الأحد ١١ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٢
بقلم عبد الجبار الحمدي

من تكون....

من تكون لترسم عبارات على وجوه الآخرين؟؟ ... من تكون؟؟ لتخلق شرعا جديدا باسم الدين... من تكون حتى تسلط نفسك على خلق الله كعزرائيل... بان زبد لعابه على جوانب شفتيه وهو يمسك ورقته ليلقي قصيدة طويلة أسماها من تكون.. على مسامع جمهرة غفيرة من الناس الذين جاؤوا ليستمعوا له وهم يدركون ان هناك سخرية في شعره على الكيانات السياسية ومكونات الدولة... وحتى المسئولين الذين حضروا أو من ينوب عنهم اعتادوا على سخريته وشكواه وانتقاداته... والتي صارت إكسير الحياة بالنسبة له ومتنفس لهموم الحاضرين... وما أن أنهى قصيدته حتى صُفق له بحرارة ممن يحبون قصائده.... صافح من كان أمامه قريبا من المسئولين حين نزل منبر الخطابة وهو يبتسم بعذوبة مطبقا حاجبية تعبيرا عن إجهاد في خطابة... هناك وإذا بمسكة يد قوية تعصر أصابعه لم يألفها قبلا طريقة للتصافح كلابة بفكوك مسننة أسمعت أذنيه طقطقة عظام يده... نظرة معوجة المعنى تقاطيع تحوي البغض والحقد... شفاه اعتادت الشتم والسب لا المديح... فتحت بوابتها لترمي مفردات في جوف أذنيه سررتنا بقصيدتك ولكن يجب ان تترفق بالآخرين فهم ليسوا كلهم واحد فمنهم.. ومنهم ... مع أيدي صافحت في ابتسامة بتكشيرة أظهرت أسنان كأكلي لحم البشر... سحب يده بأعجوبة وسط حديث وهرج الآخرين لم يدرك أحد ما الذي قلب مزاجه وجعله يتجه ناحية باب الخروج مسرعا دون توديع الآخرين... ركب سيارته التي تجر الشارع سحبا بأرجل مطاطية هرم النعل فيها فكانت تكدح الطريق جدحا بشرار... ركبت الأفكار قاطرة دماغه وأفرغت حمولة خوف يشعر به أول مرة لم يعتاد الهروب... لكني... لم أسأل من يكون ذلك المسعور الذي أخاف حتى شعيرات جسمي فكانت ترتعش موتا من فزع...

أوقفته إحدى بنات أفكاره على قارعة الطريق صارخة فيه... لقد تماديت هذه المرة وكنت قد حذرتك قبل المباشرة بكتابتي وأخواتي إن الموت يأتي بمجرد البوح والخوض بسيرتهم ... هل كذبت فيما كتبت؟ هل تماديت؟؟ قبل ان ينهي أسئلته.. نعم تماديت .. فحتى وإن كانت حقيقة، ليس من شأنك نبش قبور لإخراج ثعابين سامة، يكفي المجتمع ان فيه من العقارب ما يكفي... أدار سيجارته بالمقلوب أشعلها مضغ تبغها حلاوة لمرارة ريقه وجفاف فمه بحث لسانه في جوف حلق عن لعاب يجعل من فكية يعودان الى الحركة، فقد يبست كل فواصل جسده، ما عاد يتحرك، تصلب مكانه وهو يسمع صوت إطارات بمكابح قوية قد توقفت بقربه، رمى السيجارة والوريقات التي يحملها على قارعة الطريق، أراد ان يدفع بقدميه للسير توسلا، ولكن.. نبتت مسامير في أرض وطئها فكانت صلبا لأقدام، خارت قواه، ثم تلفت نحو الصوت الهادر ورائحة العجلات، أمسك ببنات أفكاره مستجيرا بها بمفردات تخلصه من خوف ورقيب ... لم تهرع له البنات بشيء فقد تلاشت متناثرة لحظة فزع عاد ليلملم شتات نفسه يوعز فيها الصلابة فما أعتاد الخوف من قبل.. لما الان.. سأل نفسه!! ولكن لا إجابة، توسل لبقايا شرايين وأوردة تحمل دما سائلا ان تدفع بجسمه الى الحركة.. وما أن سمعت بكاء بلا دموع ترأفت وهناك رجعت الحركة وبالشكل البطيء وكأن الكون يجري وهو ساكن لا حراك فيه، ركب سيارته غمز مفتاح التشغيل وهو في واد مظلم يسمى الخوف سرحت عينيه عبر دخان السيجارة في ضباب وهمي تهالكت كل قواه رعبا... فجأة وبدون ان يشعر... مد أحدهم رأسه عبر شباك سيارته... جرائد للبيع .. هل تريد شراء جريدة... قفز للخلف وألتصق رأسه بسقف السيارة صارخا بأعلى صوته... هذه أخر مرة أقسم لك...

هرب بائع الجرائد ظن أن مس من الجنون قد أصاب الرجل... ابتلع الخوف ورعشة في لسان الموت ضغط على دواسة الوقود تعلقت سيارته في ذيل نعامة محاولا ضم رأسه ولكن هواجس مخيفة من أبيات شعر أغلقت أبوابها موصدة إياها في جوف جيبه تاركة له لوعات رعب وهلع ممن صافح لحظة هروب من ذلك الحفل التأبيني نعم تأبيني وأرجو ان لا يكون حفلي... على جوانب سيارته يتلفت... لم يتذكر انه امسك المقود.. لم يعلم كيف وصل الى باب منزله... أرسى برأسه على مقود سيارته كمن يلقي ثقلاً من أعلى قمة جبل. تراخت عضلات جسمه أخذ نفسا عميقا.. أطلقه كمن ينفخ منطادا لم تفلح النار لملئه.... أذاب فيه أنفاس شاءت الحياة... فتح الباب أحرج رجليه ومن ثم رأسه تفرس في المكان... لاشيء سوى نباح كلاب تبحث عن مرعوب تنهش جسده.. وما ان ترجل منها حتى سمع سيارة تتوقف لاح له خيالات تطول كلما اقترب ضرب أقدامها على أرضية الشارع أحس ان ساعته اتية لا ريب.... ختل بقرب سيارته منتظرا ما سمع من خطوات ... قال في نفسه لقد علمت ان هناك من يتبعني.. كيف أتصرف!!؟ نظر الى منزله تبعده خطوات قليلة ... لكن هل يقف الباب او الجدران سدا منيعا بيني وبينهم؟ هل اقفز السور اقرب من الذهاب الى الباب؟ هل اهرب بسيارتي!؟ .. ولكن الى أين؟ وفي لحظة صعود هرمون الأدرنالين عنده خوفا . وجد نفسه في وسط الدار يلهث بلسان تساقطت كل مفردات الذم والمدح على باحة منزله استبشر... أطلق نفسا براحة من زوال خطر .. أخرج مفتاح الباب الداخلي لم يحب ان يطرق الباب حتى لا يحدث جلبة .. وما ان أداره حتى سمع طرقا قويا على الباب الخارجي بقبضة جعلت دويها يوقظ أهل المنزل والجيران معا .. صرخ بعد ان رأى الإضاءة والناس تنظر من شرف بيوتها الى هذا الطارق المجنون.. صرخ من بالباب ماذا تريدون مني!! لم افعل شيئا سوى اني انتقدت... قلت ما في مكنون نفسي والناس الضعفاء .. لقد أزاح الله عنا كابوس الخوف لم تعيدون الرعب بكوابيس جديدة؟ لم قتل الحريات؟؟ لم نحر إرادة الشعر؟؟! لكن الطرق لم يتوقف إنما جاء معه صوت .. افتح الباب هل جننت!؟؟ افتح بسرعة.. لم يتوقف عن سرد ملفات ضيم وشكوى مُسمعاً الجيران النائم منهم والمستيقظ ... لكن الباب لم يكف عن الاهتزاز طرقا... ما هي إلا لحظات حتى يمسك به من كان يطرق الباب... معنفا إياه بشدة، امسك بكتفيه كمن يهز نخلة ليتساقط منها رطبا .. وقف هو متصلبا بعد أن تسمرت عيناه على من امسك به بقوة فقال استمع لي... لست من تظن، لكني لحقت بك لأسلمك جائزة الحفل، لقد نلتها عن قصيدتك الأخيرة وهاهي.. فدفعها إليه وسط ذهول الجميع!!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى