الجمعة ١٩ نيسان (أبريل) ٢٠١٣
نادي السيارات.. وموهبة
بقلم هاني حجاج

الأسواني الذكية!

السؤال الذي تطرحه رواية علاء الأسواني الجديدة الصادرة هذا الأسبوع عن دار الشروق هو: هل نثور على الطاغية الذي يوفّر الأمن ونُسقطه ونواجه الفوضى برحيله، أم نقبل بطغيانه في مقابل الاستمتاع بالأمان الذي يُسبغه علينا؟!

هناك من يخنقهم نجاح الأسواني! ولعلك تتعجب في سرّك من نجاح (عمارة يعقوبيان) الذي لا يتناسب كثيرا مع بنائها أو يجادلك قاريء آخر في محتوى (شيكاجو) أو التركيب الدرامي لمجموعة (نيران صديقة)، لكن الذي يجب الانتباه إليه هو أن سبب نجاح يعقوبيان الرئيس ليس التفاهمات السرية بين الدوائر الأدبية ودور النشر العالمية كما تُلسن الشائعات والتشنيعات، بل -بكل بساطة- هو أنها رواية مفهومة بها أحداث ولها رأس وقدم وطول وعرض وارتفاع. قل ما شئت في أنها لا تحمل الأبعاد الفلسفية لأدب محفوظ أو حرارة روايات محمد مستجاب، لكنها (مقروءة) وبها (أحداث) محددة المعالم، فوق تلال من الإصدارات العبثية لأسماء كبيرة ولأنصاف الموهوبين، عناوين جذّابة والمحتوى غامض لا معقول، يدّعي مناقشة تفكّك القيم كذريعة لبناءه الدرامي المفكك، لا حس زماني أو مكاني وفقط مونولوجات طويلة وثرثرة داخلية يمكنها أن تستمر للأبد.

الأسواني قال في حفل توقيع روايته الجديدة بدار الأوبرا: "أنا روائي وكاتب وطبيب أسنان، إلا أن الأصعب أن أكون روائيا، لأن تلك المهنة تتطلب وحدة وتركيزا وعناء وتعبا." لقد استغرقت (نادي السيارات) ستة أعوام لكتابتها، تخللتها فترات توقف، وفترات أخرى في متابعة الأحداث الجارية الساخنة التي تمر بها البلاد عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير. تتناول الرواية حادثة اختراع السيارة لأول مرة في العالم عام 1886 على يد بنز، ويقول مؤلفها: "اكتمال قراءة الرواية يجيب عن بعض الأسئلة التي طرحتها ثورة 25 يناير، وهو حدث بشكل غير عمدي خلال الكتابة، وربما جاء نتاج الأفكار التي تشغل العقل الباطن للكاتب والتي تدور حول الثورة حتى قبل اندلاعها."

تدور أحداث الرواية في الأربعينيات من القرن الماضي حيث ولادة حزب الوفد وفورة النشاط الشيوعي، وحديث عميق عن (ألكو) صاحب النفوذ العجيب في القصر الملكي الذي يدبّر أمور الجميع ويحظى بالتقدير مقابل ما يقدمه من أمان محشو بالطغيان. بالطبع هي إدارة جيدة لموهبته، كما هو معروف عن الأسواني، الذي يعرف جيدا أننا في فترة حنين للماضي البعيد ولابد من الهروب من عاصفة الأحداث الطاغية، وبذكائه هذا كان أوائل الكتّاب الذين اهتموا بحفلات التوقيع والخروج في جولات ترويجية لرواياتهم وهو تقليد غربي قديم وناجح. والذين حضروا حفل روايته استمعوا إلى أجزاء منها قرأتها الفنانة يسرا والفنان عزت العلايلي مع تمثيل حوارات منها.

في أحد حواراته قال الأسواني: المفروض أن النجاح الكبير لا يساعدك، بل إنه يجعلك في مواجهة أزمة، لسبب بسيط، أن العمل حينما ينجح فإنه يعلي من مستوى تطلعات النقاد والقراء، وبالتالي تتم محاكمتك من نقطة عالية جدا في العمل التالي، وفي الأغلب تكون أنت في مواجهة سؤال: كيف تتجاوز النجاح الكبير نفسيا وعمليا؟ وبالتالي فإن من لم يستطيعوا تجاوز النجاح هبطوا هبوطا سريعا جدا!

تقع الرواية في 644 صفحة لا تشعر فيها بالملل لأن الأسواني موجود في كل صفحة بأسلوبه المشوّق المعهود، حتى ولو أنك تراه وحده ولا ترى باقي الشخصيات!، وكل فصل يتناول شخصية لا نعرف ما الذي حدث لها بطريقته السردية السرية في يعقوبيان وشيكاجو حتى تضطر لقراءة عدة فصول لمعرفة مصير كل شخصية! فضلا عن أن كل فصل ينتهي بحركة مغرية أو بسؤال مثير، وهنا يقل الوصف كثيرا وتزيد الحوارات وهو يناقش نفسية الخدم حيث تلجمهم فكرة الرزق فتخرسهم عن النطق بالحق. الجنس موجود بالطبع كالعادة وأحيانا خارج السياق، فهي جرعة ثابتة علينا أن نتحمّلها في رواياته التي ستنتقيها أيضا سيدات (مودرن) ويناقشنها في ندوات صاخبة، لكن الجنس هنا أكثر براءة من (شيكاجو) التي كان بها ثلاثة أرباع فصل كامل يتحدث عن استخدام القضيب الذكري الصناعي! لكننا افتقدنا عنصر المفاجأة المميز في الروايتين السابقتين، فشخصيات نادي السيارات ظهرت بملامح نهايتها ولم تحدث لها أية تحولات جذرية. وبينما يقول الأسواني أنه قد تحرّى كل دقة في تأريخ الأحداث، ولم تجد دار الشروق أية أخطاء من أي نوع في الرواية، نلاحظ في الرواية أن (الكو) يمسك بصورة الملك وهو يلعب القمار في نادي السيارات ويصفها المؤلف بأن الملك يظهر في الصورة واضعا طرطورا أحمرا تتدلي منه شراشيب ملونة. لكني أعتقد أنهم لم يخترعوا كاميرات الألوان وقتها!!


مشاركة منتدى

  • المبدع هاني حجاج تحية من فلسطين تحمل الود والتقدير وبعد ..
    رائعة كلماتكَ ودقيقة مفعمة بالإبداع والثقافة العالية..

    أنا معكَ وخاصة في راوية شيكاجو التي أعتز في أسلوبها وسرد أحداثها.

    أشكرك على هذا التقديم للرواية الجديدة لهُ وأتمنى أن يكون بيننا تعاون ما في المستقبل.
    بكل الود والتقدير وهيب نديم وهبة " شاعر وكاتب مسرحي فلسطيني"

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى