السبت ١ حزيران (يونيو) ٢٠١٣
مصافحة..
بقلم بلقاسم بن عبد الله

الحاكم يخشى العالم

.. أيهما أولى وأنفع في نظر المجتمع، هل هو الحاكم المتربع على عرشه، أم العالم الذي يحمل فكره ويتوسد كتبه؟..هل الأديب أو المفكر هو الذي ينبغي أن يذهب إلى الحاكم أو السلطان أم العكس؟.. وهل الوزير يخشى الصحفي حقا؟.. تساؤلات مثيرة للجدل واجهتني هذه الأيام، قبيل تكريم نخبة من الإعلاميين بمناسبة الاحتفال بالعيد العالمي لحرية الصحافة والتعبير يوم 3 ماي المقبل.

قد يكون و قد يكون.. غير أن الأمر عندنا، في وطننا العزيز أو في عالمنا العربي الإسلامي، يختلف من حالة إلى حالة. و غالبا ما نجد الأديب أو المفكر أو الصحفي يسعى بطرقه الخاصة للتقرب من أي مسؤول، مهما انخفضت درجته وقيمته.. و أحيانا يلح على طلب موعد لمقابلة والي الولاية أو مدير هذه المؤسسة أو تلك.. أما عن مقابلة الوزير أو الرئيس، فتلك مسألة معقدة تحتاج إلى أكثر من قريب أو وسيط..

جالت بذهني هذه الأفكار و التساؤلات،وأنا أتأمل واقعنا الثقافي و السياسي. وأعود إلى مصافحة صفحات التاريخ الغابر، لأقرأ العبرة بين سطوره المنيرة، من خلال واقعة حدثت، وقد تحدث في أي مكان أو زمان.. حدثت الواقعة في عهد الاسكندر الأكبر (356-323 قبل الميلاد) ملك مقدونيا، و يعتبر من أبرز الشخصيات في التاريخ، حيث يرجع إليه فضل نشر الحضارة الإغريقية في ربوع الشرق. ففي عهده، كان هناك فيلسوف يوناني شهير هو: ديوجنيز (412-323 ق.م)، يروى عنه أنه كان يجوب الطرقات نهارا جهارا، حاملا مصباحا ليبحث عن "الانسان" الذي تتمثل فيه الفضائل البشرية الرفيعة.

سأله الإسكندر مرة: ماذا يتمنى؟..أجابه: يتمنى أن يبعد عنه حتى لا يحجب ضوء الشمس.. و ذات مرة أرسل الإسكندر من مقدونيا رسولا إليه في أثينا، يرجوه أن يذهب للقاء الامبراطور. و أجاب الفيلسوف قائلا: و لماذا لم يأت الإسكندر إلى هنا؟.. إن أثينا فيما أعلم لا تبعد عن مقدونيا، إلا بقدر ما تبعد مقدونيا عن أثينا.. عندما تكون لي عند الامبراطور حاجة سأذهب إليه، و عندما تكون له في لقائي رغبة، فعليه أن يأتي هو إلي...

ترى، أي شيء كان مع هذا المفكر الفيلسوف من مظاهر القوة و الرفعة، حتى يستغنى عن الحاكم الامبراطور، و يتخذ هذا الموقف؟.. في الواقع، لم يكن معه من متاع الدنيا شيء، وبالمقابل كان معه كل شيء. كان معه فكره الحر و إرادته الحرة، و همته و قناعته و نبل رسالته..

فالأدباء و المفكرون و الصحافيون يملكون حريتهم و قناعتهم، يحترقون من أجل خير و سعادة الآخرين.. فهم يمنحون كثيرا، و يأخذون قليلا.. ذلك قدرهم، و هو سر عظمتهم و خلودهم.. فهل يحتاج الحاكم العادل، أو الوزير أو المسؤول إلى قريب أو رفيق أو وسيط ليصل إلى هؤلاء للإستفادة من فكرهم المنير و رأيهم المغاير و النزيه؟.. أم بإمكان كل طرف أن يستغـني عن الطرف الآخر، رغم قـساوة عواصف الحياة؟..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى