الاثنين ١٩ آب (أغسطس) ٢٠١٣
بقلم عثمان آيت مهدي

هذيان المحتضر

إنها معزة ولو طارت، لقد جفّت الأقلام وطويت الصحف. حين يفقد العقل صوابه، ويسكنه الجنّ المنتقم يُرفعُ القلمُ عنه. وحين توكل أمّة بحجم مصر إلى أشخاص استبدّ بهم الجنّ وغمرتهم الشحناء والحقد وسكنتهم الضغينة يُرفعُ القلمُ على الأمة جمعاء.

إنّ المتتبع لحالة مصر هذه الأيام ويستمع لبعض المتدخلين من قادة الانقلاب وبعض أعضاء جبهة الإنقاذ يلمس حجم الهوس الذي أصاب هؤلاء، أناس فقدوا لغة العقل وأصبحوا يتكلمون كلاما أشبه بهذيان المحتضر، ولا أرى أجمل ولا أقوى من هذا التشبيه، لأنّ هؤلاء الناس فقدوا الأمل في الحياة ولم يبق لهم سوى الموت يختطفهم جراء إيمانهم بأن المعزة تطير. لنتابع بعضا من منطقهم الغريب.

الترعيب والتخويف بالحرق والقتل والتنكيل لإذلال الشعب وإخضاعه للانقياد؟

الملايين التي ملأت الساحات والشوارع كلّها من الإرهابيين؟

وُجدَ عند هؤلاء الإرهابيين المعتصمين في رابعة العدوية والنهضة صناديق من الذخيرة الحية والأسلحة بمختلف أنواعها؟

هؤلاء الإرهابيون هم من قتلوا الأبرياء من المواطنين؟

هؤلاء الإرهابيون هم من أحرقوا الكنائس ودور العبادة؟

الاشتباكات والاقتتال في الشوارع إنما كان بين الأهالي من السكان وهؤلاء الإرهابيين؟

هؤلاء الإرهابيون تحركهم أياد أجنبية ولا يستبعد أن تكون وراءهم أمريكا وإسرائيل؟

هؤلاء الإرهابيون إنما يريدون الفتنة وإدخال البلاد في دوامة من الحرب الأهلية؟

والكلام يطول ولا يغني من الحقّ شيئا، كلام يطلق على عواهنه دون حياء ولا خوف من التاريخ ولا تأنيب الضمير.

أيعقل أنّ من يعتصم أكثر من شهر في عزّ الحر وشهر الصيام دون سلاح ولا عتاد، ويصرخ بأعلى صوته أنّ الاعتصام سلميّ والمسيرات سلمية تحت أعين كاميرات العالم والمراقبين والموفدين من دول أجنبية لإيجاد مخرج للأزمة التي افتعلها العسكر يحمّل دون وجه حقّ وزر ما انجر عن سياسة الإقصاء والأرض المحروقة التي ينتهجها خبراء النفاق السياسي والعمالة الأجنبية؟

أيعقل أن تسكت إسرائيل وأمريكا إن علمت بأن الإخوان المسلمين وقسما كبيرا من الشعب المصري من الإرهاب؟ إنهم سيقيمون الدنيا ويقعدونها.

أيعقل في القرن الواحد والعشرين، عصر التكنولوجيا وغزو الفضاء، تسيّر البلاد وتحلّ مشاكلها بالترهيب والتقتيل والتنكيل؟ هل تعلم أنّ أمريكا وإسرائيل والدول الأوروبية خائفة من الرأي العام الداخلي، خائفة من شعوبها وإلا مدّت لك يد العون والسلاح لتقضي على شعبك.
تمنيت لو كان أحد المعتصمين الصامدين الصابرين لأكثر من أربعين يوما ثمّ استشهد من أجل قضية يؤمن بها من أعماقه هو وزير الدفاع ورئيس الأركان الحربية لأنّ له من الإرادة والإيمان ما يجعله يحمل مصر على كتفيه ويقفز بها إلى أرض الحرية والازدهار والتقدم.

لكن مصر العزيزة على قلوب جميع العرب والمسلمين يحملها عسكري لا يفقه شيئا في السياسة، ولا يتقن لغة الحوار والإقناع، صاحب النكتة الشهيرة التي تنم عن قصور علمي وثقافي "الأسد مايكلش أولادو" والناس جميعا تعلم أنّ الأسد يأكل أولاده كما تأكل القطة أولادها، وتعلم أيضا أنّ الأسد في سوريا يأكل وينهش ويمزق أجساد أبنائه جهارا نهارا أمام كاميرات العالم.

إنّ الحملة الترهيبية والتضليلية التي تقوم بها سلطة الانقلاب في مصر لا تزيد الشعب المصري إلا قوة وإيمانا بقضيته، فكلّ أمال العرب والمسلمين مشدودة إليهم، لأن مصيرنا مشترك، وتاريخنا واحد والعصا التي نُضربُ بها جميعا واحدة.

النصر لك يا مصر في ظل الإسلاميين أو العلمانيين أو المسيحيين. قاسمنا المشترك حبّ مصر، خدمة مصر، رفع راية مصر، مصر الدولة المدنية التي تحوي الجميع وتعطف على الجميع.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى