الخميس ٧ شباط (فبراير) ٢٠١٣
بقلم رشا السرميطي

التَّفكير أول خطى التَّغيير

صباح استخبر الفجر به الدُّجى عن تزاور النُّور. ومتى تشرق الحريَّة ساطعة فوق قباب الوطن ومساجده، وكنائسه، ومعابده؟ بدا الزَّمان مسترسلاً باستفهامته، يحاكم الورق، وما استكان التساؤل نازفاً الغمَّ، وآلامه الحرَّى، من قيح الواقع المأساوي، وصديد المواقف الخاذلة، وكثرة التهادن، بأماني الشعوب الرامضة، الرَّاكبة في محافل الخطر. ولا توقفَّ مرَجُ العمر عن دوره النِّصف بطولي، يعارك غيم الحكايا، ويبحث عن السُّرور، وسط زوبعة المواقف المعلنة والسِّريَّة.

و استيقظ أصحاب الأرض، وتوَّكلوا على الله. حملوا فأس أحلامهم ومناجل الصَّبر، لحصاد الكلمة التي لابدَّ أن يصل هذا العام، في موسم نمت به سنبلة الحرف، وتنامت الكلمات أسطراً. حزموا بؤس اللَّيل، وهمسات السَّهارى الحائرين، ثمَّ شدُّوا رباطهم متحدِّين بذات الآمال، معتصمين بحبل الله. ضمدُّوا جرح الأمس، واعتنقوا نهج الكلمة الصَّادقة، فأخذ الحرف المنازع ينهض مستجمعاً صرخاته، قبل الإخماد، واشتدَّ مشتعلاً، تسعر نداءاته حافرة أوراق التَّاريخ الساخط. ضبضب الكل قراراتهم وآمالهم، ثمَّ انصرفوا، واتجهوا معاً، هناك، إلى حيث الأرض، والحق، والغد.
إنَّه عصر الثورات والإنقلابات، ونهج المشاركة السياسيَّة اللامحدودة القوى، أو محصورة الفصائل. لنقل: علائم الوحدة ترفرف يا فلسطين، وظلال لجيوش صلاح الدِّين يرتدُّ صهيلها من بعيد. فما عادت القيادة للحاكم والرئيس فقط في منطقة الشرق الأوسط، بل، هناك نهضة علميَّة ملموسة، مقترنة بواقع يشهده العيان والكيان. توعية نجمت عن تأثُّر شعوبنا المكتسب من واقع شعوب دول العالم الآخر، ورؤى التغيير في القوى العالميَّة.

إذ يبدو أنَّ الشَّعب هو الذي قد نجح، وأثبت قدرته في إعادة تجذير الواقع، وبناء العديد من المفاهيم التي تزعزت لدى الأجيال، إبَّان الحروب المتعاقبة. إنَّ هذه الجماهير التي قادت التَّغيير الذي لم تألفه سلطات الإحتلال الإسرائيلي، بلا خوف ولا أطر حزبية ترسم لها خرائط المسيرة المجهولة، لم تتبنَّى العنف، أو تحمل السِّلاح بعد، كي تحققَّ هدفها، ولا أحد يستطيع التنبُّؤ بما يدور في كنه هؤلاء المنطلقين. ربَّما هو النموُّ، وبلورة التفاعل المرجوِّ منذ عقود، كما أن جزءاً من غضبها كان منصباً على سخافة اللُّعبة الدوليَّة القائمة، وعدم جدواها في ظلِّ الإحتكار السلطوِّي عبر التزوير والقمع والبلطجة. وما هذه التغيُّرات الجارية اليوم إلا بسبب التحولات الإيجابية في عقليَّة الشعوب، فإذا أرادت شعوبنا مزيداً من التغيُّرات، فعليها بمزيد من تبديل أحوالها، من الداخل، نحو الأفضل، في دينها ومعاشها، لأنَّها الطرف الأساسي في القضيَّة، وبحسب جديَّتها في التمسُّك بالدِّين، والأخلاق، ووحدة الموقف، والعلم، وكذا العمل، فكل تلك الرَّوافد تصبُّ في عنوان واحد فحسب: إنه عصر النهضة والتَّحرير. وعندها، سوف يصدر الشَّعب قراراته النَّابعة من ذاته، ولم تفرض عليه عنوة، ولن يجد له حرجاً في التَّصريح بها، أو تنفيذها والإلتزام بها. سوف يكون التغيير جليّاً بهذا المنطق، ويقينه مدرك من خلال الواقع العملي، ولن تستطيع قوة سواء داخلية كانت أو خارجية كفَّها عن ذلك.

لو أنَّك أبصرت البريق في أعينهم، أو شاهدت ذاك البركان الثَّائر، يقذف حمم المواقف الرجوليَّة، لسمعت غرغرة أرواحهم المجنَّدة بالإيمان، لكنت عرفت أبطال الحجارة، وتعرَّفت لتلك الشعوب التي انتكبت، وانتكست، ومازالت تقاوم منتفضة. أطفال يحتضنون الشَّمس ولا تحرقهم، وينشدون قصائد الحريَّة بملئ حناجرهم لا.. ومليون لا. سنرجع يوماً، إلى أرضنا، وبيتنا، وحيِّنا، وزيتوننا، وأحلامنا لن نبارحها حتماً، في زمان انتهى به داء الفراق.

الحزن هو الصَّمت وقت حاجتنا الماسَّة للكلام، والعجز ريثما لا نستطيع التَّعبير عن آلامنا ومتاعبنا، بعد أن غرزت براثن الدُّنيا وأحداثها السُّكون المريب في قلوبنا، فتوقفت الحياة، رغم استمرارها، لعدم ملاءمة الظُّروف البيئيَّة في محيطنا الخاص، في حالة اضطراريَّة، يبكي الدَّاخل صامتاً، ساكناً، كجيفة ميِّتة، تفوح من أفكاره نتن الأصل، ورداءة الفرع المسمَّى: "عزلة". حين نتَّخذ من الإنزوائيَّة غاية، وهدف نروم إليه بكامل الرِّضا، ونتخلَّى عمَّا لا يطيق الإبتعاد، ونترك لبَّ قضيَّتنا، وكذا، من يرفض الإغتراب، نؤصد الأبواب كلَّها، ونختزل الموقف عنوة، بسلاح " الحريَّة الشَّخصيَّة" رافعين أعلام – كفى - عوضاً عن سلوك التفكير والتَّغيير. قد نتوَّهم ونزرع الشَّك فيمن حولنا، ونعلِّل الشَّأن، بأنَّها خصوصيَّة، بل حق لنا، بيد أنَّنا نعي تماماً بأن لا راحة لنا في أخاديد الوحدة القاسية، وجلد الذَّات، عند الهروب بلا شريك أو شركاء. هيَّا قم لنتصافح ونمشي بقيَّة الطريق معاً، ولنشيِّد جدران أفكارنا!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى