الأحد ٧ نيسان (أبريل) ٢٠١٣
بقلم عثمان آيت مهدي

جيل الإبهام الصغير

أتحفنا الأستاذ نصر الدين العياضي بمقال عنوانه: "جيل الإبهام الصغير"، بجريدة الخبر، بتاريخ 01 أفريل 2013، هذا المقال أزال عنّا الكثير من الغموض الذي كان في اعتقادي الشخصي يلف شخصية ونشاط وحيوية الجيل القرن الواحد والعشرين، الذي اتهم بالتكاسل، والارتماء في أحضان العيش الرغيد، وقطع أواصر القربى بالجيل القديم. حيث وقع شرخ بين الجيلين، جيل الخمسينات والستينات من القرن الماضي وجيل نهاية القرن العشرين وبدايته.

هذا الجيل، القليل منه من يحفظ المتون، أو بعض المعلقات، أو بعض قصائد أبي الطيب المتنبي، أو أبي فراس الحمداني، أو غيرهما. مقارنة بجيل القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، تجد المئات بل الآلاف من يحفظ الكثير من الشعر الجاهلي والأموي والعباسي، وحتى قصائد ابن الوردي وصفي الدين الحلي، وفي العصر الحديث لشوقي وحافظ إبراهيم.. هل يفهم من هذا الكلام أنّ الجيل السابق أحسن بل هو موسوعة مقارنة بجيل اليوم؟ يرد نصر الدين العياضي من خلال رؤية الفيلسوف الفرنسي ميشال سير، صاحب هذا المصطلح أو هذه التسمية جيل الإبهام الصغير بتساؤل آخر: وهل يستطيع الجيل السابق أن يداعب إبهامه هاتفا من أحدث ما أنتجته التكنولوجيا المعاصرة، الذي يحتاج إلى المئات من اللمسات للإبحار في عوالم من الألعاب والمواقع والصور.. إنه جيل يتقن بإبهامه ما لا يتقنه حافظ المتون والمعلقات.

لو طلب من جيل اليوم أن يتكلم عن الزراعة والأدوات البدائية المستعملة في القرن الرابع عشر أو غيره، أتراه يستطيع الإجابة، وهو يجهل تماما ما عاشه أجداده السابقين عنه بمئة سنة فقط؟ أو طلب من الجيل السابق أن يتكلم عن استخدامات المتعددة للكمبيوتر، وهو يجهل هذه الآلة العجيبة جهلا تاما، أتراه يتمكن من ذلك؟ إنّها مفارقة حقيقية بين من يتقن اللغة الكلاسيكية والأدب الكلاسيكي والأخلاق الرفيعة والآداب النبيلة والخضوع لنظام القبيلة وسلطة الأب.. وبين من يتقن اللغة البسيطة السهلة، التي يسميها البعض بلغة الصحافة، وأدب المقال والقصة القصيرة، والتي أطلق عليها عميد الأدب العربي طه حسين تسمية أدب الساندويش، إلى جانب اكتساب المزيد من الحريات، والتخلي عن كثير من القيم والأخلاق.
والآن، أيّهما أذكى من الآخر؟ وأيّهما أعلى مستوى؟ وأيّهما أصلح للبقاء واستمرار الحياة؟ إنها أسئلة صعبة الإجابة، وإن كان الفيلسوف الفرنسي ميشال سير يرى أنّ جيل اليوم اتهم دون ذنب اقترفه، لأننا نريد له ما لا يناسبه، ونحمّله ما لا طاقة له، ونفرض عليه ما لا يؤمن به. لقد آن الأوان لمعرفة متطلبات جيل الإبهام الصغير والعمل على ترجمة طموحاته ورغباته إلى سلوك قويم يؤدي به إلى تسلق سلم النجاح والتطور، أحسن من أن نكيل لهم من الشتم والملاحظات السلبية والصور المثبطة للعزائم الشيء الكثير.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى