الخميس ١٦ أيار (مايو) ٢٠١٣
مصافحة..
بقلم بلقاسم بن عبد الله

صحـفـنا المتعددة والفعل الثقافي

.. وإلى أين تسير بنا قافلة صحفنا الوطنية المتعددة وقد تجاوز رقم عناوينها اليومية العشرين بعد المائة؟.. أي نوع من القراء المداومين تخاطبهم بمقالاتها و تحليلاتها؟.. وماذا تضيف للرصيد الأدبي والفكري و للفعل الثقافي؟.. تساؤلات مثيرة للجدل ظلت تواجه صاحبي المعزز، وهو يستخلص نتائج وثمار سنين عديدة من العمل الإعلامي، وبعد متابعته لمستجدات ملف وحش السمعي البصري، و تكريم نخبة من أسرة الإعلام بمناسبة العيد العالمي للصحافة وحرية التعبير المصادف ليوم 3 ماي..

طوى أوراق جريدته الخبرية المفضلة، وشرع في الحديث الجدي الرصين كمن يواصل كلاما انقطع خيطه بفعل تدخل خارج نطاقه:

ـ صحفنا على العموم، تتنازعها السلطة والأحزاب والقطاع العام والخاص. وأقلامها مسايرة أو حائرة بين يقظة الضمير و لقمة العيش، بين استمالة القراء والتسلط على رقابهم. فالحقيقة واحدة واضحة، ولكنها تتحول إلى حقائق متناثرة متنافرة، بقدرة أقلام ملونة تجيد فن المراوغة والتحايل، واستعمال الأملاح والتوابل، فلكل طعام لذيذ أطباقه و مذاقه.

ـ مفهوم الخدمة العمومية لا يحظى بالأهمية والأولوية المطلوبة في أذهان وأعمال مسيري معظم الصحف اليومية التي تقتات عادة من مادة الإشهار و الإثارة عن طريق نشر الأخبار الرديئة الغريبة عن إهتمامات و إنشغالات فئة عريضة من المواطنين.

ـ ما يسمى بالصحف الجهوية أو المحلية على قلتها وعلتها تظل في معظمها بعيدة عن أخبار وأحداث أجوائها القريبة، ومأساة ومعاناة المواطنين المظلومين المهمشين، و لم تتمكن من الإستفادة من فعالية ومفعول الإذاعات الجوارية التي كيفت موادها الإعلامية و الثقافية لتنسجم مع جمهورها العريض.

ـ تعتمد معظم الصحف اليومية على مراسلين غير متفرغين، تنقص غالبيتهم الكفاءة و الإحترافية، و غالبا ما تعامل مراسلاتهم و كتاباتهم بميزان البطاطا، فتقدم لهم أقل مما يستحقون، وقد تتخلى أو تستغنى عنهم عند مطالبتهم المشروعة بمقابل مادي يتناسب مع جهودهم المستمرة.

ـ المادة الأدبية والفكرية و التاريخية والعلمية تتموقع و تتقوقع في ركنها المظلم المهمل المهمش. و قد غابت الملفات و الملاحق الثقافية التي برزت وانتعشت أيام مجد صحفنا الوطنية: الشعب، الجمهورية، النصر، ثم الخبر، الأحرار، الشروق، الجزائر نيوز.. لتفسح المجال واسعا أمام صفحات الإثارة و الإشهار.

ـ يكاد الفرق شاسعا بين ما ينشر في صحفنا العربية عن زميلتها الفرنسية اللسان، و أولى بنا هنا أن نتساءل بمرارة: أي نوع من القراء نسعى إلى تنويرهم وتوعيتهم؟.. هل هناك الحد الأدنى من التنسيق المطلوب لتكوين الرأي العام المتجانس، باعتبار هؤلاء القراء شريحته العريضة؟.. وإلى أي حد تستجيب لاحتياجات المواطن في حق الإعلام الموضوعي و احترام الثوابت الوطنية؟.

ـ عندما نتصفح جرائدنا المفرنسة على كثرتها وتنوعها، تكاد في معظمها تلتقي عند نقطة إهمال وتهميش أعلام ورموز النبوغ الجزائري في دنيا الأدب والفكر والعلم والإعلام. فهي تركز اهتمامها على الجديد في الساحة الثقافية والفنية بفرنسا و البلدان الغربية، وتغفل أو تتجاهل ما يجد في المساحة الوطنية والعربية في حقول الثقافة والإبداع.. وهي بذلك، تخلق هوة سحيقة بينها وبين القراء، واهتماماتهم المتجذرة عبر العمق الوطني العربي الإسلامي، بكل ما يعنيه من حضارة وسياسة وثقافة.

ـ وفي المقابل، تظل معظم الصحف ذات الحرف العربي رهينة أفق ضيق محدود ينحصر أساسا في مسائل و قضايا التاريخ والتربية والهوية الوطنية و البعد العربي الإسلامي، تحصر جل جهودها حول مجالات وموضوعات محددة، في حين تظل ساحتنا السياسية والثقافية والاجتماعية حبلى بالقضايا الكبرى التي تفرض حضورها القوي على القراء و الرأي العام..
هذا التباعد بين اهتمامات صحافتنا، من الجانبين يترك آثاره العميقة على القراء، وبالتالي، تزداد الهوة اتساعا بين الجيل الحاضر والأجيال القادمة.

ويعود صاحبي المعزز ليرشف قهوته الصباحية وسط نخبة من أحبابه المحترمين، في حين يظل التساؤل الكبير يستفز ذاكرته: وإلى أين تسير بنا قافلة صحفنا الوطنية المتعددة والمختلفة بعد أن تجاوز عدد عناوينها اليومية العشرين بعد المائة؟..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى