الجمعة ١٤ شباط (فبراير) ٢٠١٤
بقلم مصطفى أدمين

الأرض متسع للفن والأدب

الأرض متسع للفن والأدب
بمساهمة أعضائها المؤسسين؛ الفنانين التشكيليين المصطفى غزلاني، الإمام دجيمي، عبد المالك بومليك، ومحمد نجاحي، تبعث"جماعة أرض" الحياة في جسد عاصمة سوس بإقامتها لمعرض للوحات فنية تمجد الأرض ورموزها، بقاعة المتحف البلدي للتراث الأمازيغي انطلاقاً من يوم الجمعة 07 فبراير 2014 .
وبموازاة مع معرضها الموسوم باسم "أرض 4 "؛ استضافت الجماعة الدكتور عبد الإله رابحي لتوقيع كتابه "نسيج العنكبوت" ليلة السبت 08 فبراير. الكتاب الذي قدّمه الروائي مصطفى أدَمين وأدار النقاش حوله:
في 170 صفحة من القطع المتوسط، وفي حلة أنيقة، تناول رابحي إشكالية التخييل وتعريف القصة النبوية، ثم تناول بالتحليل والنقد التخييلين المدنس والمقدس، وما بينهما خاتما بوظيفة المتخيل وعلاقته بجوهر الكائن البشري.
الدراسة النقدية للتراث السردي العربي المغبون التي قدمها رابحي في كتابه، تحاول ـ في مكنونها ـ الإجابة عن السؤال الذي طرحه المفكر المغاربي محمد أركون:" كيف استطاعت هذه النصوص (التراثية السردية) أن تشغل وعي الناس لأجيال وتفرض هيبتها وقدسيتها على الجميع وأن تنسينا تاريخيتها؟"
ليست جميع النصوص التراثية السردية مرغوبا فيها من طرف "عقلاء" القرن الواحد والعشرين، وبالأخص في ظل احتدام الصراعات الفكرية والإيديولوجية وظاهرة "العودة" إلى الديانات وتسييسها.
كتاب "مجالس العرائس" لأبي إسحاق النيسابوري الثعلبي" واحد من تلك الكتب "الصفراء" المنبوذة من "أهل الفقه" لكون صاحبها الذي يتوخى الوعظ والاستدلال على وجوبه لا يعدو أن يكون إلا تلميذا ضعيفا في علوم القرآن والحديث.
يمكن أن نتفهم لماذا "استسفه" الكثير من الفقهاء كتاب "قصص الأنبياء" للثعلبي، ولكن ما يثير الاهتمام البالغ هو إقبال عامة الناس على "عرائس الأنبياء" قراءة وسماعا (؟)
لعلّ الثعلبي يعلم أو لا يعلم أنه ضعيف الإسناد، وأنه أتى بأحاديث ضعيفة وموضوعة وبالإسرائيليات، غير أنّه استعاض في كتابه "العرائس" عن نقص تكوينه "الأكاديمي" بإعمال الكثير من التخييل لدرجة سلبنا القدرة على التمييز بين المقدس والمدنس، وبين الواعظ و"الأديب".
الإيمان في "الحيوان" سلوك فكري يميز الإنسان، لذا نجد أن كل الأنبياء تقريبا، ارتبطوا به. فهذا صالح وناقته، وهذا يونس وحوته، وذئب يوسف، و كبش إبراهيم، حية موسى، هدهد سليمان، وعنكبوت محمد...
نجد هذه الرموز الحيوانية في القرآن ليضرب الله بها مثلا لعباده مثل "الحمار" الذي يحمل أسفارا، و"الكلب" اللاهث على الدوام، و"العنكبوت" صاحب أوهن البيوت...
"العنكبوت ونسجه" الذي اختاره رابحي عنوانا لعمله النقدي، يستوقفنا لطرح العديد من الأسئلة.
المعروف في ثقافتنا الإسلامية أن "العنكبوت" أنقد محمدا وصحبه من الموت عندما أقبل ملاحقوهما غارا اختبآ فيه. ولولا أن "عنكبوتا" نسج في حينه نسجاً لسدّ مدخل الغار، لفطن أعداء محمد لوجوده فيه ولقتلوه: تتجلى هنا مفارقة نسيج العنكبوت الذي هو في ظاهره يبدي، لكن، في واقعه يخفي ؛ أي أن له وظيفة الإخفاء بواسطة حيلة الإبداء.
هذه المفارقة في وظيفة النسج، توجد أيضا لدى الكاتب الذي كعنكبوت ينسج نصوصه البادية لإخفاء ما يريد إخفاءه أو للإيقاع بالقارئ في مصيدة النسيج مثل الذبابة التي تقع في نسيج العنكبوت. فهل كتاب عبد الإله رابحي من هذا النوع؟ وأيّة طريدة يطاردها؟ ولأي هدف؟
في مداخلته، يقول رابحي بأن الكتب التراثية الصفراء تستهويه، وخصوصا تلك التي ينبذها "الفقهاء والحكام". وأنه لا يعود للتراث بتفكير ماضوي مجاني، بل بتفكير حرّ ومحرر للتراث من الأحكام المسبقة وبالحدود المطلقة التي طالته. وهو يأمل من ذلك أن نتعامل مع التراث بشكل حداثي لا يعتمد الشعارات غير الملحقة بالعمل على إعادة مساءلة التراث والاستفادة منه وتحيينه وتطويره لأجل تطوير الذات والعقل العربيين.
ويقول بأنه ضد الكتاب المستبلِد للقارئ والذي يقدم أجوبة جاهزة لقضايا تراثية تتطلب أكثر من سؤال وتفترض أكثر من جواب. ونحن معه في هذا التصور؛ فالتراث الأدبي بجميع أصنافه (الشعر، النثر، المقامة، الخرافة، الأسطورة، السرد النبوي، قصص القرآن...) من الغنى والتعقيد بما يوجب التواضع والدراسة المتحررة من سلطة الأقديمن والدراسة المستعادة.
في مداخلة للمسرحي المقتدر عبد القادر اعبابو، تمت الإشارة إلى أن كتاب "نسيج العنكبوت" لرابحي كتاب غير عادي لأنه يبحث في أنوية ثقافية قديمة تطرح قضية كينونة الإنسان والأسئلة المرتبطة بها من الجانبين التقديسي والتدنيسي، وأنه ورشة مفتوحة للمزيد من الاجتهاد.
في حين تساءل الدكتور رشيد يحياوي عن نوع القراءة التي أقدم عليها رابحي هل هي أدبية سردية أم أنتربولوجية؟ وذكّر برمزية العنكبوت في ثقافتنا المغربية كحيوان أديب في نسجه وفي إعادة نسجه إلى حد موته، وكيف هو الحيوان يحظى بالتوقير.
الفنان التشكيلي الشاعر الروائي المصطفى غزلاني أغنى مخيال الحاضرين بهذا السؤال:" وأنت تنسج خيوطك حول العرائس رأيت الرجل الذي كان يرقبك من الزمن الغابر..." ليجيب رابحي بالقول:"الثعلبي راض على رابحي لكون رابحي نفض الغبار عنه في "نسيج العنكبوت".
نعم ! ألا ما أحوجنا إلى نفض "الغراب" عن تراثنا الغني !
لتأكيد هذا المطلب، تدخلت القاصة الرقيقة لطيفة باقا بالقول:"موضوع قصص الأنبياء بين المقدس المرتبط بالنصوص المقدسة، والمدنس المرتبط بالإنسان وحاجته إلى القصص وإعمال الخيال موضوع يشكل حقلا ملائما للبحث والبحث المعكوس".
لينتهي اللقاء الأدبي بتهافت الحاضرين على اقتناء نسخ من "نسيج العنكبوت" ويسترسل بلقاء مفتوح بين "مجموعة أرض" وعدد من المهتمين بالفن التشكيلي المرتبط بأمنا الأرض.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى