الأحد ٢٢ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٣
بقلم فاروق مواسي

لكل صوت صدى

على إثر نقاش دار بيني وبين صديق حول جدوى ما نقول وما نكتب- استذكرت ما كنت كتبته في كتابي «حديث ذو شجون»، الناصرة: مطبعة النهضة- 1995، ص 131.

رأيت أن حديث الأمس ما زال صالحًا لليوم، لكني أجريت عليه هنا يد التنقيح، فهو يدعو إلى القول وإلى الفعل، وما أحرانا أن نقرنهما معًا ليسوقا مركبة الأمل-
الأمل نحو الأفضل والأمثل والأجمل!

لكل صوت صدى

ينكر البعض أن تكون للمعالجات الاجتماعيات فائدة تذكر، بدعوى أن ليس هناك من يعمل وفق ما ننشده. وإذا كان هناك من يعمل فليس هناك من يقدَر حتى بكلمة ثناء.
إذن، فما تفعله هباء في هباء.

ومثل هذا التوجه (أو النمطية) مثبط للعزيمة، ويجعلنا في قفز موضعي متواصل. ولو استجاب له من يحملون الرسالة لكان في الأمر إحباط وتيئيس.

لكن الله قيض أن تنفر من بيننا طائفة تحمل الرسالة للإصلاح، وهم يجشمون أنفسهم المشقة وأعصابهم الرَهق، لا من منطلق المنفعية كما يزعم البعض الآخر، ولا منطلق الشهرة كما يزعم بعض آخر،

وإنما لأنهم مضطرون إلى العمل/ الكتابة مسوقون إليه أو إليها.
ويحضرني في هذا السياق مثل عبري يقول: (بقدر ما يحتاج إلى الرضاعة فان أمَه مضطرة أكثر إلى الإرضاع) .

مثل هذه المقالات الاجتماعية الإصلاحية قد تكون أصداء لصوت سبق، ولا بد أن أصداء أخرى ستتوالد أقوى، كحركة الأمواج المتدافعة. فهذه هي سُنَة الحياة، نأخذ ونعطي، وغرسوا فأكلنا، ونغرس فيأكلون.

أقول ذلك وأنا أعقّب على ما كتبه إليّ أحد كتابنا ذاكرًا أو مذكّرًا أنه قد عالج موضوع الخلط بين العربية والعبرية قبلي، وأنه بعد أن قرأ مقالتي التي هي بعنوان (اللغة العِـرْبية) علّق قائلاً:
"لا جديد تحت الشمس".

وقد تسنى لي أن أعود إلى مقالة الكاتب فلم أجد فيها حلاًّ مقترحاّ بل تيئيسًا
وأنا لا ألومه على ذلك، لأن المرحلة مختلفة، ونحن اليوم لسنا كما كنّا من قبل.

إذن، فكل صوت ينبعث من أحدنا لا بد أن يكون له صدى، حتى لو لم نتبين تواصل الصوت، فإن طبيعة التغيير في المجتمع تحتم علينا النظر مجددًا في كل مسألة تجابهنا. ولا تثريب علينا أن نُبدىء ونعيد، وحتى أن نكرر فكرة مقالة بضع مرات، لأننا في كل حالة نضيف ولو اليسير،
وكلما أدركنا عمق الشيء صغناه بكلمات أوضح وأيسر.

فكم من فكرة وئدت، لكن العزاء أن بذرتها ستسبق في الظروف المهيئة والمهيأة.

فلا يقعدن أحد عن فكرة يرى فيها الخير لمجتمعه، ولكن لتكن واضحة، محددة، عملية، لا تعميم فيها ولا إبهام، ولا استعراض عضلات ولا إقحام.

عندها سيجد أصحاب النوايا الحقيقية أصداء وأصداء تتجلى بصورة أو أخرى.

قال لي أحد المعلمين القدامى وهو يحاورني:

ها أنذا أعلّم منذ ثلاثين سنة، أعصابي احترقت، ولم يقل لي أحد حتى اليوم:
الله يعطيك العافية!

قلت له: ولكنك قانع بعملك ومجدّ، فحسبك هذا من أجر!

قال: أخشى ما أخشاه أن يكون جهدي خواء في خواء.

قلت: جهدك يسري في دماء طلابك كما يسري العلاج في دم المريض.
وصوتك كان له صدى بل أصداء، فلا تبحث عنها ما دمتَ قانعاً برسالتك التي تميزت بالوفاء.

يقول شاعرنا نزار قباني في هذا السياق:

كم أعـاني مما كتبـت عـذابـاً
ويعاني في شرقنا الشرفاء
وجع الحرف رائع.. أو تشكو
لـلبســاتين وردة حـمـراء؟

أما أنا فأقول:

اُكتبِ اليوم ما تعاني بصدق
فغدًا قد يشـعّ فيــنا الـضيــاء
كل صوت صداه لا بد يأتي
والــتعــابيــر كلــهــا أحيــاء

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى