني بالمكونات العضوية والتشريحية للنملة وسلوكها الاجتماعي وأشكال تدبيرها للاقتصاد وللشأن العام، فقال لي:«النملة حيوان من عائلة الحشرات لكونها تتوفر على ستة أرجل ممفصلة، وجسمها مجزّأ إلى ثلاثة أجزاء: رأس وصدر وبطن، ولها قرون استشعار منكسرة، ونأشيرات تعَضّ ُ بها وتحمل بها الزاد والموتى والقتلى منها، وليس لها شفاه أو أسنان أو حنجرة أو رئة مما يجعلها قادرة على استنشاق الهواء ولفظِه على شكل كلام.» وأضاف «نظام الحكم في دولة النمل نظام ملكي اشتراكي ديمُقراطي عادل، والكلّ ُ يؤدي مهامّه بإخلاص وتفاني، ولا وجود ـ في النظام النملي ـ لرشاوى وسرقات وزبونية ومحاباة أو انقلاب.»

نظرتي الآن هي أن دكتور الفضائية ذلك جاهل، وأنّ الاعتبار ليس بقدرة نبي على مخاطبة نملة، بل بقدرة نملة على مخاطبة رجل بلغته. ولستُ أدري أية لغة تحدثتْ بها النملة؛ هل هي السريانية أم الكنعانية أم العربية أم لغة أخرى (؟).
وبغض النظر عن كون النمل لا لسان له، فإنّي أحكم بأن معجزة مخاطبة النملة لواحد من أنبيائنا المحترمين أعظم من معجزة مخاطبة هذا النبي لتلك النملة.

في اعتقادي ـ الآن ـ أنّ النملة التي استوقفتْ النبي وجنودَه ما كانتْ سوى نبيـّة ً من أنبياء الله، ولكي تثبت لقومها صدق نبوّتِها، قامت بمخاطبة البشر بلغتهم. وعليه، يجب علينا أن نؤمن بنبُوّة الحيوانات وبمرسوليتهم لأقوامهم. الأمر صعب وسهل؛ وباستطاعتنا أن نفهم هذا الوجوب وأن نتقبـّله، ذلك لأن بعض الحيوانات ستدخل الجنّة لاعترافها بالخالق ولدفاعها عن الأنبياء (البشريين) ولخدمتها للبشر؛ ومنها العناكب والحمام (لكونها أخفتْ وحمَتْ نبيّنا)، الخيل (لكون الخير معقود على نواصيها)، النّوق (لما استحملت النبي)، الخـِراف والنعاج والماعز والبقر ووحيش الصيد (لما أطعمتْ وألبسَتْ بني آدم)، والدّيكة (لأنّها تعلن عن الصبح لكي يقوم المؤمنون للصلاة)، وطير أبابيل (لأنّها ساندت المؤمنين في حربهم على المشركين لمّا سلكتْ سُلوك طائرات الـ (ف. 16 ) وأرسلتْ عليهم النيران المتفجّـِرة)، والنحل (لأنـّه مذكور في الكتاب)، والكبش وذرّيته (لأنـّه افتدى بروحه روح ولـَد نبيِّنا إبراهيم)...

وأمّا الحميرُ فمأواها جهنّم (لأنّ أصواتـَها مُنكرة وتأتي الفاحشة بأعضائها الحمارية تلك، وتفزع الأطفال بنهيقها في كلّ وقت)، والخنازيرُ (لأنها قذرة ولأن صوتها وهي تُذبح شبيه بصوت الإنسان)، والقردة (لأنها تشبّهتْ بالإنسان ولأنّها انحازت إلى صفّ ذلك اليهودي داروين وصفـّقتْ له عندما قال بأنّ الإنسان ينحدر منها)، والحوتُ (لأنـّه ابتلع نبيّنا يونس)، والثعبانُ (لأنـّه أهدى صورتـَه لإبليس لأجل إغواء أبينا آدم وأمّـِنا حوّاء)، والدينصوراتُ (لأنها حاولت إغراق سفينة نبيّـِنا نوح لما حال دونها وركوب سفينتِه خوفاً من الغرق بسبب ضخامتِها؛ وهذا ما تسبّب في انقراضِها)، وكـَلـْب حراسة المُجمّع السكني الذي أسكن به (لأنـّه، كلّما رآني في سيارتي الميرسيديس ينبحُ عليّ َ ويمنعني من بلوغ شقـّتي)، وزوجتـُه الكلبة الساقطة ُ الحقيرة (لأنـّها تتحرّش بي هي الأخرى)، والعلاجم (لأنّها بشعة وسامّة)، والذباب (ليس لأنّه ناقلٌ للأمراض بل لأنّه أوحى لـِ«جان بول سارتر» كتابة روايته الوجودية الملحدة «الذباب»)، و«بغلول الجزار» وأمثالُه (لأنهم يستسهلون تأويلَ الدين والإفتاء)، و ...

والظاهر أنَّ القومَ النملي آمن كلّـُه برسالة نبِيّتِه النملة كليمةِ النبيِّ سليمان، ذلك لأنه صار على أحسن حال من النظام والتنظيم وتقسيم الشغل والعدل الاجتماعي والغيرة على الوطن وعدم الركوع إلا للخالق سبحانه وتعالى. ولو كان بمقدوري أن أفهم كلام النمل لاستفسرته عن عقيدته وشعائره وطقوسه وبالأخص عن المنهج الذي اتـّبعه حتى صار من المجتمعات الحيوانية الراقية.

غير أنـّي لا أعرف هل تحدّث نبيّنا سليمان مع نبيّة أمّة النحل، فهي الأخرى أمّة راقية ومنظمة جدا ومجتهدة مِعطاءة وسخية ومقاتلة خطيرة لمّا يتعلّق الأمر بالاعتداء على موطنها أو على فرد واحد من أفرادها. النحل ـ يا ناس ـ هو المخلوق الوحيد الذي يضحّي الآلاف من مُواطِنيه لأجل إنقاذ نحلة واحدة. أفلا نقتدي به وبالنمل؟

وعليه فإنّ فتواي هي تحريم قتل النمل؛ ليس كلّ النمل، النمل الأسود فقط لأنّه مؤمن بالخالق، أمّا النمل الأحمر فهو كافر وقتله واجب ودمُه مهدور وحلال ومأجور عليه في الدنيا والآخرة. وكذلك الشأن بالنسبة للنحل الأسود المؤمن والنحل الأصفر الكافر...

يا أيّها الناس؛ يشهدُ الله أن جميع خلقِه يُسَبّـِحُ له من شمس وقمر، ومن في السماء والأرض، والشجر والحجر والحيوان إلا من اتـّبعَ منها تعاليم إبليس عليه اللعنة والحرب. فاحذرواْ عندما ـ من المصلحة أو الخوف ـ تقتلون الحيوانات؛ ورَبـّوا أبناءكم على تربية الحيوانات الصغيرة لكي تتعلّم منها احترامَ الحياة؛ وبالأخصّ؛ النمل. اشترواْ لأبنائكم تلك العلب الزجاجية التي فيها رمل ونمل، فلا أجمل من هذه الصناديق التي تُباع في أمريكا؛ وإن لم تستطيعواْ فسلحفاة أو فأرٌ أبيض أو جُدجُدٌ ... إلا الجراد، فهو الآخر في جهنّم...


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى