الأربعاء ١٣ شباط (فبراير) ٢٠١٣
بقلم آمال عواد رضوان

صرخة عربيّة تُدوّي في روسيا؟

هل قضية الخوري رومانوس رضوان سَكَس هي قضيّة وطنيّة بلونٍ مُغايرٍ، تتفجّرُ اليومَ من فوّهة بركانٍ خامدٍ، لتُعلنَ صرختَها المُدوّية؟

هل هي قضيّة شخصيّة؛ قضيّة الأب رومانوس سَكَس/ البروة- الناصرة، أو قضيّة المطران عطالله حنا/ الرامة- سبسطية، أو قضية ميليتيوس بصل/ كفرياسيف- رام الله، أو قضية الأرشمندريت خريستوفوروس حنا في الأردن، وآخرين كثيرين من سلك الكهنة والرهبان العرب؟

هل هي قضية المسيحيّين العرب الأرثوذكسيّين في فلسطين والأردن والشرق الأوسط، التي تهدف إلى طمس معالم المسيحيّين العرب، واضطهادهم وتهجيرهم، وتفريغ الشرق من المسيحيّين!

وللإجابة عن هذه التساؤلات، واستجابة للمؤمنين من أبناء يافة الناصرة وخارجها، وجمعيّة صوفيّا، وجمعيّة مار جريس وغيرهم، الذين طلبوا التعرف على سرّ الكهنوت، والوضع الراهن العامّ في أوساط الرئاسة الكنسيّة الحاليّة، ودعمًا لموقف الخوري رومانوس الذي يقوم بعمله وبحسب القانون الكنسيّ، أقيمت محاضرة توضيحيّة بتاريخ 9-2-2013، في كنيسة مار جريس الأرثوذكسيّة في يافة الناصرة، وسط حضور كبير من أبناء الرعيّة العرب والروس في يافة الناصرة والجليل، قدّمها سيادة المطران صفرونيوس؛ رئيس أساقفة سانت بطرسبرغ وشمال روسيا، ترجمها للعربيّة الأب رومانوس، ليطّلع الجميع على مصداقيّة رسالة الخوري رومانوس كنسيًّا وروحيّا، والاضطهاد الذي تمارسه ضدّه بطريركيّة الروم الأرثوذكس في القدس، وما يواجهه من حرمان وتعنيف، رغم أنّه يقوم بعمله على أكمل وجه، وذلك لأهداف ليست كنسيّة ولا دينيّة!

وكان سيادة المطران صفرونيوس، رئيس أساقفه سانت بطرسبرغ وشمال روسيا قد وصل إلى البلاد بتاريخ 25-1-2013، حيث أتى من روسيا، خصّيصًا للتضامن مع قدس الأب رومانوس رضوان سَكَس، راعي الطائفة العربية الأرثوذوكسيّة في يافة الناصرة، وراعي المسيحيّين الناطقين باللغة الروسيّة في البلاد، بتعيينٍ من قِبل البطريركية المقدسيّة الأرثوذوكسيّة منذ عام 1992، بتكليف من المرحوم البطريرك ذيوذوروس، إذ إنّ الأب رومانوس كان قد أنهى دراسة اللاهوت في جوردن فيل في أميركا، في كليّة اللاهوت الروسيّة البيضاء، ويُتقن عدّة لغات إضافة للعربيّة والروسيّة.

المطران صفرونيوس اطّلع على وضع البطريرك إرينيووس السابق المخلوع من منصبه، والمسجون في الدير مجرّدا من كامل صلاحيّاته الكهنوتيّة، من خلال محادثة مصوّرة معه ومترجمة، كما اطّلع وتحقّق من الظلم الذي يُعانيه الأب رومانوس في عمله الرسوليّ، وقد قام بالصلاة معه في يافة الناصرة وأماكن أخرى، ولن يتركه لأنّه في المسار الصحيح، وهذا الأمر موجودٌ في روسيا أيضًا، من ملاحقاتٍ للمؤمنين ورجال الدين الحقيقيّين!

وطلب المطران صفرونيوس من الحضور دعمَ موقف الأب رومانوس الدينيّ والكنسيّ والرسوليّ، وأعلن أّنّ قرار الحرمان هو باطلٌ ومرفوضٌ كنسيًّا، ويجب عدم التعامل معه، ويجب إلغاؤه حالًا، لأنّ الأب رومانوس التقيّ الورع لم يهرطق، ولأنه بكامل رشده العقليّ والجسديّ، ويعمل على نهضةٍ روحيّة وطنيّةٍ تُذكّرنا بالرّسل الأوائل، الذين ثبّتوا المسيحيّة، وجاهدوا وعانوا الاضطهاد من أجلها، فهو كاهن بكامل الصلاحيّات لأداء المهامّ الروحيّة والاجتماعيّة، وقضيّته إن لم تنتهِ في القريب العاجل، سيكون لها صدى أكبر، ليس على نطاق الأراضي المقدّسة، بل سننقلها للمحافل وللمؤسّساتٍ العالميّة، لتفضح المؤامرات التي تحاك بالأراضي المقدّسة، فأمثال الخوري رومانوس هم فخر واعتزاز لنا بعملهم الروحيّ والاجتماعيّ، وعلى هذه الأعمال يجب أن يُكرَّموا، لا أن يطارَدوا ويُحرَموا، إرضاءً لجهاتٍ وأهداف بعيدةٍ كلّ البعد عن الكنيسة وأهدافها المجيدة.

الخوري رومانوس نذر نفسه وشبابه وعمره لثوبه الكهنوتيّ، وخدم بتفانٍ وإخلاص، وبحسب تعاليم الإنجيل وحياه القدّيسين والرسل، وكان الكاهن الشاب الأوّل في فلسطين ابن 24 عامًا، ترك عالم الفنّ ودراسته الجامعيّة في حيفا، وسافر إلى أمريكا ليدرس اللاهوت، ولينذر حياته للكنيسة، ممّا أثّر إيجابيًّا على تشجيع الشباب لدراسة اللاهوت، والانضواء في سلك الكهنوت، من أجل النهوض بالرعيّة المسيحيّة الغارقة في سباتها، وتواضعًا منه، وظلّ يعمل بصمت وتسامح.

خدم كنيسة قسطنطين وهيلانة في مدينة شفاعمرو منذ عام 1998- 2007، ولكن البطريرك ثيوفيلوس أغلق باب الكنيسة في وجهه، بعدما غيّر أقفالها، وأعطى حقّ خِدمتها لمساعد الخوري رومانوس، ودون سابق إعلام أو إنذار، وتمّ نفيه الى يافة الناصرة، لخدمة كنيستها!
حين أحسّ الأب رومانوس بلعبة الاضطهاد التي تلاحقه وتطارده، عمل عام 2007 على تأسيس جمعيّة صوفيّا الخيريّة، من أجل إحياء نهضة روحيّة في البلاد، من ترميم الكنائس في القرى المهجّرة، وبناء كنائس جديدة، وطباعة كتب دينيّة وتثقيفيّة، ومساعدة المحتاجين.
عام 2004 اهتمّ بمدينة المجيدل العربيّة المهجّرة، والتي يسكنها حاليًّا فقط اليهود، فقام بترميم كنيستها بمساعدة سكّانها المهجّرين الأصليّين من مسلمين ومسيحيّين، وبالرغم من التهديد والترويع والتدمير الذي واجهه من المستوطنين اليهود، إلّا أنّه أتمّ البناء، وتبرّعت عائلة أوكرانيّة لبناء سور الكنيسة، فجعل الكنيسة ديرًا صغيرًا ومحجًّا، وصار منذ عام 2005 يخدم أهل المجيدل العرب المهجّرين، وكذلك المسيحيّين الروس في المنطقة، وصار يخدم كنيسة المجيدل وكنيسة يافة الناصرة، ولكن تتكرّر مأساته ثانية عام 2010، وتُغلق أبواب كنيسة المجيدل في وجهه، وتُلقى حاجاته الخاصّة في النفايات، ويُحرم من أداء مهامّه الكهنوتيّة في كنيسة المجيدل، ودون سابق إعلام، لتُسلّم المفاتيح ليد أخرى!

وكان الأب رومانوس قد بدأ بترميم كنيسة معلول المهجّرة عام 2008، ولكن عام 2009 أُخِذت منه مفاتيح الكنيسة، وسُلّمت للأرشمندريت إيلاريون في جبل طابور!

الأب رومانوس تابع في نهضة عمرانيّة أخرى في يافة الناصرة، بمشروع ضخم لكنيسة كبيرة ومن تحتها قاعة كبيرة تخدم ليس الرعيّة فقط، بل وأهل يافا أيضًا، وهذا المشروع كان الأب ديمتري الزرّيني قد وضع أساساته، وتقديرًا لمجهوداته، قامت رعيّة يافة الناصرة بتنظيم حفل تكريم مؤازر له في 19-12-2010، بمناسبة اليوبيل الفضيّ، 25 عامًا لخدمته الكهنوتيّة، واليوبيل الذهبيّ لسنّه الخمسين، وذكرى لوفاة البطريرك ديوذوروس. ولكن؛ في نفس يوم التكريم، وصلت رسائل لكل الكهنة والرهبان العرب في الجليل من البطريرك، تمنعهم من المشاركة في حفل تكريم الأب رومانوس!

بدأت التذمّرات المفبركة والشكاوي الموجهة ضدّ نشاط الأب رومانوس، وصارت تكبر وتزداد من النفوس المناهضة والقلوب المعادية، وازدادت الرعيّة مؤازرة له وتشبّثًا به وبموقفه، فما كان في نهاية عام 2011 إلّا حرمان الأب رومانوس من مخصصّات البطريركيّة له، ولكنّه لم يتوقف ولم يرضخ، وتابع يعمل بصمت، وفي شهر آذار عام 2012 أرسلت له البطريركية مساعدًا، لرعيّة صغيرة لا تحتاج الى مساعد.

بتاريخ 10-5-2012، وفي فترة عيد الفصح، وبحسب بروتوكول رقم 481، أرسلت له البطريركية تهنئة خاصّة جدًّا بحرمانه، وقد عمّمت هذه التهنئة في رسالة على كلّ الكنائس العربيّة والمواقع الإلكترونيّة، في الناصرة والجليل وطبريا ودير الطور، تُعلن فيها حرمان الأب رومانوس من كهنوته، وحرمانه من أداء واجباته الرعويّة والروحيّة، وعدم استقباله في كنائسها، بل وإعادته للحياة العاديّة المدنيّة!

هذا البيان والقرار اعتبرته رعيّة يافة الناصرة مُجحفًا وباطلًا وعنصريًّا، وطالبت بإلغائه على الفور، لأنّه مستند على أباطيل وافتراءات كاذبة، بعكس حقيقة أعمال قدس الأب الخوري رومانوس سَكَس، لكن الأب رومانوس وبمرارة تفوق الألم، انصاع مُسالِمًا لهذا القرار المُجحف مدة أربعة شهور وبصمت، على أمل المصالحة وإيجاد لغة تفاهم بين الطرفين، وقد تدخلت عناصر للإصلاح، ولكن موضوعه ظلّ رهين وعود مؤجلة، ودون اكتراث أو اهتمام، مما حدا برعيّة يافة الناصرة إلى إجراء انتفاضة ضدّ البطريركيّة، منذ شهر آب 2012، فقامت بطرد الكاهن الذي عيّنته البطريركية، وألزمت الأب رومانوس أن يواصل خدماته الكهنوتيّة، وكأنّ قرارًا لم يكن!

تابعت رعيّة الطائفة الأرثوذكسيّة في يافة الناصرة مشوار انتفاضتها، وحاولت أن توصل صوت المظلوم لوسائل الإعلام، إلّا أنّ معظم وسائل الإعلام لم تتجرّأ أن تطرح هذه القضيّة الشائكة الحسّاسة، وقد أوصلتها الطائفة الروسيّة إلى روسيا، داعمة الأب رومانوس، الذي يقود نهضة روحيّة وطنيّة إنسانيّة عمرانيّة، من أجل التشبّث بالوطن، ومن أجل ترميم كنائس بقرى مهجرة، وإعادة الحياة والماضي إلى القرى المهجرة، مثل كنيسة المجيدل ومعلول، وبناء كنيسة مار جريس الضخمة الحديثة في يافة الناصرة، بالتعاون مع أبنائها ولجنة الكنيسة وجمعيّة صوفيا الخيريّة، كما ويقوم بتثبيت المسيحيّين الأرثوذكسيّين الناطقين باللغة الروسيّة، ويمنعهم من التهوّد، ويساعد الفقراء والمحتاجين والمرضى، ويبشّر بالمسيحيّة من شمال البلاد على الحدود اللبنانيّة حتى النقب والحدود المصريّة، ويقيم الصلوات ويعيد للأرثوذكسيّة مجدها وعهدها ونورها وأصالتها وانفتاحها على المجتمع، ويُقرّب أبناء الرعيّة من كنائسها، ويدعوهم على أهمّيّة المحافظة عليها وعلى وجودهم في البلاد، لأنّ المسيح هو ابن فلسطين والشرق، وليس غربيًّا ولا مُستوردًا من الغرب، والناصرة وطبرية والجليل وبيت لحم والقدس تشهد كلّها أنّه ابن فلسطين، الأرض المقدّسة!

الأب رومانوس صوته الحرّ الصارخ عدلًا، يُطالب البطريرك ثيوفيلوس الثالث وأخويّة القبر المقدس بوقف الإجحاف بحقّ الطائفة العربيّة، وبحقّ الناطقين بالروسيّة، واحتضانهم، والتعامل مع الرهبان والكهنة العرب الوطنيّين بمحبّة وأُخوّةٍ دون عنصريّة، ووقف ملاحقتهم والتضييق عليهم، وإعطائهم حرّيّة العمل الروحيّ والدينيّ والاجتماعيّ دون تقييدات ولا عقبات، وإعطائهم الصلاحيّات التي هم محرومون منها، كالمطران عطالله حنا، والريّس مليتيوس بصل، والريّس خريستوفوروس حنا، الذين يعانون الكثير ويمنعون من أداء واجبهم كما يجب.
شكر الخوري رومانوس رضوان سَكَس أبناء رعيّته المبارَكين والمخلصين في يافة الناصرة، على وقفتهم الشجاعة وموقفهم المشرف وصمودهم، ورفضهم لقرار الحرمان الذي فرضه البطريرك ثيوفيلوس الثالث وأخويّة القبر المقدّس عليه، والذي يتنافى مع القانون الكنسيّ، ومع كلّ التعاليم المسيحية، وهو قرار باطل ومجحف مستند على افتراءات وأكاذيب، أهدافها وقف النشاط الرعائيّ، والذي لم يخطر بباله يوما أنه يقف موقفا كهذا خلال ال 28 عام من خدمته الرعائيّة ورسالته الروحيّة، وهو الذي نذر نفسه للعمل الرسوليّ الروحيّ، وسيبقى مخلصًا للتعاليم المسيحيّة وللكنيسة وللقوانين الشريفة، ولن يخون ولن يغدر ولن يخضع لبراثن الغش والخداع والاحتيال، من أجل أن يكسب رضى الرئاسة الموجودة حاليًّا، مفضّلًا العناء والاضطهاد مع أبناء رعيّته الذين يحبّهم ويُقدّرهم كثيرًا، ويُثمّن عاليًا وقفتهم الشجاعة والصامدة والمبدئيّة.

كما أعرب عدد من أبناء رعيّة يافة الناصرة المطّلعين على تفاصيل القضيّة، بأنّ هذا القرار اتّخذ لإرضاء فئات سياسيّة، همّها إنهاء الوجود المسيحيّ في البلاد المقدّسة وفي الشرق الأوسط، والعمل على تهجير المسيحيّين العرب والروس من هذه البلاد، من خلال اتّباع سياسة "فرِّق تسُد"، ومن خلال التهميش والتجهيل والاضطهاد والتخويف للرعيّة وللكهنة العرب الروحيّين والوطنيّين، بالاستناد الى قرارات عنصريّة مبطّنة، وتحت ذرائع مختلفة لا تمتّ إلى الحقيقة بشيء، إنّما تحويل كنيسة المؤمنين البشر إلى كنيسة حجر، والعمل على فصل أبناء الرعيّة العربيّة عن شعبهم العربيّ الأصيل، وعن حضارتهم العريقة وإيمانهم القويم، وهذا النهج طبّقه اليونانيّون منذ عام 1534، بعد أن قام العثمانيّون بطرد البطريرك العربيّ عطا لله في القدس، وتعيين بطريرك يونانيّ بفرمان وقرار من الباب العالي، وهكذا تسلّم الرهبان اليونان إدارة البطريركيّة العربيّة المقدسيّة، تحت مسمّى "أخويّة القبر المقدّس"، وهم من الرهبان اليونان، يحكمون الرعيّة العربيّة وأوقافها، والتي تهدف تثبيت حكم العِرق اليونانيّ، وإبعاد الرهبان العرب والكهنة والرعيّة العربيّة، بقوانين عنصريّة لا تمت الشرع المسيحيّ وتعاليمه بصلة، انّما محاربة الرهبنة العربيّة.

لقد بدؤوا باضطهاد الراهب العربيّ المطران عطالله حنا، وحرمانه روحيًّا واجتماعيًّا، ولكنّه بقواه الشخصيّة وبايمانه، لا يزال يفرض وجوده بالنضال المستمرّ، فهو مطران بدون صلاحيات. لماذا؟

كذلك الأمر بالنسبة للراهب الأرشمندريت مليتيوس بصل من كفرياسيف، والذي تمّ إبعاده عن دير التجلي في مدينه رام الله، وسُحبت منه صلاحيّاته، لأنه يعمل على توثيق العلاقة بين الكنيسة والرعية، فكانت مكافأته النفي من مكان لآخر، تحت عناوين وذرائع مختلفة.
والأمر نفسه يتكرّر مع الراهب العربيّ الأرشمندريت خريستوفوروس حنّا، قائد النهضة الروحيّة في الأردن الحبيب، وفصله من عمله في المحكمة الكنسيّة، تحت مسمّيات وذرائع وأكاذيب مختلفة، لكن الحقيقة أنّه يقود نهضة روحيّة، فقد استطاع إقامة أديرة لرهبان وراهبات بالأردن ومن الرعيّة العربيّة، ليكسر عنوان أخويّة القبر المقدّس اليونانيّة، وكأنّه لا يوجد شبّان وشابّات عرب يريدون أن يسلكوا في سلك الرهبنة، وأن يضحوا من أجل رعيّتهم وشعبهم، وهذا الكسر والفضح للتعامل اليونانيّ الحقيقيّ العنصريّ للرعيّة العربيّة، كان أجره العناء، ونصيبه الحرمان، ومكافأته فصله من وظيفته بالمحكمة الكنسيّة، وذلك للضغط عليه من أجل إلغاء الرهبنة العربيّة!

في نهاية اللقاء تمّ توزيع رسالة كتبها الأب رومانوس للبطريرك باللغة العربيّة والروسيّة جاء فيها:

صاحب السيادة رئيس أساققة ثابور سابقا، والجالس حاليًّا على الكرسيّ البطريركيّ الأورشليميّ

السيد ثيوفيلوس الجزيل الاحترام

اسمحوا لي يا صاحب السيادة بعد لثم أياديكم، أن أكتب لكم هذه الرسالة الصريحة بدون مراءاة، مُعبِّرًا فيها عن مبادئي وأفكاري فيما يتعلق بالمشاكل التي بيننا، بعد أن رفضتم مرارًا سماعها منّي شفهيًّا بالكامل.

يعلم سيادتكم أن سيامتي الكهنوتية التي تمت عام 1985 من قبل المثلث الرحمات السعيد الذكر البطريرك ذيوذوروس الأول، هدفها خدمة الرب وكنيسته المقدّسة في بلادنا المقدّسة. وقد أوصاني وقتها غبطته بالاهتمام بإرشاد وتعليم الناطقين باللغة العربيّة أوّلًا، ثمّ لاحقًا الناطقين باللغة الروسيّة وغيرها من اللغات، بأسس وتعاليم ومبادئ الإيمان الأرثوذكسي القويم، نتيجة للجهل والفراغ الروحيّ الذي كان سائدًا. وقد أشاد أيضا بمبادئ واستقامة الدير والسمينار الروحيّ اللاهوتيّ الروسيّ في أمريكا، الذي فيه تعلّمت. وعلى هذه المبادئ والتوصيات سِرت وما زلتُ أسير حتّى يومنا هذا.

ما حدث عام 2005 من انقلاب في بطريركيّتنا، أدّى الى خلع البطريرك الحاليّ إيريناوس الأوّل عن كرسيّه، ثمّ عزله والإغلاق عليه وحجز حرّيّته، رغم عدم توافر سبب قانونيّ كنسيّ يستوجب ذلك، وهذا لهو سابقة لا مثيل لها في تاريخ بطريركيّتنا وكنيستنا. وعلى الرغم من ذلك، فقد أغلقنا أعيننا، وسددنا أفواهنا، ولم نقم بـأيّ ردّ فعل، فتعاونّا معكم مثلما كان ذلك في كفركنّا قانا الجليل، عندما كنتم رئيسًا روحيًّا عليها قبل جلوسكم على العرش، وتعاونّا في كل ما يتعلق بالمنفعة الروحيّة التنويريّة لأبناء رعيتنا الأرثوذكسيّة الناطقة بالعربيّة، من خلال النشاطات التبشيريّة المتنوّعة، وعلى رأسها إيصال وتوزيع نشرات ومجلّات نور المسيح والرزنامات السنويّة.

وللأسف الشديد، فإنّكم منذ أكثر من خمسة سنوات وأنتم تلاحقونني، وتحاولون تدبير المؤامرات لعرقلة كلّ النشاطات الروحيّة والتبشيريّة والخيريّة. بدأتم ذلك بشفاعمرو بزرع الشقاق مع الكاهن المساعد الآخر، وأمره بعدها بتغيير الأقفال وإخراجي من الكنيسة، وفي المجيدل التي قمنا فيها بترميم كنيسة القديس نيقولاوس، وبناء سور يحيط بها لحمايتها، وإعادة الصلوات والخدمات الروحيّة إليها والقيام بفعاليّات أخرى، قمتم بتدبير مؤامرة جديدة فيها، ومنعي من الصلاة والخدمة فيها، وأيضا منعتم قرع الجرس، وأمرتم بهدم كلّ ما تمّ عمله لتحقيق الفعاليّات الخيريّة المختلفة. لماذا فعلتم ذلك؟ هل تستعيبون بانتمائنا وتقاليدنا المسيحيّة الأرثوذكسيّة؟ هل تخافون قلّة من المتطرّفين اليهود، الذين يُعادون الوجود المسيحيّ الأرثوذكسيّ، في أيّ بلدة يهوديّة كمجدال هعمك. أذكركم بكلام الرب : " كلّ من يعترف بي قدّام الناس، أعترف أنا به قدّام أبي الذي في السموات، ومن ينكرني قدّام الناس أنكره أنا قدّام أبي الذي في السماوات" (متى 10:32). أتعلّم يا صاحب السيادة، كم كنت سبب عثرة الكثيرين، وبالذات للأطفال الذين كانوا ينتظرون العطل المدرسيّة، ليأتوا الى كنيسة مار نقولا بالمجيدل للصلاة والفعاليّات الخيريّة المختلفة. ألم تصلكم صرخة أولئك الأطفال الأبرياء، الذين كانوا يتحسّرون ويبكون ويضطرّون للبقاء في البيوت، أو التسكع بالشوارع وممارسة الأعمال غير المفيدة. تذكّروا كلام الربّ أيضّا: "من أعثر أحد هؤلاء الصغار المؤمنين بي، فخير له أن يعلّق في عنقه حجر الرحى ويغرق في لجة البحر". (متى 18:06).

تابعتم أوامر منع تأدية الخدمات الكنسيّة لإخوتنا المؤمنين من الناطقين بالروسيّة، في كلّ من الرامة والبعنة وترشيحا. أمّا في يافة الناصرة فحاولتم أيضًا زرع الفتن، ومنع ممارسة الخدمات الروحيّة للجالية الروسيّة، ودمجهم مع الرعيّة المحليّة الناطقة بالعربيّة، ومنع القيام بأعمال البِرّ والرحمة، لكنّكم هذه المرّة لم تنجحوا، حيث أنّ الرعيّة التي كانت شاهدة على ما حصل من مؤامرات في كنيسة المجيدل المجاورة، صحيت لهذه المؤامرة الجديدة، ووقفت صامدة ولن تسمح بتكرار ما حصل في شفاعمرو والمجيدل والرامة والبعنة وترشيحا وغيرها.
قمتم بقطع معاشي منذ أوائل السنة الحالية 2012، وأرسلتم عن طريق المطران كرياكس تطلبون حضوري، ولكنني لم أكن لأحضر من تلقاء نفسي، لأنّي سئمت الجلوس معكم لرفضكم الصراحة والمواجهة مع الاطراف الأخرى من الوشاة والمشتكين. لذلك طلبت من المطران كرياكس بنفسه أن يعيّن موعدًا لحضوري، إلّا أنّ ذلك لم يتمّ، فأصدرتم بعدها أمرًا انتقاميًّا مزاجيًّا غير قانونيّ بحرماني من سرّ الكهنوت، وعمّمتم ذلك في كلّ الكنائس التابعة للبطريركيّة، وللإرساليّة الروسيّة أيضًا، ومن خلال وسائل إعلام ومواقع مختلفة، تهدّدون وتخيفون الكهنة والشعب، وتمنعونهم من مشاركتي بأيّة خدمة كنسيّة. أذكركم بكلام بولس الرسول: "لا موت ولا حياة، ولا ملائكة، ولا رئاسات، ولا قوّات ولا أشياء حاضرة ولا مستقبلة، تقدر أن تفصلنا عن محبّة الله التي في المسيح يسوع ربنا" ( رومية 8:35).

وما يخصّ الطاعة، أيّة طاعة تطلبونها سيادتكم؟ الطاعة التي فيها أذى وضرر للقريب، ومخالِفًا الوصيّة الأساسيّة تحبّ قريبك كنفسك؟ أذكركم بأنّني كنت طائعًا دومًا حتى الموت، في كلّ ما فيه خدمة ومنفعة وتثبيت الأرثوذكسيّين في حفاظهم على إيمانهم. وقد غامرت بحياتي قبل حوالي 12 سنة، لأصل قرية الزبابدة لإجراء إكليلين فيها وقدّاسًا إلهيًّا يوم أحد، في فترة منع التجوّل وإغلاق الطرق نتيجة لحالة الحرب مع العراق، أيّام الرئيس صدام حسين، وقد غامرت وتعرّضت للخطر في وقت السفر الى هناك، ولكنّني كنت مبتهجًا، بأنّني منعت عائلتين بأكملهما من الانتقال الى طائفة أخرى، نتيجة عدم وجود كاهن أرثوذكسيّ في ذلك الوقت.

وما يخصّ جمعيّة صوفيّا لرفاهة المسيحيّين الأرثوذكسيّين، فقد أنشأناها لعمل الخير للإنسان الأرثوذكسيّ، بغضّ النظر عن انتمائه القوميّ، وترميم الكنائس المهجّرة التي على رأسها كنيسة مار نقولا بالمجيدل، وكلّ ما فيه منفعة المسيحيّين الأرثوذكسيّين وتقويتهم وتثبيتهم في الأراضي المقدّسة. لماذا تحاربون هذه الجمعيّة، وقد بعثنا لكم ملفًّا بدستور وأفكار الجمعيّة ورسالة لطلب البَرَكة، ولكنّكم رفضتم التعاون.

لا تفكّروا يا صاحب السيادة أنّكم من خلال سياسة التجويع والتحطيم والتهديد، تستطيعون أن تثنوني عن إيماني وأعمالي التي أحاول فيها المحافظة على دقّة عقائد وتقاليد وطقوس كنيستنا المقدّسة، وعلى إخلاصي لدعوتي الكهنوتيّة التي جعلتم منها وظيفة لمعاش، وربطتموها بالأختام والأوراق، واهتممتم بالشكليّات، في حين أهملتم المضمون والجوهر. واعلموا أنّي لا أملك المال الكافي لرشوة أحد، ولا صلة لي مع أصحاب السلطة والحُكم. لكن ما أملكه هو إيماني الثابت، وقناعتي التي لا تتزعزع بالطريق الضيق المؤدّي إلى الخلاص، الذي يتطلّب احتمال المشقّات والإهانات، من أجل الحفاظ على الإيمان المسيحيّ القويم نقيًّا ثابتًا لا عيبَ فيه، أمّا الطريق الرحب والسهل الذي تنصحون به، وهو المؤدّي إلى الهلاك فأنا رافض له . تذكّروا قول الرب: "ولا تخافوا ممّن يقتل الجسد ولا يستطيع أن يقتل النفس، بل خافوا ممّن يقدر أن يهلك النفس والجسد في جهنّم". ( متى 10:28).

بعد قراركم بحرماني، وبناءً على تدخل البعض من مطران وكهنة وعلمانيّين لحلّ هذه المشكلة، فقد تنازلت عن الكثير عاملًا ضدّ ضميري، فكتبت رسائل مختلفة فيها الاعتذار، وتوقّفت عن الخدمة الكنسيّة لفترة محدّدة، ولكن عبثًا وبدون أيّة جدوى.

ألا تذكرون كم كنت في الماضي أتردّد عليكم، وأحاول فتح مواضيع روحيّة مهمّة لم تكونوا لتعيروها أيّ اهتمام، بل كنتم تغيّرون الموضوع، وتتحدّثون بأمور عالميّة وإداريّة، ثمّ تحاولون إسكاتي وإنهاء حديثي بتقديم بعض من المال؟

إنّكم تهدّدون يا صاحب السيادة، وتتوعّدون كلّ من يُصلّي معي بالحرمان، والبعض الآخر تقدّمون لهم الرشاوة والإغراءات لتمنعوهم من الاتّصال بي. وأمّا أنا فأقول لسيادتكم، مُعتمِدًا على القول الإلهيّ: "لي النقمة أنا أجازي يقول الربّ. فليس ما أُهدَّد به، سوى أن أذكّركم بيوم الدينونة الرهيب، كيف سيقف كلّ منّا أمام الديّان العادل، مُقدِّمًا أعماله وما صنعه في حياته.

بناءً عليه، أعلن مع أبناء رعيتي المباركين والمخلصين للكنيسة المقدّسة وتعاليمها، عن تحرّرنا من سلطانكم الجائر، وانفصالنا عن رئاستكم الظالمة غير القانونيّة . وأملك لنفسي الحق الكامل في الالتجاء إلى أيّ مجمع مقدّس أرثوذكسيّ تقليديّ قويم، يسير على العقائد والعبادة الحسنة، ويتعامل معنا بالحقّ والعدل والاستقامة، حيث نتمكّن من الاستمرار في مسيرتنا الكهنوتيّة الى الأمام بمخافة الله وباستقامة.

اعذروني يا صاحب السيادة، أنّني أخاطبكم هكذا وليس كما تتمنون يا صاحب الغبطة، لأنّ صاحب الغبطة موجود وهو حيّ يُرزق. إلّا إذا كنتم قد وضعتم قانونًا جديدًا، يسمح بوجود بطريركيْن معًا في نفس البطريركيّة. واعذروني أيضًا أنّني أعمّم هذه الرسالة على وسائل الإعلام، والمواقع التي عمّمتم فيها قرار حرماني، لتوضيح الحقيقة الكاملة أمام كلّ مؤمن يهمّه هذا الأمر. "ليس مكتومٌ إلّا سيُعلن، ولا خفيٌّ إلّا سيُعرف. الذي أقوله لكم في الظلمة قولوه في النور، والذي تسمعونه في الأذن اِكرزوا به على السطوح". (متى 10:27).
وفي الختام أدعو نفسي وأدعو سيادتكم لمراجعة ضمائرنا، والعمل في حياتنا الحاضرة على إرضاء الله، لا على إرضاء شهواتنا وكبريائنا، لكي نستحقّ الحياة الأبديّة، علّه يستجيب لنا.. آمين.

بإخلاص ومحبة لا رياء فيها: الأب رومانوس رضوان سَكَس

راعي كنيسة الروم الأرثوذكس- يافة الناصرة


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى