الأحد ٥ أيار (مايو) ٢٠١٣
الغياب والحضور في نص
بقلم أسمى وزوز

مقهى الغياب للأديبة أسمى وزوز

في مقهى الغياب
بطعم الحزن في مدينتك في مقهى الغياب
الموجع انتظرتك
بعمر الزمن
فأتيْت
مرتدياً معطفَك
وحاملاً ذاكرتك بيدك كي لا تبوح يوماً
بما تختزن لياليها والدجى والبدر المفتقَد وجسر الصمت الذي شكا متضجراً
من سيرك
بذاكرة الحزن مضيت وعلى خطى الغياب أتيت تتأمل قهوتك
وحزني وتكتب
في دمعي

قصيدة
بلون الرماد وبطعم قهوتنا المُرّة تقبض على ذاكرتك المبعثرة

بريح الخوف بوجع الموت بصمت الكلمات كلانا يتوه بعمر المسافات بصدى الأنفاق كلانا بكى كالغيمة التي تختزن دمعنا كشهاب محترق لوداعنا

*****

من حزن النخيل أتيت بمدامع قلبك
تحضنه فضاءات الغربة وأنا
أتذوق مرارة دمعك
وكسرةً
من عذابات ذاكرتك
 
*****
مُوجِع أنت مُوجِع عشقك مُوجِع صمتك مُوجِع حزنك
انتزِعْني من صمتي ومن وجعي
من ذاكرتي
ومن دمعي من تيهٍ فيك
تسمّر
فلا تقبض
على جمري
بيد الزمن المرّ ولا تشدُ
أنشودةً بمعزوفة حزني
 
خطَطْتَ على الرمل اسمي
وحفرت فيه قبري
فجئتك بعد الأيّام
طيفاًيعاتبك
بصدى الخيبات
دهراًويهبك منّي
بعد الموت
عمراً
غريبٌ أنتْ
غريبٌ أتيتْ
وغريبٌ مضيتْ
وعلى جرحي
مشيت
فصَمَتَتْ الأيام
وأنت صَمَتَّ
فمضيت
ثُمَّ
رحلت
الحضور والغياب في «مقهى الغياب»

للشاعرة أسمى وزوز

إن خاصيتي الحضور والغياب والامتلاء والافتقار لا يكاد يخلو منهما شاعر أو لا يفصح عنهما شعره ، حيث يغدو(الغياب تحطيما لعادة الحضور ، وتحريكا لنوازع الشوق*1.

وباعتبار ذلك فان الشعر يقوم على كل منها " الحضور والغياب " ولا يمكن للنص ان يستوفي شروط التمكين الاستيعابي اذا لم تبرز فيه جدلية الحضور والغياب بشكل تكافئي فإذا كان الاول يمثل الدال بحضوره الشكلي فان الثاني يمثل الدلالة ويسبر في اغوار المعنى بمرونة .

في جملة اسمية ظهر العنوان مجرورا بحرف الجر " في " فحققت ظرفية حقيقة مكانية " المقهى " لتشد القارئ من أول وهلة لما قد يدور في مكان عمومي يرتاده الناس للالتقاء في حضور مادي ولكن هنا ظهر الغياب لتتسل إلى مخيلة المتلقي تساؤلات عديدة عن هوية الغائب وسبب الغياب وهنا ستسبح المخيلة في فضاء واسع ولكن إطاراته تظل محددة بين المكان " المقهى " والغياب الذي يمثل البعد و الاكتفاء بالذكريات .. والمعاناة .. و الانزواء ً .. والبكاء على الأطلال الخ .." ويؤسِّسُ المعجمُ الشعري مفرداتِه على ما يُشتق من دلالة العنوان *2 ، مثـل (الحزن ، متضجراً ، دمعي ، الرماد ، المبعثرة ، الخوف ، وجع ، الموت ، صمت ، يتوه ، بكى ، دمعنا ، وداعنا ، الغربة ، مرارة ، عذابات ، مُوجِع ، تيهٍ ، جمري ، المرّ، قبري ، الخيبات ومن ثمة نرى انه ومن الوهلة الأولى بهذا الحضور الدلالي " الدال " سُجل الغياب " المدلول " كمرجع معدوم وهو ما يعني ان العنوان وحده قد حقق التواصل الذي تتطلبه الظاهرة الشعرية التي تنطوي لا بد على جدلية الحضور والغياب وبقدر ما يكون بينها تماسك قوي بقدر ما يكون النص الشعري قوياً ومعبراً كما جاء في تعريف سوسير في أكثر من مرة إلى هذه القضية واعتبر أن الدّال يمثل حضوراً (حضور مادي) وأن المدلول يمثل غياباً (غياب مادي ولكنه حضور معنوي).

دخلنا مدينة القصيدة التي خلت من القافية واختلطت فيها التفعيلات على وقع الشعر الحر الأمريكي ذو شطر واحد ليس فلا نجد له طول ثابت وإنما نجده من شطر إلى شطر ولكن ظل القانون العروضي ينتقل بإحكام ليولد الموسيقى الداخلية فتوفرت منذ الوهلة الأولى المجازية التي استخدمتها الشاعرة كمطية وبشكل مرن ومرتب لتمرير بعض تفاصيل الواقع لتجسيد المعنى العقلي المجرد .في صور مكثفة متداخلة بشكل رهيب مع العاطفة الجياشة التي قد يكون مبعثها واقع عايشته الشاعرة لحظة تولد النص . ظهر العنوان مرة أخرى في الشطر الأولي بين الحزن الموجع والانتظار ليؤكد حضوره في النص وكم كان الانتظار طويلا " بعمر الزمن " هذه الصورة التي توحي ان كل انتظار مهما قصر فهو طويل ثم في مشهد آخر يبرز الطرف الثاني المخاطب وتتجسد صورته وشكله وفي ومضة " مرتديا معطفك" لتكتمل الصورة ويتم الانتقال ليجد المتلقي نفسه يتحرك في مستوى آخر دون ان يشعر.

في مقهى الغياب
بطعم الحزن في مدينتك في مقهى الغياب
الموجع انتظرتك
بعمر الزمن
فأتيْت
مرتدياً معطفَك
وحاملاً ذاكرتك بيدك كي لا تبوح يوماً
بما تختزن لياليها والدجى والبدر المفتقَد وجسر الصمت الذي شكا متضجراً
من سيرك

وهكذا كما نرى يظل الغياب حاضرا ليجسد الغرض الشعري حضوراً وقد وفقت شاعرتنا في توأمته مع الشكل لتقوم القصيدة في آخر المطاف بمهمتها من خلال تدفقها في تناسق مع انسياب معنى المفردات وهو حضور موضوعي يترجم مدى تماسك النص لغويا ودلاليا . وكم كان هذا المقطع قويا :

مُوجِع أنت مُوجِع عشقك مُوجِع صمتك مُوجِع حزنك
انتزِعْني من صمتي ومن وجعي
من ذاكرتي
ومن دمعي من تيهٍ فيك

فنجد ان بناءة يتواتر على مستوى خطين الاول "وجع وصمت ودمع وجمر ومرارة وحزن " والثاني امل غائب في معنى الغياب الحاضر على مستوى توسل " انتزعني .. لا تقبض ..لا تشد " وفي هذا التناسق الثنائي تتجلى صور ودلالات تشد القارئ الى كنه القصيدة من خلال تسريب انماط من الكلمات الشاعرية الرقيقة رغم انها مخلوطة في قصد باليات الواقع المأساوي الذي لا امل فيه ومن ثمة فان النص تنقل تنقلا تصاعديا ليبدأ باللقاء وينتهي بالرحيل الذي لا امل في لقاء بعده

ولعل المتمعن في المقطع الاتي سيلاحظ ان الغياب هنا هو موقف انفجاري انبعث في كثافة شعورية غاضبة امتزج فيها الغضب بالتوسل فصنع صورا بديعة رائعة .

تسمّر
فلا تقبض
على جمري
بيد الزمن المرّولا تشدُ
أنشودةً بمعزوفة حزني

فإذا ما اعتبرنا هذا النص في مناجاته للمحبوب يتموقع ضمن فضاءات شعر الغزل الحر فان الشاعرة ظلت تراعي القيم فلم تخترق العفة والطهارة والحياء عكس ما نراه بقوة في هذا النمط من الشعر.

خلاصة يمكن القول ان حضور الغياب في مقهى الغياب يمكن ملامسته بمجرد الولوج في صور النص الأولى ويتجسد المعنى العقلي بقوة أكثر كلما تم التوغل في وحدات النص لان الترابط بينها يجعل منه حلقات سلسة متكاملة . وحتى اكون منصفا مع كل طبقات القراء فانه يجب التنويه أن لكل قصيدة بوابات عدة تختلف يقينا باختلاف ميولات القراء الثقافية والمزاجية "وبوابة اللغة هي المدخل الأساسي للدخول إلى عالم القصيدة لكن هذا لا يحجب عنا النظر لنقول إن هناك طرائق أخرى للولوج إلى عالم القصيدة ، وأزعم أن اللغة الأدبية بصفتها تحمل شحنة معينة ، فإنها تدلَّنا منذ البدء على شكل هذا العالم ."*3 غير ان القراء جميعهم على اختلاف مزاجهم لابد وأنهم سيلتقون في بنائها اللغوي لأنها في النهاية هي وحدها من توصل المعنى العقلي التي بنيت القصيدة بلبناتها من اجل الوصول بالقارئ الى التفاعل اللحظي

ابو يونس الطيب

د عبد القادر الرباعي: جماليات المعنى الشعري «التشكيل والتأويل». المؤسسة العربية للدراسات والنشر. بيروت. ط 1.1998 م. ص 26.

دراسات جمالية نصيّة في الشعر السّعودي الجديد. لدكتور عبد الله خلف العسّاف ص 237
الظاهرة الشعرية العربية الحضور والغياب د حسين خمري ص 45


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى