الأربعاء ٩ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٣
بقلم رشا السرميطي

تنبؤات العام 2013 م

وانقضى العام، ذهبت سنة أخرى، بلا استئذان، حين أتمَّ الوقت وفاءه لموعد الرَّحيل، وآن ميقات الغياب. حُزمت حقائب الأفكار، وأُغلقتْ دفاتر الانتظار، جميع الأحداث سُجِّلت، والقضيَّة لم تزل بحصار قاتل، مكبلةٌ كالأوراق على الرُّفوف مكدَّسة، تكسوها الغبار. كما الضَّوء، وشهاب سقط من السَّماء، مرَّت السَّاعات، بلمح بصيرة الغافلين عن ثلاثمائة وخمسة وستين يوماً، وثمانية آلاف ساعة، وسبعمائة وستون، بل، خمسمائة وخمسة وعشرون وست مائة ألف دقيقة، ولن أحصي عدد الثوانِّي للخائفين الذين سيذهلهم ضخامة النَّاتج. ندقِّق في وجوه بعضنا، وعيوننا ممتلئة بذات السؤال القديم: ماذا فعلنا في أوقاتنا المنصرمة، وما بعد العام 2012؟

إنه عام جديد، عنوانه، الفرح. بمحاذة ما يجري وطنيَّاً وعالميَّاً، ثورات قامت، وثمار الحريَّة أوشكت أن تصبح يانعة، فوق أراضي العديد من الدول العربية. ربما هو موسم القطاف، كي نتلذَّذ بشهد الإنتصارات، وعلى هذه الأرض ما يستحق الحياة والنِّضال، إنَّا باقون.

ليكن ابتدائي بكم يا معشر القرَّاء والكتَّاب، فلديكم هذا العام فرصة ماسيَّة، بحياة قد يهبكم الله من ساعاتها المزيد، فكونوا طلبة للعلم، مهرة في تقصي الحقائق، باحثون عن الصِّدق، ومظهرون للحق، حتى تفوزوا يوم تسأل عيونكم عمَّا غضَّت البصائر، وما قرأت من آيات الذٍّكر الحكيم. حافظوا على صلواتكم، وقراءة القرآن، واحفظوا جوارحكم. كونوا لنهج نبيِّنا المصطفى - صلى الله عليه وسلَّم- مقتفين ومطبقين، يوم تشهد قلوبكم الإنصراف عن حبِّ الشَّهوات، ورغائب النَّفس الإنسانيَّة. أدعوكم لاحترام قدسيَّة القلم، الذي قال له الله تعالى: اكتب. قال ما اكتب؟ قال:اكتب القدر، ما كان، وما هو كائن إِلى الأبد. أتراكم كتبتم ما سوف يغفر لكم الخطايا والذُّنوب ! وأيُّ الإعتذارات الممزوجة بمشاعر التسامح والإيثار قد خطّت أياديكم، لمن تجمعكم وإيَّاهم المحبَّة والكراهيَّة؟

وأنتم أيُّها الفنَّانون والفنَّانات: أتمنى لكم سنة مشرقة، إذ أنّ هناك توَّقع بموسم من الإستقرار السياسي الغزير، وذاك سينعكس إيجاباً على الواقع الإقتصادي، مما يؤثر في مناحي الإهتمام بالثَّقافة، أي أنَّ للفن نصيب هذا العام، بل، سيغدو حصته الكبيرة، لتعوِّضوا من خلاله ما حُرمتم منه طوال سنوات الحروب والهروب. لتبدع الرِّيشة، وترسم لنا لوحات الواقع المغموس بألوان زاهيَّة، نستشف من خلالها غياب الأسود وانتهاء الحداد. نريد ورداً ينثر عبيره أرجاء الرُّوح، التي تهوى فن الذَّات، وتنظيم الأولويَّات، وترتيب شؤون الحياة، وصولاً للطموحات المؤجلَّة والمهملة في أرشيف الذِّكريات.

للرؤساء والمرؤوسين أقول: أحذِّركم، فلا شيء يدوم ! هناك طارئ قد يقلب الموازين، وحديث يبشِّر بالإنقلاب، لأنَّ عجلات الزَّمن تدور مسرعة، اقتربت ساعة الحسم، ولا نعلم متى يكون الحكم، لكِّننا، على يقين تام، بأنَّ من يرأسنا اليوم، سوف يصبح مرؤوساً غداً لدى غيره. ليفترش كلٌّ من ذوي السُّلطة لحافاً لأخيه في المخيَّم، فيغطيه حين يأتي يوم لا لحاف معه، سوى ما قدَّم في أمسه.

يا عشاق التقانة، ابتعدوا عن ملئ الفراغ بما لا يساوي من باهظ أعماركم المهدورة بأثمان رخيصة، لا تسمن ولا تغني من جوع، إلا من رحم نفسه وتوجه لأبواب التَّوبة والرُّجوع. ليكن شعاركم: لا ابتعاد، لا قطيعة أو فراق هذا العام، ولكن تنظيم للوقت، لمَ لا، والنُّظم تحقق المطالب، وفي الوقت نطلب الكثير!

إلى أولئك الشُّجعان، فرسان الأمة العربيَّة الإسلاميَّة، أشدّ على أياديكم بأن تهبُّوا إلى الوطن العربي، جيوشاً مدججة بالأسلحة الفكريَّة، فنحن بحاجة لصحوة عقليَّة، نعيد الشعوب بها لمنطق الدين، ونرسخ دعائمه التي زعزعها الإحتلال، كي نصلح ما فسد من الحياة، ونرمِّم ما كسَّره تاريخ التماثيل التي اعتلت الحكم سنين طوال، ولم تفعل سوى احتراف السرقة، أولئك لصوص الوطن وتجَّار الأرض بثمنٍ بخس، نحسب الله فيهم وهو خير كفيلاً.

للغوغائيين، أوصيهم بالهدوء التَّام، فقد انتهى عهدكم، وأيّ تصرُّف غير مدروس قد يودي بنفاذ صبر احتمالكم، ولا أعلم تحديداً كيف سيُقضى على أمثالكم!

للفارغين أصحاب الخواء الفكري أوجههم بأن يكفُّوا هذا العام عن سلوكيَّاتكم. لقد سئم الإنسيُّون تواجدكم عالة على مجتمعاتهم. يمكن للعديد توفير حصصكم الإستهلاكية، من الماء والغذاء والملبس، فتوقعوا إبادتكم بقنبلة قلميَّة لا مفرَّ منها، سوى العيش بعاهات لن تُنسى.

للرواقيين اللامبالين أنصحهم بالصَّمت هذا العام، وأشجعهم على الإنسحاب خلسة، لأنَّ من هدم الأمس، سوف يهدمه اليوم، والغد هادم لما بني على خطأ وكلَّفنا خسائر عمريَّة فادحة. إذن، اقترب يوم الهدم!.
للمفكِّرين والمحلِّلين، لا أعلم ماذا أقول لكم هذا العام، سنفتقد الكثيرين ممن غادروا، ونبقى بأمل أن يوجد بيننا من ينهج على منوال إنفتاح عقولكم، واستيعاب ما يجري في الميدان، بلا تشويه ولا تحريف. نريد الواقع معرى من الزِّيف. نريد شرحاً لبطئ التغيير، وعقم التحرُّر، وأفكار جديدة وجديَّة أيضاً. فلقد سئمتْ الشعوب من الشعارات والمنشورات. نريد خططاً واقعيَّة، نتمكن من تنفيذها ومتابعة آلية سير عملها، وتقييمها.

لأصحاب القضيَّة الإسلاميَّة، كونوا مسلمين فقط! ولا تستخدموا الإسلام لتشويه صورة الدين، فمن يشري بآيات الله ثمناً قليلاً، عذابه عند الله شديد، والله لا يضيع مثقال ذرة من خير أو شر.

للمستيقظين المتسابقين للنَّهضة العربيَّة، أخبركم بأن يد الله مع الجماعة، هلموا لنوحِّد صفوفنا، ونبدأ بإصلاح أنفسنا ومن حولنا، فلابد للغدِّ أن يكون أجمل.

لمواليد هذا العام، عام ألفين وثلاثة عشر ميلاديَّة أقول: تنتظركم أياماً مشرقة، ولحظات سعيدة. فلسوف تلدكم أمهاتكنِّ أحراراً، فلا ترضوا من أحدٍ استعبادكم. أنتم جيل المستقبل، وعلى كاهل جموعكم السليمة نطمح بأن تكملوا مشوارنا الذي بدأ، نحو تمكين الأقلام، وخلق بيئة ثقافية مؤنسة للمبدعين، ليكبر الإبتكار، وتترعرع الإختراعات، حتى تسدل الستائر عنها، وتبصر النُّور في بلدنا، وليوقن العالم أجمع بأن ما تتسلَّحون به من عقيدة إسلامية حنيفية وما تنيرون به عقولكم من العلم والمعرفة سيصيِّركم بمقامات سامقة بين الأمم، نفخر ونفتخر بكم بلا كبر. فجلَّ أملنا بكم هو استعادة مجد حضارتنا الإسلامية، فشمروا سواعدكم، أيا أشبال المستقبل الأبيض.

وأخيراً، لديَّ توقعات سعيدة لمعظم الأحداث في منطقة الشرق الأوسط، أشعر بأنَّه عام مليئ بالغيوم المحملة برذاذ المسَّرة، التي ما إن تهطل على قلبي قطرات من الفرح، سوف تقفز روحي عالياً وهديل الحمام. الشمس ستشرق في جوِّ من الاطمئنان، وحفيف الشجر سوف يغني بلا استسلام. علم وعمل هو الإيمان، ألا مرحباً بزمان جاء بعد زمان، ووداعاً لعام سيلقى في دربه ما مضى من الأعوام.

عام الفرح 2013 م.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى