الأحد ٢٨ تموز (يوليو) ٢٠١٣
بقلم نازك ضمرة

الحكاية طويلة

يجلس صاحبنا على شرفة منزله التي تبعد عن الشارع العام أكثر ما يقدر بخمسة عشر متراً، اعتاد على تلك الجلسة يومياً وبعد صلاة العصر، يفترش الأرض تارة ليتكئ على مساند خاصة، أو يجلس على كرسي مريح خاص غير مرتفع كالكراسي العادية، وله مساند من الجهتين، وقرب ذلك الكرسي المفضل والعزيز على صاحبه توجد منضدة خشبية قوية، ليست مزخرفة ولا لامعة، لأنها تبقى على شرفة المنزل صيفا وشتاء، يطالها رذاذ المطر شتاء، وتشويها شمس الصيف الحارة، لكنها صامدة لأن خشبها صلب وثقيل ومحكمة التماسك.

ما إن يجلس صاحبنا على كرسيه الخاص به، حتى يطلب مخصصات تلك الجلسة، زوجته تعرف مطالبه، حتى أولاده كذلك وبناته، أوجد لأسرته عيشاً هانئاً وبيتا واسعاً تحيط به حديقة واسعة جميلة، زرع فيها مختلف أشجار الفواكه، وخصص جزءا خاصة منها لزهور الرائحة وأخرى لألوانها حين تكون متفتحة،.وبعد جلوسه على كرسيه بربع ساعة أو أكثر، تبدأ متطلبات جلسته في الوصول، باقة من زهور حديقته البسيطة، وإبريق ماء شفاف، يتسع لترين من الماء تقريباً، وكأسان فارغان لشرب الماء، بعدها تصل سجادة الصلاة والسمبحة ومساند على الفراش المجاور للكرسي او مقابله إن غابت الشمس، تتركه ابنته بعد أن تسأله إن كان بحاجة ما، فيداعبها قائلا:
 تعرفين بقية الطلبات.
 فتبتسم بصوت مرتفع مهذب،، وتبدو أسنانها الجميلة، بعد أن شجعها والدها على علاج الاعوجاجات بها لدى طبيب مختص، وتكاليف هذا البرنامج الصحي عالية نوعا ما، أثناء فتحها باب المنزل الرئيس، تظل بسمتها المشرقة على ملامحها، جاذبة بأسنانها االبيضاء الجميلة، تخرج من فمها كلمات تقول: أعرف أنك تريد الشاي مع نعناع كثير يا والدي.

ينشغل صاحبنا بترتيب جلوسه ثانية، تمر بنت من أبناء الجيران في الشارع، فتقف متأملةً ذلك الرجل الجالس على الشرفة مسترخياً، احتار بما يدور في رأسها، لكنه سمع عن والدها الذي يقسو على أسرته، وربما قارنت حاله بوالدها الذي يظل عابساً في دخوله وخرجه من البيت، وتصل امرأة شابة في الثلاثينات عمرها، تنهر البنت المتسمرة أمام مدخل الفيلا الواسع، دفعها ابن الشابة ووقف مكانها، متجمداً، وحين وقفت بجانب ابنها، ربما ودت أن ترد السلام، وبدل ذلك، ابتسمت كتحية، لكن في خجل، ووقفت وبسمتها لا تفارق وجهها لدقيقة، فقال صاحبنا، وعليكم السلام، تمنى أن يطول وقوفها، فخاطبها بعفوية، هل يحتاج الولد شيئاً، لكن تقاليد الحارة ومراقبة الناس لبعضهم منعها من رد الجواب، فجذبت ابنها قائلة بصوت مرتفع:
 تعبت من المشي وأنا أحمل اغراض البيت.

ظهر انهما عادا من سوق اللحم والخضار، ومشيا مسافة طويلة من الشارع العام لشراء حاجات العائلة ليوم أو يومين. نطق صاحبنا ناصحاً الولد قائلاً
 اسمع كلام والدتك يا ولد، فقالت المرأة لابنها
 هل سمعت ماذا قال جارنا؟ هيا نوصل مشترياتنا للمنزل، حتى نستريح من حملها. ودون أن يقول الولد كلمة واحدة، رفع الكيس الذي كان يحمله بصعوبة، وسبق والدته متجهاً صوب منزلهما.

تقطع الأبنة حبل أفكار والدها،، حيث تحضر إبريق الشاي، بعد أن ردت السلام على والدها، ثم وضعته على المنضدة الخشبية المجاورة لكرسي والدها، ثم غطت إبريق الشاي بمنديل أبيض نظيف، فسألت والدها، هل أسكب الشاي لك يا والدي؟ فهز رأسه شاكراً، ثم قال

 دعي هذا الأمر لي.
 في هذه اللحظة يمر أحد الجيران من طرف الحارة الغربي القريب، ينادي علىه فيتوقف الرجل معتذرا بأنه لم يتنبه لوجوده، يدعوه صاحبنا لمشاركته الجلسة، فيحاول الآخر الاعتذار ، لكن صاحب البيت يصر عليه الدخول، وبعد أن رد التحية ردها صاحبنا بأحسن منها وهو يقف مستقبلا ضيفه، وخيره في الجلوس على الأرض او على كرسي سيحضره ابنه، لكن الرجل حبذ الجلوس على الفراش الأرضبي. قترك المضيف كرسيه للجلوس على الفراش الأرضي مثل الضيف.فيبادر الرجل قائلا بصيغة الاستغراب، هل سمعت حكاية الفتى المراهق الذي عاشر اختيه، إحداهما اكبر منه بعام، والأخرى اصغر منه بعام واحد، وعمره سبعة عشر عاماً.
 لم أقرأ الصحف هذا اليوم، ولا استمعت أي أخبار حتى في التلفاز، شاهدت مسلسلة قبل قليل، لكنني شاركت في تعليقات على كتابات وصلتني على شبكة الاتصالات العالمية (النت)، إنها خطأ الوالدين، وولكن كيف يسافر الوالدان ويتركان اولادهما لأكثر من شهر. إن الحرية غير المنضبطة ولا المراقبة في البيت ولليال وأسابيع ستجعل هؤلاء المراهقين أحرارا، وربما يدخلون بتجارب ومغامرات، بقصد أو صدفة، فهل حصل مثل ذلك؟
 هذا ماحصل، ولكن تفكيري يا جاري، ما هو مصير الطفلين اللذين في بطني الابنتين من شقيقهما؟
 مسألة صعبة نترك أمرها للقضاء، انس هذا الموضوع، لقد كنت انتظر صديقا يشاركني شرب الشاي المنعنع، حيث لم أذقه بعد، وهذا الشاي حضر لتوه، ولم أذقه بعد، وسأسكب الشاي لك ولي.
 أشكرك يا جار، ومرحباً بكأس منعنع من الشاي، ثم إن رائحة الزهور بجانبك، والنعناع المخنوق في شايكم، فتحت منافسي، ورغبتي في كأس شاي أستمتع بها ونحن نتحدث.

ينتفح صاحبنا فخراً بكلمات الجار البعيد، ويسكب له كأسا من الشاي، ثم يسأله هل ترغب الشاي أن يكن حلوا؟
 أجل إذا سمحت، او اسمح لي أن أضيف السكر لكأسي بنفسي، تحضر ربة البيت هذه اللحظة،
 حضرت لأسكب لكما الشاي، أو ربما تحتاجان شيئا ما، هل أحضر لكما البسكوت مع الشاي. يجيب الجار
 أما عني فأنا أحب الشاي بمفرده، لأنني تغديبت مبكراً هذا اليوم. يبادر صاحب البيت بدعوة زوجته للجلوس ومشاركتهما شرب الشاي، تتردد وتقول علي أشغال كثيرة في البيت، يعاود الطلب منها الجلوس قائلاً : معك وقت طويل، يتململ الجار وهو يعجل في شرب كأس الشاي التي سكبها لنفسه، قائلاً : اسمح لي أن أغادر.
 ولماذا تستعجل، سألاعبك طاولة الزهر، سمعت أنك لاعب جيد، أما عن وجود أم سعيدـ لا تقلق فلن تخطفها مني، ولن تعشقك في دقائق قصيرة، إننا لسنا متعصبين لهذه الدرجة، وأعتقد أن الزوجة ام الأولاد والبنات لا تفكر بغير حياتها مع اولاها وبيتها، وخاصة في ظل تراثنا ضارب العمق في التاريخ.

تحدثا في مواضيع كثيرة حتى أتينا على ماهو مطلوب أن تفعله الحكومة، ومنها ماهو مطلوب من سكان الحي.أن يطالبا به، فقال المضيف
 أحضري لنا طاولة الزهر يا أم سميح، لعبا حتى قاربت الشمس على الغروب، فاسمح لي المغادرة لصلاة المغرب في المسجد، ثم سأل المضيف: هل ترافقني للصلاة في المسجد؟

فأجابه الرجل: كلا أننني أحب أن اصلي في منزلي مع أسرتي، حسب ظرفي وراحتي.

وقبل مغادرته،يسأل الضيف سمعت أنك سنزور القدس في وقت قريب، فأجاب المضيف
حكايتنا طويلة يا صديقي والصلاح والإصلاح هو الذي يوصلنا لمعظم ما نريد.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى