الخميس ٢٢ آب (أغسطس) ٢٠١٣
بقلم شادية بن يحيى

الحس الإبداعي الأنثوي تاريخيا

إنّ التحدث عن الحس الإبداعي الأنثوي تاريخيا يقتضي توقفنا عند أهم العصور التي مرت بها المرأة المبدعة حتى الوقت المعاصر، فمن الشجرة المسومة عند الإغريق إلى جسد بلا روح عند الرومان إلى «الفو» أو نظرية الخضوع عند الصينيين إلى سوء آخر وهو اسم الأفاعي عند الهنود إلى اللعنة عند اليهود إلى عار لابد من وأده عند عرب الجاهلية ،كلها مسميات وأوصاف لكائن لم يزل يسيل الحبر في الفكر قديما وحديثا «ذلك اللغز الذي احتاجت النظرية الذكورية كل وجودها على هذه الأرض لمحاربته»(1)

انطلاقا من هذا الوصف التمهيدي لوجود المرأة قديما نلاحظ ما قد عانته من تهميش وتعسف باعتبارها وصمة عار في نظر المجتمعات القديمة ،حيث كانت توازي السلعة التي تباع وتشترى لكل من يريدها ،وهي الخادمة التي تلبي كل طلبات سيدها ورغباته دون اعتراض ،فإذا ذهبنا إلى المجتمع الروماني نجده أنكر أن المرأة روحا خالدة كالرجال ،ورأى بأنّها خلقت لخدمته وتلبية رغباته على الرغم من الاعتراف بإنسانيتها ،أمّا إذا عدنا إلى السومريين فنجد أن الرجل هو المسيطر فله الحق في قتل زوجته أو بيعها مقابل تسديد ديونه وعاقبة الزنا قتل المرأة وإعفاء الرجل ،أمّا في ما يخص المجتمع البابلي فقد كانت قوانين حامو رابي مجحفة في حق المرأة فهي التي تلقي بنفسها في النهر محافظة على كرامة وشرف زوجها،والنظرة نفسها كانت عند الأشوريين هذا من جهة تاريخية قديمة.

وإذا ما عدنا إلى الحقيقة الواقعية فإننا مهما قلنا لا يسعنا أنصاف المرأة وإبراز دورها في الحياة ،فهي تشكل محورا هاما في ثنائية الحياة(المرأة/الرجل) وبغيابها يختل التوازن الطبيعي للكون ،وكلما سمعنا كلمة امرأة ،تتبادر إلى أذهاننا مباشرة أحاسيس الحنان والحب والرقة الأمومة إلا أن هذه الأحاسيس لم تشفع لها ولم تجعلها حرة ولم تمنحها السلام الانساني ،فكانت دائما في ظل الرجل مقترنة به تابعة له وبقيت المرأة لقرون راضخة ومنحنية أمام العادات والتقاليد إلى أن أطل الإسلام الذي أعاد لها إنسانيتها المنتهكة وأعطاها حرية التعبير والاختيار خاصة المرأة العربية ،وجعلها مسئولة عن قراراتها ،وإبداء رأيها وساوى بينها وبين الرجل ،وقضى على الرواسب الجاهلية التي كادت أن تصبح دينا،وتؤكد ذلك بقوله –صلى اله عليه وسلم-"استوصوا بالنساء خيرا فإنّهن خلقن من ضلع أعوج ،وإن ما أعوج في الضلع أعلاه ،فإن ذهبت تقيمه كسرته،فاستمتع بها على عوج"

وبهذا فالإسلام جعل من المرأة نصف الحياة ،والرجل نصفها الثاني وبالتالي أحدهما يكمل الآخر لقوله تعالى:"والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولائك سيرحمهم الله إنّ الله عزيز حكيم (2)

لقد أعطى الإسلام للمرأة صفات كالرجل ،وجمع بينهما في مواقف كثيرة يقول تعالى:"إنّ المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والفاتنين والفاتنات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله والذاكرات أعد لهم الله مغفرة وأجرا عظيما"(3)

وبهذا أصبح للمرأة حق كالرجل تطالب به ،وساوى بينهما في الجزاء والعقاب امتثالا لقوله تعالى:"فاستجاب لهم ربهم إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عليهم سيئاتهم و لأدخلنهن جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب"(4)

لقد جعل الإسلام من المرأة سندا للرجل وذلك من خلال مشاركتها في الغزوات في عهد الرسول –ص-والفتوحات الإسلامية ،وأوصى الإسلام بحسن معاشرة الرجل للمرأة لقوله تعالى :"وعاشروهن بالمعروف"(5)

وبهذا تحررت المرأة والفضل كله للدين الإسلامي بعدما كانت مجرد أمة تباع وتشترى ،ويقتصر دورها على امتاع الرجل كما يقول أوسكار وايلد "النساء وجدن لنحبهن لا لنفهمهن "وهذا انتهاك واضح لطبيعتها الإنسانية فهي تعامل كجسد بلا روح وعقل ،وبعدما استجمعت مجموعة من الحقوق منحها اياها الاسلام رأت بأنّه من الضروري أن يكون لها تاريخا وإبداعا خاصا وتقوم بأي عمل تحاول من خلاله اثبات وجودها لتغير فكرة أنّها "ناقصة دينا وعقلا" ،وأنّ ذكاءها اقل من الرجل ،وحتى تثبت أنّها عكس ذلك راحت تكشف عن قراراتها ومواهبها التي كانت مقيدة وشبه محرمة،ولتثبت أنّها قادرة على تحقيق النجاحات مثل الرجل ،فهي عنصر أساسي في النهضة الفكرية والإبداعية .(6)

وتتضح مسيرتها الحقيقية في أنّها قد أثبتت جدارتها وكفاءتها في كثير من الميادين وبرزت إلى جانب الرجل منذ العصر الجاهلي إلى اليوم حيث لم تترك مجالا إلا وخاضت غماره ووقفت عليه ،ففي الفترة الجاهلية برزت المرأة في مجال الشعر ،وكانت نسبة حضورها كبيرة نذكر من هذه الأسماء مايلي:

 الخنساء الشاعرة الفحلة التي تميزت بغرض الرثاء ،ولها ديوانا شعريا في رثاء أخويها صخر و معاوية ويعتبر ديوانها مدونة العرب.

 الخرنق أخت الشاعر طرفة بن العبد ،لها ديوان طبع في بيروت عام 1897.

 عمرة بنت الخنساء ليلى الأخيلية بنت عبد الله بن رحال بن شداد بن كعب من بني عامر بن صفصفة وهي شاعرة فصيحة وأم غيلان بنت جرير بنات ذي الأصبع العدواني .
وهن كثيرات برزن في أغراض مختلفة للشعر إلى جانب النثر خاصة الحكم والأمثال حيث كان يضرب بهن المثل في الرأي السديد والقول البليغ.

وما ان بزغ فجر الإسلام حتى ارتوت هذه الفئة من تعاليم الدين الإسلامي فزادت حكمة وعظمة على عظمة في الشعر والنثر فبرعت في ذلك أسماء عديدة نذكر منها:

السيدة عائشة-رضي الله عنها-،السيدة أم سلمه ،السيدة فاطمة ،السيدة زينب ،السيدة حفصة رضي الله عنهن ،السيدة الزرقاء ،إضافة إلى أخريات أمثال نائلة بنت الفرافصة امرأة عروة بنت الورد والقائمة طويلة من أهم ما ميز أدبهن التأثر بالدين الإسلامي ،فكان أدبهن حكمة وتربية سواء في الشعر أو النثر .(7)

حيث أثبتت المرأة بلاغتها وحكمتها ومن أمثلة ذلك نذكر ما روي عن السيدة عائشة –رضي الله عنها-كانت تقول:"مكارم الأخلاق عشر تكون في العبد دون سيده ،وفي الخامل دون المذكور ،وفي المسود دون السيد ،صدق الحديث وأداء الأمانة ،والصدق والصبر في اليأس ،والتذمم للصاحب والتذمم للجار ،والإعطاء في النائية ،وإطعام المسكين ،الرفق بالملوك ،وبر الوالدين ..."

وواصلت المرأة مشوارها الابداعي وبرهنت كالعادة تفوقها ،ولقد برزت في العصر الأموي نساء كثيرات نذكر منهن:

أروى بنت الحارث ،أم البنين ،أم الخير حبابة ،عاتكة بنت يزيد بن معاوية ،عزة بنت جميل ،هند بنت أسماء بن خارجة الغزاوي ،سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب ،وتعتبر سكينة أديبة زمانها شاعرة بليغة ،ماهرة حكيمة .(8)

إن ّ مساهمة المرأة العربية في العصر الأموي ذات قيمة عظيمة ،غير أنّ المؤرخين والأدباء والنقاد لم يهتموا بإبراز مساهماتها في هذا العصر ،حيث قال الدكتور مصطفى صادق الرفاعي :"...قلة الشاعرات عند العرب ،وهو إنّما كل قبيلة تعدّ الشاعر لسانها السياسي ،وتعده الخصومة في تاريخها...والعجيب أنّ الذّين ألفوا في طبقات الشعراء لم يذكروا الشاعرات معهن ،لا في الحجاز ولا في الشام ولا في العراق ولا في مصر ولا في المغرب ولا في الأندلس ،وضربوا الحجاب عليهن إذ لا يكاد يعرف في التاريخ كله من مستحق اسم الشاعرة غير بضع نساء معدودات أشهرهن من عددنا وإذا عرفت امرأة واحدة في عصر غطى عليها مئة رجل (9)

وكما برهنت المرأة عن كفاءتها في العصر الأموي ،هاهي في العصر العباسي تبرز بشكل أكبر ،ومن الملاحظ في ادب هذه الفترة بروز الإماء (الجواري) في مجالي الشعر والغناء ألى جانب النساء الأحرار ، ومن بين من برزن في هذا العصر الذهبي نذكر:

 زبيدة بنت جعفر وكانت لؤلؤة ساطعة وهي زوجة هارون الرشيد وأم الأمين ،ترعرعت في قصر أبيها فانفرجت موهبتها ،وتميزت بحدة الذكاء ،وازدادت علما وأدبا في عصر زوجها الرشيد ،ولها مواقف عظيمة ،منها ما يروى أنّه على إثر مقتل وحيدها الأمين ،دخل عليها بعض خدمها ،وقالوا لها "ما يجلسك وقد قتل الأمين" ،فقالت "وما أصنع"،فقالوا "تخرجين طلبا للثأر كما خرجت عائشة تطالب بدم عثمان "،فقالت"ما للنساء وطلب الثأر منازلة الأبطال"،ثم أمرت بإحضار الثياب السوداء فارتدتها وأخذت تكتب للمأمون :"لخير إمام قام من خير عنصر"
لوارث علم الأولين وفهمهم ***********وللملك المأمون من أم جعفر
كتبت وعيني مستمل دموعها**********إليك يا ابن عمي من جفوني ومحجري
وقد مسني ضر وذل وكآبة************وأرق عيني يا ابن عمي تفكري
ولما قرأ المأمون شعرها بكى.

 عبيدة الطنبورية :قال عنها شيخ الفن إسحاق الموصلي "ما رأيت امرأة اضرب من غريب ولا أحسن صنعة ،ولا أجمل وجها ،ولا أخف روحا ،ولا أحسن خطابا ،ولا أسرع جوابا "(10)
 عنانة بنت عبد الله :شاعرة أديبة تحدث بفصاحتها وبلاغتها شعراء العصر العباسي ، بلغت شهرتها أسماع هارون الرشيد.

 متيم الهاشمية :شاعرة ومغنية أحسنت صناعة الكلمة.

 محبوبة :كانت جارية ثم أهداها مالكها الى المتوكل العباسي ،كانت بارعة في الشعر والحكمة.

 أم الشريف:شاعرة من شعراء العصر العباسي ،ذات رأي وعقل وبلاغة.
 زهراء الكلابية الجارية ، الزهراء بنت نصيب الأصفر الحبشي ،عائشة بنت المهدي ،ليلى بنت طريف ...الخ.

هذا في العصر العباسي أما في مقابل ذلك برزت المرأة الأديبة الأندلسية بدأت منذ استتب الأمر للأمويين ،وازدهرت الحياة الأدبية فتمثلت الثقافة النسوية منذ عهد الإمارة حسانة التميمية ،وعهد الخلافة مزنة كاتبة الخليفة الناصر ،ولبنى كاتبة الحكم وشاعرات متعددات (11)

وعلى العموم لقد وجت المرأة فيما بعد متسعا وحرية مجالات متعددة ومنها الأدب ، فظهرت أديبات كثيرات ولعل النقاد يشيدون ببعضهن أمثال"ولادة بنت المستكفي ،عائشة بنت أحمد القرطبية ،وحفصة بنت حمدون الحجازية"،والسماء كثيرة غيرهن وهذا إنّما يدل على مواكبة المرأة للرجل في التطور الاجتماعي والسياسي والعلمي والأدبي ،فسارت بحاذاته في مشواره العلمي الأدبي.

وقد ظلت المرأة تناضل في شتى الميادين حتى توصلت إلى ذروة التقدم الفكري والإبداعي في العصر الحالي خاصة الميدان الأدبي ،فإذا ما تحدثنا عن أديبات العصر الحديث إلى نهاية القرن العشرين ،نجد انّ القائمة طويلة جدا تتشعب بتشعب العالم العربي ،وتتنوع بتنوع الروافد الشعرية من شعر عمودي إلى شعر التفعيلة الذي ظهر سنة 1947م ،حيث زيّن فراش الساحة الشعرية العربية ،واعتبر منتوجا وابتكارا نسويا،وقد ظهر على يد نازك الملائكة بقصيدتها المشهورة "الكوليرا"التي كانت تحمل معاناة الشعب البغدادي الذي ساندته الشاعرة بقلمها على اثر انتشار الكوليرا في بغداد لكنّها كانت مخالفة للكوليرا في مصر ،فكوليرا بغداد انتفاضية بينما الاخرى عبارة عن مرض قاتل ، وبهذا خلفت "نازك الملائكة" "الخنساء" وتحلت بفحولتها الشعرية .(12)

من خلال طرحنا السابق فما توصلت له المرأة في العصر الحديث ماهو سوى مجموعة من التراكمات التاريخية التي ساعدت في وضع اسس صلبة لانطلاقة المرأة الكاتبة المعاصرة ، وهذه الأعمال المشار اليها هي قليلة اذا ما قورنت بنظيراتها عند الرجل ،ولكن ما رأيناه أنّ المرأة لعبت أيضا دورا لا بأس به وقطعت أشواطا كبيرة لتحاول إثبات وجودها بوصفها كائنا مبدعا لا تقتصر مهامه فقط على الواجب المنزلي ورعاية الأطفال وتلبية حاجيات الزوج ،وإنما هي تعدت ذلك لتثبت أنّها كائن مفكر يستطيع أن يبدع.

قائمة المصادر والمراجع المعتمدة:

1-مجلة رسالة المسجد "المراة في القرآن الكريم "، العدد الثالث ،الجزائر 2005،ص48.

2-سورة التوبة، الآية71.

3- سورة الأحزاب،الآية 35.

4-سورة آل عمران،الآية 195.

5-سورة النساء،الآية 19.

6-حدة براينية،سورة الآخر في ثلاثية أحلام مستغانمي ،مخطوط،جامعة سوق اهراس 2006-2007 ،ص 5.

7-مجلة المسجد"مساهمة المرأة في الأدب واللغة" ،العدد السابع ، الجزائر 2008،ص71-72.

8-المرجع نفسه ،ص72.

9-المرجع نفسه ،ص73.

10-المرجع نفسه ،74-75.

11-المرجع نفسه ،ص76.

12-صلاح صال:سرد الآخر ،الأنا والآخر عبر اللغة السردية ،المركز الثقافي الدار البيضاء،المغرب،ط1، 2003 ،ص 137.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى