السبت ١٥ حزيران (يونيو) ٢٠١٣

قراءة في أعمال المايسترو مصطفى السباعي

بقلم: نجوى الحساني التائب

يُعد الفن التشكيلي مرآة للواقع. فالتشكيل مثله مثل ميادين الثقافة هو مُنتج بشري، لذلك لا يمكن فصله عن الواقع والتغييرات في البنية الاجتماعية والسياسية والثقافية للشعوب والمُجتمعات كافة.

ولعل تاريخ الفن التشكيلي المغربي يفتخرُ ويعتزُ بأسماء لامعة، قدمت عطاءات إبداعية وجمالية ذات إحساس صادق، وبروح صوفية، ورسالة المواطنة المسؤولة. كما عرفت بالوطن الغالي عالمياً، وبطقوسه وتقاليده ومناظره الخلابة، وبقيمه السامية. لقد لعبت هذه الأسماء دوراً مُهماً ومُميزاً في تطور مسار الحداثة الفنية، وأعلت راية الفن التشكيلي الوطني في سماء الإبداع العالمي، حتى صار يحتلُ اليوم مكانة مرموقة على الساحة التشكيلية العالمية.
ومن الأسماء التشكيلية المغربية البارزة، التي استطاعت نقش اسمها بماء الذهب، الفنان التشكيلي المُقتدر، والمُميز بأسلوبه وبتقنياته الفنية التي ينفردُ بها، المايسترو مصطفى السباعي، الذي دخل عالم التشكيل من بابه الواسع، منذ أكثر من أربعة عقود، بمثابرة وإصراره وببحثه المُستمر، وبتنظيمه لمعارض فردية، ومشاركته في المعارض الجماعية وطنياً وعالميًاً، حتى أصبح يتألق في كل مشاركة.

لقد شق طريقه الفني بعمله الدءوب بصمت، ليُبدع ويجعل أعماله تُخاطب وجدان وباطن المُتلقي للوحاته الرائعة، وعمل سفيراً للفن التشكيلي المغربي في عدة دول عالمية، وهذا الفنان المُقتدر بعطائه ومساهمته في الحركة التشكيلية المغربية، بجديته وإحساسه الفني الصادق، وبأعماله التي تغوص في أعماق الإنسان وتهتم بقضاياه ومُعاناته، وطرحه لمواضيع عميقة وفاعلة، بل اتسمت في بعض الحالات بميزات الجرأة والمهارة في اختيار الألوان حتى يخرج للوجود لوحة فنية رائعة بإحساس صادق وبجمالية فائقة.

والفنان السباعي استعذب مُمارسة الفن التشكيلي، فخلق لنفسه أسلوباً خاصا به، يتميز به على الساحة التشكيلية في الوطن العربي. والمتلقي لأعماله الإبداعية الرائعة يستطيع عبر لوحاته الغوص في لجة الحياة المغربية، ومعايشة وقائعها وشخوصها، وتذوق جماليتها القائمة على تناسق الألوان والظل والضوء. إن فن السباعي هو عصارة عمل حضاري، والحضارة لا تقوم بالعاطفة وحدها،ولا بالعقل وحده، بل هي نتاج انصهار التذوق والقُدرات في بوتقة الإنسان المُبدع، العاشق لحارات وأزقة، المدن العتيقة، وخاصة تطوان، التي يعيش فيها، ويستنشق من هوائها النقي المليء بعطر الفنون الجميلة، وبمهارة الصناعات التقليدية والنقوش الأندلسية والخط العربي.

يتأتى الإبداع لديه من قوة حُضوره، وجماله، وجديته. إنه يرسمُ بإحساسه الصادق دور وصوامع وأزقة المدن المغربية وطقوس وتقاليد شعبها ، هذه العادات الجميلة التي يُجسدها الفنان التشكيلي السباعي بقوة ويعطيها حياة لتبهر المُشاهد ويتفاعل معها، حتى تتوه به في عالم الإبداع الراقي، انغمس في أعماق الشعب المغربي بحثاً عن روحه الوطنية والقومية،وتلمسُ في إبداعاته هُوية الإنسان المغربي، الذي استطاع الحفاظ على تقاليده ووعيه الجماعي داخل مجتمع حضاري مُنفتح يُعبر عن نفسه بإشكال مُختلفة.

وما حققه الفنان السباعي في القرن الماضي، حتى نال إعجاب النقاد وعُشاق الفن التشكيلي، جعله يُبهر المُشاهد اليوم بإبداعاته الفنية المُتجددة، التي يُنظر إليها بعين الدهشة والإعجاب، ساعده في ذلك تاريخه الفني الطويل. وهي إبداعات توجد بالقصور والبيوت لتعطي لمساره الفني الصبغة التكاملية. يُحلق الفنان السباعي بأفكاره بعيداً حتى يبدع إبداعاً فنياً يدعونا إلى التوقف والتأمل...هو دائماً تخلط هوايته وعشقه لفنه وريشته وألوانه الزاهية المتأثرة بتاريخ وحضارة الأمة العربية الإسلامية، والجذور الإفريقية وتتفتح قريحة الفنان السباعي بنبتة فنية ذات مذاق خاص... ترصد الفكرة، ويأسرها، وإن عز الإمساك بها، ليؤطرها في لغة خاصة متحررة من قيود الزمان والمكان...والسباعي أحد رموز الفن التشكيلي المغربي، الذين أسسوا مدرسة تشكيلية مغربية خاصة محافظة على الهُوية المغربية الأصيلة،يتفردُ بتقنياته وأسلوبه الفني الرائع. له إبداعات فنية ثرية، وتاريخ مجيد في عالم الفن التشكيلي المغربي والعربي، وأعمال الفنان السباعي عبرت الحدود لتفرض وجودها على الساحة التشكيلية العربية والعالمية.

فإبداعات الفنان التشكيلي المغربي مصطفى السباعي، تعكسُ حواراً متصلاً مع كل شيء بداية من حوار الإنسان مع ذاته،وحواره مع ألآخر، ريشته تعمل بإصرار على كشف الحقيقة،وألوانه تبحثُ عن الصدق..يرسمُ السباعي بإحساسه الصادق هذه الوجوه وهذه الحالات الفلكلورية ليكشفُ المكنون والدفين فيها ويؤكد هذه الحميمية مع الذات ومع الآخر المُكمل لها، أو المُتنافر معها، في لُغة تشكيلية عميقة.

ارتبطت دوافع التعبيرعند الفنان االسباعي بواقع بيئته المغربية بجميع عاداتها وتقاليدها، وبجذوره التاريخية والتراثية والجمالية والفلكلورية، فأخذ من الفلكلور المغربي. ليوظفه على إبداعاته بإحساس صادق ليقرأ المُتلقي لوحاته التشكيلية مُميزة الحكايات، الطفولة، المسيد، وآيات قرآنية تُزين إبداعاته الرائعة يقوم بتوظيف مُختلف عناصر التعبير توظيفاً واقعياً بما يخدم محتواه الوطني،كما يختار الموضوعات المُستمدة من تاريخنا المغربي العربي الإفريقي الإسلامي، محافظاً على هُويته الراسخة، وتكشفُ واقعية السباعي الصوفية بحركات قوية على أعماله الفنية تتركُك تتأمل وكأنها تحكي لك حكايات وروايات بألوان زاهية ومؤثرة، شكلت وشائج تعبيرية تحققت كإنجاز تشكيلي عبر موضوعات مُتنوعة ومستقاة من الواقع،ومن الحركات البشرية، مُتمسكاً بطقوس وطنه وخاصة البيعة والولاء يركز على مواقف إنسانية بجمالية ملفتة للنظر..وظف السباعي، أساس موروثاته الجمالية، من طبيعة حياة جماليات به، فصارت في أعماله..طبيعة عميقة..ووجوه صارخة صامدة ضد رياح التغيير، مُرتبطة بأهمية الزمان والمكان..وفترة الإيحاء والتعبير الصادق باللونية..المُتسمة بالعفوية والشفافية،ووحدة الانفعال اللوني التي يُجسدها رهافة الحدس اللوني في محصلة تفجرانه..حيث الإبداع والتميز والأصالة والإيقاعات المُترقرقة للأشكال والألوان، حيث التوظيف الأمثل..لبداهة الحس الجمالي والمُكونات البصرية،المشعة بوهج شفافية الحُلم..الإيمان وسيكولوجية إدراكاته الذهنية في أبعاده الصوفية. لماهية عشق ترنيمات اللون..وفق منطق إحداثه الجمالية المُضاءة بالمًؤشرات السيادية لإبداعاته الفنية بروح وإحساس صادق تحمله اللوحة، التي ينتجها الفنان التشكيلي المغربي السباعي، في روح تجربة أصيلة ونادرة في نسيج الفن التشكيلي المغربي وفي عُمق حركة الفنون التشكيلية العربية ليحتل مكانة مرموقة في سماء الفن التشكيلي المغربي والعربي وحتى العالمي.

بقلم: نجوى الحساني التائب

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى