الأحد ١ حزيران (يونيو) ٢٠٠٣
بقلم سليمان نزال

كلمات بيضاء على شاطىء البحر الأسود..

لعل الرحلة الخاطفة إلى ربوع بلغاريا, و التي جمعت ثلاثة أصدقاء, هي التي ألقت بهذا الوجع الفاتن في حشايا الروح و درب الرغبات المتموجة, لتبدأ بعد ذلك, أسئلة الجسد و فؤاده و عقله بالهبوط تدريجياً من علياء التوازنات المحرجة إلى أرض النزهات العابرة. و لست بهارب من عقد المقارنات بين زمن إشتراكي, بكل حسناته و سيئاته و فضائله و ثغراته, و بين التركيبة السياحية التي تقف فوق رأس نظام لم يعثر على هوية متماسكة حتى في النطاق الرأسمالي , فمعظم عيون البلغاريين التي تتطلع بشوق و حرمان إلى البضائع المعروضة في واجهات المحلات التجارية الزاخرة بكل جديد إستهلاكي, لا تستطيع, ببساطة إلا إمعان النظر و التحسر على الماضي و ميزاته و الخدمات التي كان بقدمها لفئات و شرائح الشعب المختلفة. للعولمة أسبابها و ضحاياها وأربابها, فلا جنة إلا للسائحين هنا و خصوصا سكان الدول الرأسمالية, للأغنياء, لمافيا النهب الدولية.

على سبيل المثال, إنتشرت الدعارة و أعمال اللصوصية, والصور الخلاعية, و العصابات التي تفرض خوة على أصحاب المحلات و الأملاك, كيف لا يشكو المواطنون و قد تحدثنا إلى بعضهم من أزمات و صعوبات وافدة, لم تكن أزمة النطام الإشتراكي السابق, في المقارنة معها, غير مشكلات كانت قابلة للحل لولا مسلسل الأخطاء الجسيمة و النزعات الرأسمالية لدى قيادة الهرم الإشتراكي؟ "راتبي لا يتجاوز 70 دولار" يقول لك سائق التاكسي, و يقول نفس الشيئ الموظف البسيط و العامل و العاملة و البائع..

لكن حبل الأسئلة يمتد على الرمال الذهبية في فارنا, للبحر الإسود, و أنت مع صديقيك في إجازة سريعة-ما كنت ستفعلها لولا إغراءات التذكرة, رخيصة الثمن-, و تريد أن توقف نزيف الذاكرة قليلا فلا تفلح, ماذا لو كانت الرحلة على سواحل فلسطين محررة وسيدة و عائدة إلى أهلها و أهلها إليها يعودون؟
و بعض الأسئلة يأتيكَ عاجلا, مغريا, مناديا في الشوارع عليك, لا يحتاج إلى تورية, لا يصمد أمام الإبهام و اللبس, لا يحب التورية, لا يطيق المواربة, فجهات الجمال تنتظر أن تدق أبوابها بيدين ثابتتين, فحين تبدي رغبة في الإسترخاء و تدعو إلى غسل الهموم و تجميد واجب الأحزان و المكابدات الفلسطينية و التي لها" فروع" شخصية, يحتج عليك" مفيد" و يتمسك بالموقف الإيديولوجي الموروث حتى حدود العجب و الإستغراب..فيبلع "عاطف" الذي يتعاطف مع ميولي, صمته, و يدعونا إلى غداء فاخر في "البينا" لا تتجاز تكلفته ثمن علبة سجائر في الدانمرك مع "البقشيش" الضروري !
أردنا أن" نهرب" من صدمات الأخبار و الأحوال العربية و لو لمدة أسبوع, ثم نعود إلى طرقات حزننا الفلسطيني العادي و اليومي, فنعبر عن شكنا بخارطة الطريق وبتلك الموافقة الشارونية المخاتلة عليها, و نشكك بجدوى لقاء السيد أبو مازن مع مجرم الحرب, قاتل أطفال شعبنا, السفاح شارون.

لكن مفيدا الذي يعرف القليل من الروسية أخذ يتابع الأخبار السياسية من خلال تلفاز الفندق- الغرفة ايضا- و حين كانت تصعب عليه مسالك اللغة يطلب العون من عاطف الذي يجيد البلغارية-درس في بلغاريا-. و ادلو بدلوي متدخلا في بعض المناسبات, بلغة سلوفاكية شبه منسية, يصعب إستخدامها بعد كل هذه السنوات!
و أحدق في سقف الإحتمالات الممكنة, مع كل جلسة في مقهى, في حديقة, على شاطىء البحر الأسود, مع كل ضحكة لفتاة بلغارية ..أقول مثلا: نسبة الجمال مرتفعة في هذا البلد يا مفيد..فيهز رأسه كأنه يحتج على حق مشرد فلسطيني في التمتع بمفاتن حسناء بلغارية, و حين تستقبل توقعاتي موافقة ضمنية من عاطف, لكنها خجولة, أستريح قليلا دون أن أقتنع تماما بجدوى حمل كل هذه الجسور الموصلة إلى الواجبات و الإلتزمات, في سفرة عابرة!
و تدور أسئلة في رأسي, أبوح ببعضها و أخفي البعض الآخر في جوارير الحذر و الموازنة..هل عقدنا كفلسطينيين حلفا مقدسا مع الألم و الهم, فى نتركه و لا يتركنا, أنتمسك به إلى درجة العبادة, ألا يحق لنا الفرح و التمتع بالمسرات البسيطة مثل بقية الشعوب, هل علينا ان نتخلص من الإحتلال البغيض و نبني دولتنا المستقلة, قبل أن نجرؤ عل كتابة قصيدة غزل؟

هل أصبحنا نخاف الفرح, نستحي من إظهاره, أليست السعادة بكل معانيها و تدرجاتها المتعددة, هدفا ساميا نناضل من أجل تحقيقه و نحن نسعى إلى التخلص من شرور و قهر الإحتلال الصهيوني لأرضنا و شعبنا؟
في فلسطين المحتلة, نعرف أن نعش الشهيد الطاهر الذي هو عرس فخر و إعتزاز, و الذي تحمله أكف الصقور و بواسل الإنتفاضة المباركة, يلتقى مع مسرات و أعرس و أفراح في نفس الطريق الكفاحي..المسألة عادية إذن, عند الفلسطينيين المتمسكين بإنتفاضتهم حتى النصر و الإستقلال و العودة.
لماذا المكابرة تستمر؟ لماذا هذا الجمود في "الموقف الإيديولوجي" أخشى أن يحرمنا هذا الموقف, و نحن في بلغاريا الجميلة, من التمتع بالجمال الممتد من عيون الطبيعة الخلابة حتى عيون النساء و خصوصاً الغجريات منهن؟!


مشاركة منتدى

  • بلغاريا بلد جميل جدا بطبيعته و الاماكن السياحيه و خاصتا شواطئ البحر الاسود albena , golden sand, suny beach ولكن المشكله الرئيسيه في هذا البلد شعبه الله يستر منهم, نظرتهم للعرب دونيه و احتقار هم اصلا كشعب بحترموش بعضهم فكيف سيترمون الاخرين.
    والله بعيني و اذني رأيت كيف يتعاملوا مع السياح بضحك بوجه ولما يروح بسب عليه.
    اما مدنهم و الاخص صوفيا خدث ولا حرج.
    اما الي بفكر يدرس في بلغاريا اذا حاب يدمر نفسه فليأتي لبلغاريا, مستوى تعلمي منحط و الدفع على ابو ودنه كيف لا و راتب البرفسور 200 يورو, 200 يورو في بلغاريا بكفوش حق خبز للشهر.
    ولي حاب يستفسر عنبلغاريا انا جاهز.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى