الخميس ١٨ نيسان (أبريل) ٢٠١٣
أن ترى الغربي عمران
بقلم مصطفى لغتيري

خير من أن تسمع به

علاقتي بالأدب اليمني عموما ليست عابرة ولا سطحية، إذ توطدت صلتي به منذ فترة ليست قصيرة، وقد تشكلت قناتي المفتوحة على هذا الأدب من رجلين اثنين، كريمين إلى حدود البذخ، أكن لهما كل الاحترام والتقدير، وأعبر عن امتناني لهما بما قدماه لي في هذا المجال، أولهما الصديق القاص البشير زندال، الذي ما فتئ منذ حط الرحال بالمغرب من أجل نيل الدكتوراه في الترجمة، يعمل جاهدا على ربط أواصر متينة ما بين الأدباء الأشقاء في كل من اليمن والمغرب، فطفق البشير بكرم أخلاقه، ونبل محتده يزودني بإصدارت الكاتبات والكتاب اليمنيين، فاتسعت معرفتي بأدب هذا القطر الشقيق،بعدما كانت محصورة في أسماء قليلة من قبيل عبدالعزيز المقالح والصديقة نادية الكوكباني، وقد كان البشير بالموازاة مع ذلك ينقل إصدارات المغاربة ومنها إصداراتي الجديدة إلى اليمن السعيد، ومنها إلى سلطنة عمان ساعيا إلى تكوين مكتبة مغربية، تيسر على اليمنيين الاطلاع على الأدب المغربي بدون عناء.

ثاني اثنين صالح البيضاني الذي عرفته عبر الشبكة العنكبوتية مروجا للأدب اليمني والعربي عموما على نطاق واسع، مستغلا - في سبيل تحقيق ذلك- الإمكانات البسيطة المتاحة، وهكذا يسرت لي معرفته التوغل أكثر في أدغال الأدب اليمني الحديث.

خلال إقامته بالمغرب تكررت لقاءاتي بالبشير زندال، الذي تعرفت من خلاله على الكثير من الأديبات والأدباء اليمنيين عبر إبداعاتهم شعرا وقصة ورواية، وكانت درة الحظ وجوهرته تعرفي على الكاتب اليمني محمد الغربي عمران من خلال مجموعته القصصية " حريم أعزكم الله "، ثم من خلال جوهرته الإبداعية الجميلة والفريدة " مصحف أحمر".. هذه الرواية التي أسرتني طويلا، فكانت لي معها جلسات متعددة، إذ قرأتها مرات عدة، ثم أغرتني بالكتابة عنها، محفزا بعوالمها الثرية، التي قدمت لي صورة عميقة عن المجتمع اليمني، فشعرت من خلال أجواء الرواية بقربها الكبير مني، حتى حسبت أن شخصيات الرواية مقتبسة من مجتمعنا المغربي، طبعا مع تحفظات لا بد منها،يستوجبها الاختلاف الضروري والمنطقي ما بين بلدين، تفصل بينهما مسافات شاسعة وتحولات داخلية خاصة.

في رواية مصحف أحمر حفر الغربي عمران عميقا في وعي ولاوعي الإنسان اليمني، فكشف عن الواضح والمستور، وأنطق المسكوت عنه في الدين والجنس والسياسة، فأنتج – بفضل ذلك- رواية بمقاييس عالمية، جرت عليه لعنة الانتقام من قبل الرقابة السياسية والمجتمعية،وأدى ثمن ذلك منصبا مرموقا أجهزة الدولة اليمنية.

منذ ذلك الحين ترصدت أخبار الكاتب وسعدت كثيرا حين توج بجائزة الطيب صالح للرواية في السودان، والحقيقة أن الجائزة ازدانت به كما ازدان بها اسمه، فعرشت –حينئذ- في العقل والقلب أمنية صادقة وعميقة، تتجلى في السعي إلى رؤية هذا اليمني الجميل الشامخ،والحظوة بلقائه والاستماع إليه ومناقشته، وكأن الدهر لم يصدق أذنيه، إذ سرعان ما تحقق اللقاء، وكان بالفعل باذخا وأكبر من التوقع، التقيت برجل مكلل بعفويته وانطلاقه، ورشاقته وابتسامته الأبدية، حقيقة هوأكبر من ان تصفه الكلمات أوتحصره الذاكرة في صورة ما،قبل أن يظفر النظر برؤياه.

إنه الغربي عمران بسحنته الجنوبية السمراء ونظرته الباسمة، وبعلامات الاستفهام المعلقة دوما على ملامحه تعبيرا عن الدهشة التي يلمحها المرء في أعماق عينيه كلما تلقف الرجل خبرا أوالتقطت عيناه مشهدا. إنه رجل يتمتع بروح طفل.. على سجيته يتجول في دروبنا، يشاغب.. يضحك.. يسخر.يقارن. يستنتج.. ويعلن حبه وكرهه مباشرة وبدون تهيب، ثم ما يلبث أن يرمي من حوله ورود المحبة، فيقبل عليها محدثه بكثير الحب والتلقائية، بعد أن تنتقل عدوى العفوية والفرح إليه.

دمت صديقي / صديقنا أستاذ محمد، ودام لك ألق الإبداع الجميل المثير للجدل، المحفز على المزيد من الحفر عميقا في ذواتنا الفردية والجماعية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى