السبت ١ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٢
جمال الدلو..الغزي

الذي راحت عائلته وبيته في غمضة عين

أسماء محسن

عائلة الدلو...حكاية جديدة سجلها التاريخ في أرشيف جرائم الاحتلال، لتبقى عاراً يوصم على إسرائيل إلى الأبد، تروي حياة تحولت من المحبة واللمة وعيش النبلاء إلى القتل والتدمير وفراق الأحباب، ذهب كل شيء، البيت أصبح أكوام من الحجارة، والأهل أصبحوا جثامين رحلت أرواحها إلى عالم آخر تشتكي ربها ظلم ثقيل، فما أقسى أن يقع البيت فوق رؤوس أصحابه، ويكتب للأب والابن نجاة من الموت ليعيشوا على ذكرى تحمل كل معاني الألم.

السطور التالية، تنقل تفاصيل القصة في مقابلة مع المواطن جمال الدلو الأب الذي هدم بيته وقتلت عائلته بأكملها:

الجميع رحل

لم تكن الكلمات فقط هي وسيلة التعبير، فالعيون كانت أسبق في رواية ما حدث، والدموع الحزينة كانت تفصل كل فقرة من فقرات الحكاية، تارة يتكلم وأخري يسرح ثم يتنهد ويقوي نفسه بالإيمان بالله، فالمواطن الغزي جمال محمود الدلو "50عام"، هذا الرجل الذي ودع زوجته الشهيدة تهاني عابد "50 عام"، وشقيقته الأرملة التي يرعاها الشهيدة سهيلة، وبناته الاثنتين رنين "25عام"، يارا "16عام"، وابنه الكبير محمد "29 عام"، وزوجته سماح صلوحة وأطفالهم الأربع سارة "7أعوم"

جمال "5أعوام"، محمد "3 أعوام"، إبراهيم "7 شهور".

لم يتبقى لهذا الأب المكلوم سوى ابنه عبد الله "20عام"، لعله يبقى شاهداً على تلك المجزرة التي ارتكبت بحق عائلته، حتى منزله الجميل أصبح عبارة عن أكوام من الحجارة، يقول الأب:" كنت أعيش حياة كلها رفاهية برفقة زوجتي وأختي وأبنائي وأحفادي، في بيتنا المكون من ثلاثة طوابق الذي بنيته حجراً حجراً ليصبح فيلا مميزة، ولكن كل شيء راح في دقيقة، لقد دمر الاحتلال بيتي، وقتل أبنائي، ولألمي حكاية أخرى".

من الحج إلى الموت

لقد فاجأ العدوان الإسرائيلي هذا الأب المتألم، فلم تسبق تلك اللحظة التي راح بها كل شيء بالنسبة له سوى أيام السعد والهناء، فقبل أسابيع كان قد عاد من المملكة السعودية بعد أداء فريضة الحج مع زوجته الشهيدة، وكانت الفرحة ولمة الأحباب هي السائدة في المنزل، وكأنها كانت الأيام الأخيرة لهذه العائلة المغدورة.

وما أن بدأ العدوان على غزة، بدأ الخوف يتغلغل في نفوس أطفال هذه العائلة وامتنع الأب من الذهاب إلى عمله، حيث يعمل في مهنة التجارة، لعله يحمي بناته من الذعر والقلق دون أن يدري ماذا يخبئ لهم الاحتلال، إلى أن جاء اليوم الثامن ووقعت الجريمة.

ليلة الوداع

بدأ الأب جمال، يتحدث عن آخر ليلة قضاها برفقة عائلته قائلاً:" كنا نجلس معاً ونستمع الأخبار تحت دوي الصواريخ ، وكان كل أبنائي بحضني، وكنت أدعو الله أن يصبر أهل غزة، ويعيننا على هذا العدوان".

"أما اليوم التالي، وهو الموعد الذي قسم ظهري نصفين، حيث كنت بعملي في سوق الزاوية بمدينة غزة، وقد اضطررت للذهاب إلى العمل رغم صعوبة الوضع لكي أحضر حاجيات للبيت، وكان برفقتي ابني عبد الله ، والحمد لله أني اصطحبته معي فلو بقى في المنزل لراح هو الآخر وهناك سمعت صوت انفجار لكن لم يخطر في بالي أنه بيتي، لم أتوقع ذلك نهائياً".

تلقي الخبر

بدأت عيون الأب جمال بالاعتصار من الألم، لم يتمالك نفسه كانت النظرات تعلو إلى السماء وكأنه يطلب من ربه الصبر، يكمل حديثه:" ذهبت لأداء صلاة العصر، وفي ذلك الوقت اتصل الجيران بابني عبد الله وأخبروه أن بيتنا انقصف، وفور سماعه الأمر وقع على الأرض وأخذ يبكي ويصرخ وأصيب بصدمة وانهيار عصبي من هول الأمر، في ذاك الوقت أنهيت صلاتي وعدت إلى حارتي، والكل يقول لي "بعوض الله"، سألتهم عن الأمر وإذ بي أسمع تلك الكلمات من ألسنتهم جميعاً "بعوض الله ببيتك وأهلك وأسرتك"".

لم يتوقع الأب أن تستهدف صواريخ الاحتلال بيته، فهو تاجر ذهب إلى عمله، وترك في البيت نساء وأطفال، الأمر الذي سبب صدمة للأب المسكين، يتابع رواية القصة:" رغم كل هذا ولم يستوعب عقلي ما حدث، لم أصدق أن بيتي راح، وشقا حياتي وأسرتي ذهبوا في غمضة عين، كيف هذا، لكني بدأت أسأل الجيران هل تم تحذير أهل البيت مسبقاً، أخبروني أن القصف مفاجئ دون تحذير مسبق".

يشعر هذا الحاج الخمسيني بألم الحزن، وثقل المسئولية حيث سيعود لبناء حياته من جديد، ويصلح ما دمر، لكن الأمر يبقى ثقيلاً على ظهره، لذلك يناشد كل المحاكم الدولية بأن ترفع قضيته وتسانده في رفع دعوة قضائية ضد الحكومة الإسرائيلية وجيشها، حيث دمرت بيته وقتلت أسرته دون ذنب.

وقوف شعبنا

نهض من جديد في حديثه معنا، واستعاد قوته وأخذ يكمل لنا حكايته:" ما قواني وزاد صبري إلى جانب إيماني، هو وقوف شعبي بجانبي، فالجميع ساندني وقت قصف البيت، وهبوا لنجدة عائلتي لذلك أحيي وقفة هؤلاء الرجال جزاهم الله كل خير".

يوجه المواطن الدلو كلمته لإسرائيل قائلاً:" كفاكي قتل الأبرياء ونسف بيوت، للظلم نهائية ولك أيضاً نهاية"، مضيفاً بسخرية يتخللها الحزن:" ربما سبب قصف بيتي هم أحفادي الأربع، ربما سارة كانت تضرب صواريخ، أو جمال أو يوسف، أو ربما إبراهيم الرضيع كان يضرب صواريخ".

يعبر عن حزنه الشديد على ذهاب كل شيء في حياته، وألمه على الأضرار التي لحقت بجيرانه جراء قصف بيته حيث استشهدت سيدة معاقة، وشاب من الجيران.

حياته الجديدة

انقلبت حياة الأب المحزون، فبعد أن كان هنيئاً في بيته أصبح متنقلاً من بيت إلى آخر في تلك الفترة التي قلبت كل موازين حياته، فكل يوم يبيت في مكان تارة عند صديق وأخرى عند قريب، وثالثة عند حبيب، وغيرها في بيته شقيقته الأخرى، ومرة في بيت ابنته المتزوجة والتي أصبحت هي من تجهز له حاجياته الشخصية من مأكل وملبس.

وفي نظرات من الأمل الممزوج بالحزن، وصوت خافت يختم حديثه:" رغم كل هذا الألم، ورغم رحيل كل شيء جميل في حياتي، لكني أفضفض همي إلى ربي، وتوكلت عليه، وأهدي دماء أبنائي إلى الإسلام والجهاد والوطن ، وكل أمل من الله أن يكونوا شفعاء لي يوم القيامة وطريق إلى الجنة".

ولا يزال المواطن الدلو يستقبل وفود المعزيين من المؤسسات الرسمية الفلسطينية، رغم مرور أيام على المجزرة التي ارتكبتها إسرائيل بحق أسرته.

يذكر انه منزل جمال الدلو وأسرته كانت أول قصف مفاجئ يقوم به الاحتلال خلال الحرب بقصف منزل مواطن فوق رؤوس أسرته وأطفاله.

تلك هي حكاية آل الدلو، وهكذا انتهى كل شيء في حياته، وأصبح قلبه ممزوجاً بالأمل والألم في حياة جديدة يكتبها الزمن.

أسماء محسن

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى