الأربعاء ٢ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٣
بقلم صالح الشاعر

حقيقة الشعر وجوهره

في مفهوم الشعر وكنهه يمكن القول: إن الشعر تعبير بالكلمة له موسيقى وإيحاء، وهذا تعريف على حد الواقع الخارجي، فالشعر تعبير، شأنه شأن سائر الفنون، وهو تعبير بالكلمة المسموعة أو المقروءة، وله موسيقى إن خلا منها لم يسمَّ شعرًا، وله إيحاء إذا خلا منه أصبح منظومات علمية أو كلامًا كالكلام.

والشعر في غاية الأمر صورة لأفكار الشاعر يعبر عنها برصيد من التجارب مضيفًا إليه رصيدًا من القراءات في الشعر وغيره، ولهذا فالشعر معبر قوي عن ثقافة العصر واللغة الأدبية لعصر ما، ولهذا كان ديوان العرب، حين لم يكن ازدواج أو هوَّة متَّسعة بين لغة الكلام واللغة الأدبية، كان شعبيًّا، يفهمه كلُّ أحد، حتى الأطفال، أمَّا في عصرنا ومع ضعف أنظمة التعليم وانهيار الثقافة فالشِّعر فن موجه إلى الصفوة، وغالبًا ما يكون موجهًا لمستوى القراء المثقفين.
وإذا شئنا أن نكتب تعريفًا للشعر بطريقة أخرى أكثر شاعرية فلنقل مع نزار: "إن الشعر كهربة جميلة، لا تعمر طويلاً، تكون النفس خـلالها ـ بجميع عناصـرها: من عاطفة، وخـيال، وذاكـرة، وغريزة ـ مسربلة بالموسيقى"(#).

ويعرف ماثيو أرنولد الشعر بقوله: "إنه نقد للحياة"؛ لأن النقد هو حكم يصدر على جانب معين من جوانب الحياة وتفسير له، فالشعر هو تعليق روح عظيمة على العالم الذي تحيا فيه(#).
أما ورذروث فيقول: "الشعر انفعال يستعيده الذهن في سكون"(#)، وهو تعريف من الجهة النفسية، فالحالة الانفعالية قد لا تكون موطنًا مناسبًا لنظم الشعر، لكن استعادة هذه الحالة في قناع من السكون قد يخرجها في صورة شعرية مميزة.

والشعر هو أنسب قالب من قوالب الكلام للتعبير عن العاطفة، وقصيدة لا عاطفة فيها ليست بقصيدة ولو اتخذت شكل القصيدة(#).

وهكذا سئل الشاعر الإنجليزي (أودن): ما هدف الشعر؟ فقال: أن يمكِّن الناس من الاستمتاع بالحياة بطريقة أفضل بعض الشيء، أو من تحملها بطريقة أفضل بعض الشيء.
جوهر الشعر:

جوهر الشعر المخالفة، والمباشرة السطحية تتنافى مع الشاعرية، فللشعر لغته الخاصة، وهي لغة تخالف في بعض مظاهرها اللغة المعتادة، والعلماء يسمون المخالفة ضرورة، وفي هذه التسمية ضرب من التجوز؛ فمفهوم الضرورة والاضطرار لا يستقيم مع الإبداع الذي يدخل فيه اختيار الشاعر وتحكمه في أدواته وسيطرته عليها.

ولأن المخالفة سمة الشعر فكل شاعر يريد أن يترك بصمة تميز شعره عن شعر غيره من الشعراء، إضافة إلى تميز لغته عن اللغة المنثورة، ولسان حاله يقول مع نزار قباني:
أريد الدخول إلى لغةٍ لا تجيد اللغات

وهذه الغاية تخلق للشاعر أسلوبًا يتعامل به مع اللغة وأنظمتها الحاكمة، كما يقول أحمد زكي أبو شادي في مقدمة الألحان الضائعة: "الشعر مكتوب بلغة لها قوانينها التي تتكامل فيها البنية النحوية مع الدلالية والإيقاعية، ولسنا نشك في أن كل شاعر مطبوع له مسلك مع هذه القوانين وإن لم يكن واعيًا بذلك" .


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى